سعد والنحاس بصمة بارزة في مصر |
الاثنين, 15 نوفمبر 2010 13:49 |
سعد زغلولعرض: مصطفى أبوحلوة أعمال نجيب محفوظ ليست كغيرها في الأدب العربي الحديث فإلي جانب القيمة الأدبية التي لم ينفرد هو بها في عصر ازدهار روائي مازال مستمراً تبقي لأعماله أهميتها الخاصة التي لا يرقي غيرها الي مثلها بسبب نفاذها الي عمق المجتمع المصري. ولد نجيب محفوظ في ظل حكم الخديو عباس حلمي الثاني ورحل في ظل ولاية الرئيس محمد حسني مبارك وبين هذين الحاكمين عاصر السلطان حسين كامل، الملكين فؤاد وفاروق، والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات.. ولأن "محفوظ" يبدي اهتماما كبيراً بالحياة السياسية المصرية وتمثل صراعاتها وتحولاتها جزءا مهما من نسيج إبداعه الثري ولأنه لا يخفي انتماءه الفكري لـ "الوفد" فإنه عظيم الاهتمام بالزعيمين الجليلين سعد زغلول ومصطفي النحاس. إن الملوك والزعماء والرؤساء الذين ذكرهم هذا الكتاب أصحاب بصمة بارزة في صناعة التاريخ المصري الحديث والمعاصر. عباس حلمي في فيلم أو رواية "بين القصرين" تجسيد بالغ الدقة والوضوح للقيمة الكبيرة والمكانة المتميزة التي كان يمثلها الخديو عباس حلمي الثاني بالنسبة للغالبية العظمي من المصريين في السنوات الأولي من القرن العشرين، فالحديث السياسي الأول الذي تقدمه الرواية يدور بين السيد أحمد عبد الجواد وزوجته أمينة وموضوعه هو وفاة السلطان حسين كامل وتولية أحمد فؤاد، ينتهي الحوار بينهما بدعاء.. فقالت: ربنا قادر علي أن يعيد إلينا أفندينا عباس، فهز الرجل رأسه، وقال: متي؟.. متي؟ علم هذا عند ربي.. ما نقرأ في الجرائد إلا عن انتصارات الانجليز فهل ينتصرون حقا لو ينتصر الألمان والترك في النهاية؟.. اللهم استجب وإذا كان دعاء أمينة بعودة الخديو المنفي يتضمن مجاملة لأحمد عبد الجواد فإن الدعاء الذي ينطلق من الشيخ متولي عبد الصمد يكشف عن أمنية شعبية عامة لا شبهة مجاملة فيها: "أسأل الله المنان أن يعيد إلينا أفندينا عباس مؤيداً بجيش من جيوش الخليفة لا يعرف له أول من آخر". لقد كان الرأي العام المصري كله متعاطفا مع الخديو عباس وزعماء الحزب الوطني، وفي مقدمتهم محمد فريد لكن الهزيمة التي حلت بالألمان، والأتراك بالتبعية، أطاحت بالآمال المعقودة علي عودة المنفيين بعد إعلان الهدنة ونهاية الحرب، يقول فهمي في الفيلم كأنه يخاطب نفسه: "غلب الألمان؟ من كان يتصور هذا؟! لا أمل بعد اليوم في أن يعود عباس أو محمد فريد كذلك آمال الخلافة قد ضاعت لايزال نجم الانجليز في صعود ونجمنا في أفول فله الأمر". لقد استطاع سعد زغلول أن يفرض زعامته التي تتواري الي جوارها كافة الزعامات التاريخية السابقة له وتتحول إلي ذكريات باهتة! فبعد أن كان الخديو عباس هو الأمل وبعد أن كانت الهتافات تردد اسمه تشرق شمس سعد زغلول وتتحول مواقفه مع الانجليز والخديو قبل الثورة كما نجد في "حكايات حارتنا" الي قصص يرويها الرواة!
