كتبت ـ جيهان الغرباوي: تروي إحدي الأساطير حكاية الأرنب الأبيض الصغير, الذي كاد يأكله الذئب المفترس, لولا أن الأرنب لجأ للحيلة ودخل في حوار هادئ مع الذئب وأقنعه بأن صوته جميل وعليه أن يغني,
وحين عوي الذئب المغرور, سمعه الكلاب وجروا نحوه وهجموا عليه حتي أردوه قتيلا(!) ورغم أن القصة قد تبدو للبعض خيالية أو ساذجة, إلا أن الدكتور إسماعيل سراج الدين, مدير مكتبة الإسكندرية, راهن عليها وقدم لجمهور صالون الأوبرا الثقافي هذا الأسبوع ـ بالأرقام والصور والوثائق ما يبرهن وينبئ عن إمكان تكرار القصة نفسها في الواقع ما بين المصلحين أصحاب الأحلام الكبيرة والأفكار الطيبة, وبين أصحاب النفوذ والمصالح الاقتصادية الشرسة التي لا تعرف الخير ولا الرحمة.
وقد جاء حديث سراج الدين عن أصحاب الأفكار وأصحاب المصالح في سياق محاضرته العلمية الشيقة بعنوان( الحرب علي الجوع), مشيرا إلي عدة حقائق مدهشة, منها أن200من رؤساء الدول والزعماء والقادة في العالم اجتمعوا بمناسبة بداية الألفية الثالثة, وكان هدفهم الأساسي وقتها الاتفاق علي الإجراءات والقوانين المشتركة التي يستطيعون بها مكافحة الفقر ومحو الجوع عن وجه الأرض, والآن بعد عشر سنوات من اجتماعهم والخطب الرنانة التي ألقوها في الأمم المتحدة, زاد عدد الجوعي من850 مليونا إلي مليار إنسان في العالم لا يجد ما يأكله ليبقي علي قيد الحياة.
ومن طريف ما ذكره أيضا مدير مكتبة الإسكندرية, أن النساء أفضل من الرجال في مهمة إنقاذ الأسرة من الفقر والجوع, ونسبة إقبال الأمهات علي المشاريع الصغيرة والأعمال اليدوية المنتجة أعلي بكثير من نسبة نجاح الآباء في الشيء نفسه, رغم أن النساء في إفريقيا علي سبيل المثال ينتجن%80من الغذاء, ويأخذن%10 من الأجور, ويمتلكن1% فقط من الأرض.
أما في أمريكا, فقد بلغ الصراع بين أصحاب المصالح الرأسمالية العملاقة وبين المناصرين لحق الفقراء وحماية البيئة لدرجة جعلت هناك الآن جماعات ضغط مأجورة وخبراء متخصصين مهمتهم التأثير علي أصحاب القرار وأعضاء الكونجرس لمنعهم من إصدار تشريعات تناصرالمزارعين الصغار أو تحمي الجوعي والمرضي, أو تؤمن الأطفال والمقعدين, مادام كان ذلك ضد ثقافة الاستهلاك الضخم وضد مصالح رجال الأعمال والكيانات الاقتصادية الكبيرة.
وتأسيسا علي ما سبق,%96 من شعوب العالم الآن لديها إحساس بالظلم وعدم المساواة, وهذا الإحساس النفسي هو جوهر الفقر في الحقيقة, فقد أثبتت التجارب العملية والقياسات العلمية أن الفقر ليس مجرد نقص في الأموال أو الموارد أو التكنولوجيا, لكن له أيضا بعد نفسي سببه الإحساس بالتهميش وعدم المشاركة في القرار, وعدم شعور الإنسان بكرامته وقيمته وافتقاده الأمل في المستقبل.
وأخيرا أضاف سراج الدين أنه شخصيا كان طالبا في جامعة هارفارد وليس في جيبه من المال غير أقل القليل, لكنه وزملاءه ممن في حالته لم يكن لديهم شعور بالفقر.
ساحة النقاش