الطلاب‏..‏ والمشاركة السياسية
بقلم:د‏.‏ رجاء سليم


تعتبر المشاركة السياسية أسلوبا ديمقراطيا ومعلما رئيسا من معالم المجتمعات المتقدمة‏,‏ ولا تتم تنمية حقيقية‏,‏ ولا توجد ديمقراطية بدون مشاركة سياسية خلاقة وإيجابية‏.‏وهي أي سلوك له دافع سياسي يمارسه المواطنون بهدف الوصول لتغييرات جوهرية أو ثانوية في صنع السياسات العامة‏.

 

 أو التأثير علي النهج السياسي للمسئولين الحكوميين‏,‏ أو التأثير في اختيار القيادات السياسية عند أي مستوي محلي أو دولي‏,‏ وهي نشاط طوعي‏:‏ ناجح أو غير ناجح‏,‏ منظم أو عفوي‏,‏ مباشر أو غير مباشر‏,‏ متقطع أو مستمر‏,‏ سلمي أو عنيف‏,‏ شرعي أو غير شرعي‏,‏ مؤثر أو غير مؤثر‏,‏ وقد تكون المشاركة سلبية مثل الامتناع المتعمد عن التصويت في الانتخابات‏.‏
الواضح أن درجة المشاركة السياسية في الدول المتقدمة أعلي منها في الدول النامية‏,‏ إلا أن مستوي المشاركة السياسية بدأ يزداد أخيرا في الدول النامية‏,‏ وذلك يرجع لعدة عوامل من بينها‏:‏ الحراك الاجتماعي المتزايد الناتج عن التحديث السريع‏,‏ وانتشار التعليم‏,‏ وبزوغ الطبقة المثقفة‏,‏ ونمو الطبقة المتوسطة‏,‏ والتنافس بين النخبة للحصول علي تأييد شعبي‏,‏ وإذا نظرنا للطلاب بصفتهم المحور الأساسي للعملية التعليمية‏,‏ فإن تنشئتهم التنشئة السياسية السليمة سيكون له عظيم الأثر علي دورهم في تنمية مجتمعهم بعد انخراطهم في الحياة العملية‏,‏ فما هو دور الطلاب في أحداث بلادهم؟ وكيف يمكن الاستفادة من طاقاتهم؟ لاشك أن الطلاب يمثلون قطاعا مهما في المجتمع‏,‏ حيث إن نسبتهم كبيرة مقارنة بالفئات الأخري في بعض المجتمعات‏,‏ فطلبة الجامعات ينتمون إلي قطاع الشباب الذي تنعكس التغيرات السلوكية والنفسية علي سلوكهم السياسي‏,‏ والطلاب بمثاليتهم وحماسهم واندفاعهم وآمالهم‏,‏ وأيضا احباطاتهم يميلون بطبيعتهم نحو التذمر‏,‏ وربما الثورة‏,‏ فإذا توافق ذلك مع البيئة المحيطة من سوء الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏,‏ فإن حركات الاحتجاج الطلابية تمثل تحديا كبيرا للقيادة السياسية في دولها‏,‏ وإذا كانت شديدة الانفجار فإنها قد تؤدي إلي إنهيار النظام السياسي القائم أو إجباره علي تعديل المسار‏.‏
كان الطلاب دائما عاملا مؤثرا في التغيير الاجتماعي والثوري الذي حدث في الدول النامية‏,‏ والأمثلة عديدة للحكومات التي سقطت بتأثير الحركات الطلابية سواء في آسيا أو في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية‏,‏ ويرجع نجاح الحركات الطلابية في القيام بدور فاعل في الأحداث في الدول النامية إلي‏:‏ أن الطلاب قد لعبوا دورا فاعلا في المطالبة بالاستقلال‏,‏ وأن كثيرا من هذه الدول تفتقر إلي المؤسسات الدستورية المستقرة‏,‏ وأن الطلاب يعتبرون أنفسهم فئة متميزة‏,‏ فهم في وضع يؤهلهم ليتقلدوا مناصب النفوذ والقوة مستقبلا‏,‏ كما أن غالبية النظم السياسية في الدول النامية غير ديمقراطية فضلا عن انتشار الامية‏,‏ وعدم كفاءة وسائل الاتصال‏.‏
إذا نظرنا إلي الدول المتقدمة نجد أن دور الطلاب اقتصر علي الاحتجاج علي استخدام الاسلحة النووية أو القضايا المتعلقة بتلوث البيئة أو مشكلة البطالة‏,‏ وذلك يرجع إلي وجود جماعات أخري غير طلابية تطالب بالإصلاح‏,‏ والتغيير مثل جماعات المصالح ومنظمات المجتمع المدني‏,‏ والأحزاب ووسائل الإعلام‏.‏