أحمد فؤاد في الروايات السابقة لثورة 23 يوليو يظهر اسم الملك أحمد فؤاد في رواية واحدة "القاهرة الجديدة" ومن المنطقي أن يكون وجوده محايداً ولا ينم عن موقف سلبي يصعب التصريح به في ظل تولي ابنه فاروق لعرش مصر، وتبدأ أحداث "بين القصرين" الجزء الأول في الثلاثية في اليوم الذي صعد فيه أحمد فؤاد الي عرش مصر يعود أحمد عبد الجواد من سهرته المعتادة فيخبر زوجته أمينة برفض الأمير كمال الدين حسين أن يعتلي العرش ويستطرد قائلا: "وقبل العرش الأمير أحمد فؤاد أو السلطان فؤاد كما سيدعي من الآن فصاعداً وقد تم الاحتفال بتوليته اليوم فانتقل في موكبه من قصر البستان إلي سراي عابدين وسبحان من له الدوام".. ويضيف: لقد اندفع جيل ثورة 1919 في عداء الملك فؤاد بسبب وبغير سبب، كان الملك متحالفاً مع أحزاب الأقلية والاحتلال في جهة والوفد والشعب في جهة أخري، ولذلك فإن موت سعد زغلول لم يكن نهاية العداء الشعبي للملك فؤاد الذي واصل الصراع ضد خليفته الزعيم مصطفي النحاس.
فاروق في الأعمال الروائية والقصصية لنجيب محفوظ قبل ثورة 23 يوليو لا يذكر اسم الملك فاروق إلا مرة واحدة كولي للعهد يختلف طلبة الجامعة حول مكان تعليمه في رواية "القاهرة الجديدة" وبعد قيام ثورة 23 يوليو التي طردت الملك وألغت النظام الملكي يتسع عالم نجيب محفوظ للمزيد عن فاروق.
سعد زغلول يحظي سعد زغلول باهتمام خاص في عالم نجيب محفوظ وهو اهتمام لا يحظي بمثله زعيم آخر في التاريخ السياسي المصري تتعدد مظاهر هذا الاهتمام ويمكن رصد وتحليل الأساليب التي يعبر بها نجيب عن مكانة الزعيم الكبير عبر مراحل حياته المختلفة من خلال عدة عناصر: ما قبل الزعامة ثورة 1919، الزعامة المقدسة، المثل الأعلي، الذكري، الموت، العداء، والنقد، والفكاهة. فلم يكن سعد غلول منذ مولده سنة 1860 حتي اشتعال ثورة 1919 وهو علي مشارف الستين محسوباً من القيادات الوطنية للشعب المصري ويقول عن نفسه "ولدت في أبيانة درست في الأزهر تتلمذت علي يد جمال الدين الأفغاني عملت محرراً بالوقائع المصرية تحت رياسة محمد عبده انضممت الي العرابيين في ثورتهم وفي أول عهد الاحتلال البريطاني اعتقلت كعضو في جمعية الانتقام وفصلت من وظيفتي وعملت في المحاماة ثم القضاء واخترت وزيراً للمعارف ثم وزيرا للعدل". لقد كان دور سعد زغلول في الاعداد لثورة 1919 بمثابة التمهيد لانتقاله من الظل ورجال الصف الثاني الي قلب الامة متحولاً الي معبودها المقدس وزعيمها الشعبي الاول لم يخل الأمر من اتهام لسعد بأنه لم يكن مفجر الثورة، وفي "أمام العرش" يجسد أوزوريس هذا الاتهام في قوله "زعم خصومك أن الثورة قامت وأنت في المنفي وأنك لم تفعل شيئا لاشعالها بل إنك دهشت لقيامها كحدث غير متوقع"، ويرد سعد: "كانت حال البلاد يدعو لليأس واعترف بأنني دهشت لقيام الثورة كما دهش الزعيم السابق وهو محمد فريد، ولكني لم أقصر في تهيئة الجو بالخطابة لدي كل مناسبة والاجتماع بالناس في بيتي وفي دعوة الناس في الريف والمدن لتأييدي في موقفي مما عبأ الشعور القومي، والثورة قامت احتجاجا علي نفيي فكان شخصي في الواقع هو مشعلها المباشر". وأما عن الزعامة المقدسة فيفتتح فهمي عبد الجواد في "بين القصرين" وفي وقت مبكر فكرة تقديس سعد زغلول وزعامته في عالم نجيب محفوظ أمينة تقول مستبعدة