نجيب محفوظ والأبداع العالمي في مرآة النقد
كتب : محمــــد هـــــزاع
حول علاقة نجيب محفوظ بتيارات الإبداع العالمي تقول د. هدي وصفي استاذ الأدب الفرنسي جامعة عين شمس: تأثر محفوظ بالشكل الغربي للرواية لأنه قد تأثر بجملة قراءاته الأولية التي ارتبطت بالرواية البوليسية,
ونحن نعلم الآن أن هناك الكثير من الدراسات التي تربط الإبداع العالمي بشكل ما مع بنية الرواية البوليسية, وعلي سبيل المثال مسرحية( أوديب) لسوفوكليس حيث اعتبرها بعض النقاد رواية بوليسية لأنها كانت تساؤلا في البداية حول من يكون أو من أنا, فكان تأثر نجيب محفوظ بالرواية البوليسية بالإضافة إلي تأثره بالكتاب الكبار الفرنسيين مثل بلزاك وغيره من كتاب انجلترا.
وتضيف د. هدي وصفي أن التيار الواقعي سبقه التيار الرومانسي في فرنسا والذي سبقه أيضا تيار التاريخ الوطني, واهتم محفوظ بالتاريخ الوطني والفرعوني فكتب كفاح طيبة ورادوبيس وتأثره بالرواية التاريخية والرومانسية ثم النقد الاجتماعي. والأمر الذي سهل حصوله علي جائزة نوبل هو تبنيه قالب الرواية الغربية المعتمدة علي السرد والحوارات, وهي مقبولة للمتلقي الغربي بهذا الشكل الروائي. وتأتي مرحلة أصداء السيرة الذاتية وأحلام فترة النقاهة وهي مرتبطة بالتيار التصوفي وكان يتعامل مع كل التيارات الفكرية بحيادية شديدة, وهو الذي استطاع أن ينقل محليته الابداعية الي الإطار العالمي دون الإخلال أو المغايرة بقيمه مع الإيمان بقضية الانتماء.
ويري المفكر الكبير د. محمد عناني استاذ الأدب الانجليزي جامعة القاهرة, إن البداية من الفم الأدبي لا من الالتزام بمعايير علمية أو بقيم أجنبية, الوصول إلي العالمية لا يكون إلا من خلال الفم الأدبي أولا والفم الأدبي يقتضي الصدق بمعني ألا يزيف الأديب شيئا في سبيل إرضاء جمهوره في الداخل أو في الخارج. فكم من أديب عربي اشتهر بالخارج دون أن يكون له ذكر في وطنه, لأنه قصد قصدا إرضاء الأجانب من خلال الالتزام بقيمهم ومعاييرهم, ولأنه تعجل الشهرة والوصول, وفي سبيل هذا لم يتردد في تقديم صور لواقع زائف وغير صادق حتي مع نفسه. ويشير د. عناني إلي أنه عندما اكتشف الأجانب عبقرية نجيب محفوظ اكتشفوا أول ما اكتشفوا أنه فنان صادق يؤمن بالالتزام بقضية الانتماء لشيئين أساسيين, الوطن, وفم الأدب وكلاهما قطبان يجتمعان لكل ما كتب نجيب محفوظ. وعندما كنت بالخارج كان النقاد الذين قرأوا أعمال محفوظ المترجمة يقولون لي إن هذا الرجل ينضح في عبق مصر ونحس فيه نبض الحياة المصرية الصادق. ثم يقول د. عناني, طبعا نحن كما قال لويس عوض, اجتمعنا يمينا ويسارا علي إدراك خصائص فن محفوظ التي جعلته يتجاوز أي تمييز عقائدي من أي نوع, وكان نقاد اليسار يرونه يساريا ونقاد اليمين يرونه يمينيا لأن فنه استطاع أن يتجاوز الفوارق بين هذا وذاك فمن ينشد الوطن في فنه يخلص الفن له في وطنه, العالم يري أن نجيب محفوظ ظاهرة مصرية أصيلة يستطيع الأجانب أن يدركوا منها طبيعة مصر وأهلها وأرضها وتاريخها وفنها.
نجيب محفوظ يعد من أكثر الأدباء العرب اقترابا من الروح العالمية ومن الإبداع العالمي في هذا السياق يقول الناقد الأدبي د. حامد أبو احمد الأستاذ بجامعة الأزهر, تخرج نجيب محفوظ في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة, وهذا القسم معروف عنه أنه يدرس الفكر العالمي ابتداء من اليونان الي الوقت الحاضر, ويهتم هذا القسم بصفة خاصة بالفلسفة الحديثة: إيمانويل كانت, وهيجل, وشوبنهور, وماركس, وسارتر وغيرهم. كما أن الأدباء في عصر نجيب محفوظ كانوا مهتمين بقراءة الأدب العالمي: ديكنز, وبلزاك, وزولا, وتولستوي, وديستويفسكي, والبيركامي وغيرهم. وأذكر أني في حوار مع نجيب محفوظ قبل حصوله علي جائزة نوبل بعام واحد سألته كيف قرأ الأدب العالمي وهو مجال شديد الاتساع؟ فأجابني: كنت أختار لكل أديب عملين أو ثلاثة من أهم أعماله وأقرأهما باهتمام شديد.
وبالطبع فإنه أديب توافرت لديه هذه المعرفة القوية بالفكر العالمي والأدب العالمي كان لابد أن ينجح في تأصيل الرواية العربية ومنحها حق المنافسة علي مستوي العالم. ويضيف د. حامد أبو أحمد أن جائزة نوبل عام 1988 جاءت تتويجا لمسيرته الطويلة التي تشكلت في عدد من المراحل المهمة بدءا من المرحلة التاريخية وانتهاء بـ أصداء السيرة الذاتية و أحلام فترة النقاهة. ويشير الناقد الأدبي د. حسام عقل عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة, إلي أن نجيب محفوظ يعد واحدا من أقوي رواد التيار الواقعي في القصة العربية كان من سمات إبداعه الروائي وقاسما مشتركا في رحلته, وكان من الرواد الذين تأثر بهم, ستاندال في مجمل نصوصه خصوصا روايته الأحمر والأسود, وكذلك أونوريه دي بلزاك في معظم نصوصه خصوصا هذه النصوص التي عرفت بـ المهزلة الإنسانية وأبرزها الوالد جوريوه و الزنبقة في الوادي و طبيب الريف و البحث عن المطلق فضلا عن التأثر بـ بروسبير ميرميهو فلوبير و زولا وصولا إلي مارسيل بروست.
كما كان للرواية الروسية دور بارز كما يقول د. عقل في إمداد محفوظ بنماذج قصصية لا حد لثرائها وخصوبتها خصوصا جوجول و تشيكوف و تولستوي ولا ننسي أن تراث القصة العربية الواقعية كان في جملة المؤثرات التي شكلت وعي محفوظ وبخاصة محمد تيمور و محمود تيمور و طاهر لاشين و د. حسين هيكل.
ساحة النقاش