باستقراء التاريخ نجد أن حركات الطلاب تفجرت في مناطق عديدة من العالم‏,‏ فالطلاب كانوا العنصر المحرك للثورات عام‏8481‏ في ألمانيا والنمسا‏,‏ وأهمية الحركات الطلابية في الحياة السياسية لها تاريخ طويل‏,‏ ولكن فترة الستينيات من القرن العشرين لها أهمية خاصة‏,‏ لما شهدته من انتشار واسع‏,‏ فقد كانت هذه الحركات سببا في انهيار حكومات‏,‏ وتغير سياسات‏,‏ لذلك جذبت الأبحاث والدراسات المرتبطة بالحركات الطلابية السياسية وتحليل اتجاهاتها وسلوكهم‏,‏ اهتمام العديد من العلماء والمحللين السياسيين من مختلف دول العالم في تلك الفترة‏,‏ لكن هذا الاهتمام خفت حدته قليلا في الدول المتقدمة‏,‏ حيث انحسرت هذه الحركات الطلابية مع بداية السبعينيات‏,‏ ثم عادت الأضواء تسلط عليها من جديد في الثمانينيات والتسعينيات‏.‏
في مصر برز دور الطلاب علي مسرح الأحداث السياسية‏,‏ فنظموا المظاهرات سواء داخل أسوار الجامعة أو خارجها‏,‏ تفاعلا مع أحداث تمس مصالحهم كطلاب‏,‏ أو ترتبط بقضايا قومية أو عربية أو دولية‏,‏ إلا أن تلك المظاهرات ما هي إلا صورة من صور التعبير عن الرأي‏,‏ ومستوي واحد فقط من مستويات المشاركة السياسية‏.‏
للاستفادة من طاقات الطلاب‏,‏ يتعين علي المسئولين الاهتمام بتنمية المشاركة السياسية الايجابية لهم خلال‏:‏ جعل التعليم يطور وينمي مفهوم المواطنة والمسئولية والثقة بالنفس والشعور بالمكانة‏,‏ خاصة أننا في عصر انشغل فيه كثير من الشباب بأمور سطحية‏,‏ وضرورة نشر ثقافة المشاركة السياسية في المدارس والجامعات‏,‏ ومن خلال وسائل الإعلام‏,‏ وحثهم علي الانخراط في الحياة السياسية‏,‏ وفي قضايا أمتهم والمشاركة في صنع مستقبلها الذين هم جزء منه‏,‏ وبذلك نبتعد بالطلاب عن الإحساس بالاغتراب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي‏.‏
لاشك أن المجلس القومي للشباب يقوم بدور ملموس في توعية الشباب سياسيا وتشجيعهم علي المشاركة السياسية‏,‏ خلال‏:‏ إصداراته السياسية‏,‏ وتدريبهم علي قواعد الممارسة الديمقراطية خلال برلمان الشباب‏,‏ وربط شباب مصر من أبناء الجاليات المصرية بالخارج بالوطن خلال الملتقي الذي ينظمه لهم‏,‏ لكن يتعين تدعيم هذا الجهد من داخل الجامعات خاصة في الاجازة الصيفية‏,‏ ولماذا لا يتم إحياء منظمة الشباب بشكل جديد يلائم المرحلة الحالية والتي شرفت بالانتماء إليها؟ والتي قامت في الستينيات من القرن الماضي بدور كبير‏,‏ وأفرزت العديد من القيادات السياسية والدبلوماسية والإعلامية وأساتذة جامعات‏,‏ الذين برز دورهم المتميز في خدمة الوطن‏,‏ ولماذا لا تتم الاستفادة من نتائج الدراسات السابق إجراؤها حول الشباب وتنفيذ توصياتها؟ وأتمني أن يقوم المركز القومي للبحوث الاجتماعية بإعداد دراسة من واقع جداول الانتخابات بعد التصويت في انتخابات اعضاء مجلس الشعب لمعرفة مدي مشاركة الطلاب في هذه الانتخابات‏,‏ واستخلاص النتائج‏,‏ لرسم خطة مستقبلية لجعل مشاركة الطلاب في الحياة السياسية المصرية مشاركة خلاقة وإيجابية‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 221 مشاهدة
نشرت فى 28 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,746,546