فكرة المقارنة مع الرسول كمبرر للاشتراك في أعمال الثورة: "أين نحن من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ كان الله يعينه بملائكته" يهتف فهمي حانقا: "سيعمل سعد زغلول ما كانت الملائكة تعمله"، ويقول المؤلف لقد أشعل سعد نيران الوطنية المقدسة فاستحق تقدير وتبجيل الوطنيين جميعاً وشلة أصدقاء "قشتمر" دليل واضح علي الربط بين سعد والوطنية" عرفنا سعد كمثال للقوة والنضال والذكاء والنزاهة منذ شبابه الأول وبسببه انبثت فينا روح الوطنية التي لم تنتزع في قلوبنا حتي اليوم، ويمثل كمال عبد الجواد في "قصر الشوق" نموذجا للوفدي الذي يقدس زعامة سعد ولعل حسين شداد الذي يخاطب صديقه ساخراً "أنت تجد دائما وراء الأمور إما الله وإما سعد زغلول"، فهو يقدم تعبيراً حقيقياً عن مدي الايمان بالزعيم في العقيدة الوفدية التي يجسدها كمال، ولا تنبع هذه القداسة من ايمان بعبادة البطل لكنها تكونت نتيجة لإحساس الشعب أن سعد زغلول هو زعيم الوفد والأمة، وأنه حريص في كافة أفعاله علي مصلحة الشعب الذي وكله للدفاع عن مصالحة "فليس في مصر من يتكلم باسمها الا سعد وأن التفاف الامة حوله جدير في النهاية بأن يبلغ بها ما ترجوه من الآمال".. واذا كانت زعامة سعدمقدسة فلابد أن يكون الزعيم مثلا يحتذي به الوفديون كل ما يقوله صدق وكل من يرضي عنه يستحق التبجيل والاحترام وكافة الأفكار والقيم التي يؤمن بها جديرة بالمحاكاة فزعامة سعد هي الثورة والتضحية من أجل الحرية والدستور وهي مدرسة وطنية للتربية ومن هنا سر قداستها انها ليست عبادة فرعونة جديرة لكنها تعبير عن مبايعة شعبية لمجموعة من الآمال والقيم القومية التي تتمثل في شخص الزعيم، لقد تحول موت سعد الي يوم يؤرخ به نجيب وكثير من ابطاله ويجسد الكاتب الكبير مشاعر الصدمة المصاحبة لخبر الموت ومشاهدة الجناز ة في روايتين في "حكايات حارتنا" وفي "قشتمر".
مصطفي النحاس يقدم نجيب محفوظ موجزاً لتاريخ حياة مصطفي النحاس من خلال شهادته "أمام العرش" منذ ميلاده في سمنود الي قيام ثورة يوليو واعتزاله الاجباري للعمل السياسي، تتشعب هذه الحياة الحافلة في عالم نجيب بحيث لا يمكني الاحاطة بها الا عبر ثلاثة محاور: الأول في ظل زعامة سعد زغلول والثاني في انتقال الزعامة الي النحاس حتي يوليو 1952 اما المحور الثالث فمن قيام الثورة الي رحيله سنة 1965.. وإذا كانت المرحلتان الاولي والثالثة تتسمان بتواجد ضئيل نسبيا فان المرحلة الثانية من الاتساع والثراء بحيث يلزم تقسيمها الي عدة عناصر: الصراع ضد الملك واحزاب الاقلية معاهدة 1936 قضية الانشقاقات عن الوفد حادث 4 فبراير 1942 حكومة الوفد الأخيرة انجازات النحاس شعبية مقارنة بشعبية سعد زغلول، وتعرض النحاس للنفي مع سعد زغلول الي جزيرة سيشل عام 1921 واشترك في الوزارة الشعبية الاولي لكنه لا يحتل موقعاً بارزاً في عالم نجيب قبل وفاة سعد.. وفي "المرايا" يهتز الوفدي رضا حمادة طرباً "يوم ألغي مصطفي النحاس المعاهدة - معاهدة 1936" ثم أعلن الجهاد يوم سرت من الوادي نفحة في روح". ويعلق الوفدي القديم نادر برهان في "المرايا" علي جنازة النحاس بقوله: هل شاهدت جنازة مصطفي النحاس؟ كانت رد اعتبار شعبي لسعد وللوفد ولأكبر ثورة شعبية في حياتنا، لقد كان النحاس بحق شهيد الاضطهاد.
|
ساحة النقاش