عن الحزن والسعادة
بقلم : د‏.‏ إيمان سند


هي ثنائية حياتية نعيشها جميعا‏,‏ بل هي سيمفونية تندرج نغماتها صعودا وهبوطا‏,‏ ونحن ننشغل بها‏,‏ ونتتبعها‏,‏ ونحاول طوال الوقت الوصول لمفاتيح السعادة‏,‏ والهرب من غيمات الحزن‏.

 

من العجيب أن العلماء وجدوا الرابطة ضعيفة بين السعادة‏,‏ وبين ما يعتقد معظم الناس أنه يجلب السعادة‏.‏ فالصلة ليست حتمية بين المال والسعادة‏,‏ وكذلك الحب والمناصب‏,‏ والتعليم كطرف‏,‏ والسعادة كطرف ثان‏,‏ بل إنه يمكننا أن نجد كل هذه العوامل مجتمعة في أشخاص‏,‏ ومع ذلك لا يتحلون بجزء ولو صغير من السعادة‏,‏ فالمال له سطوته‏,‏ ومع ذلك له متاعبه‏,‏ وهمومه‏..‏ وكذلك الحب له روعة‏,‏ ولوعة‏,‏ وألم‏..‏ والمناصب حظوة وسيادة ولكنها مع ذلك عناء وكد وقلق وخوف من الفقد‏..‏ والتعليم يسمو بالانسان‏,‏ وبعقله‏,‏ ومع ذلك يشقيه‏,‏ ويجعله يحس بدونية الأشياء‏,‏ وتفاهتها قياسا بلذته‏,‏ فلذة اكتشاف العلم لا تضاهيها لذة عند العلماء‏..‏ ولذة السيطرة‏,‏ والتحكم في مقادير البشر تعلو عند أصحاب النفوذ‏,‏ وكذلك المال وجمعه‏,‏ واقتناصه‏,‏ والاستمتاع به عند أصحاب الثروة‏.‏ أما لذة العشق‏,‏ والوجد فهي أشبه بمن فر من قيظ هذا العالم إلي عالم مخملي تحلق به نسمات الربيع‏,‏ وترصعه النجوم في السماء‏,‏ وتحيطه الجداول‏,‏ والزهور من كل جانب‏,‏ وحين يدير المحب عينيه في المكان لا يري إلا ما هو جميل‏..‏ وذلك يقودنا إلي سؤال مهم‏:‏ ما هي مواصفات الأشخاص السعداء؟‏.‏
نستطيع القول إن الأشخاص السعداء هم من يعيشون علاقات حب طويلة ممتدة‏,‏ ومن تربطهم بمن حولهم صلات اجتماعية حميمة‏,‏ ومن يسعون بدأب وراء قضية أو هدف‏,‏ ومن يتحدون مع فكرة يحاولون الوصول إليها‏,‏ ومن عندهم إيمان حقيقي‏,‏ ويثقون في جدوي الحياة‏,‏ وأنها لا يمكن أن تكون نوعا من العبث‏,‏ بل لابد أن يكون بين خطي البداية والنهاية‏,‏ عطاء‏,‏ وحزن‏,‏ وحب‏,‏ وألم‏,‏ وشقاء‏,‏ وعبادة‏,‏ ومتعة‏..‏ هؤلاء هم السعداء فهل أنت منهم؟‏.....‏
إن السعادة مفردات صغيرة تجدها في يومك العادي‏,‏ وليست حادثا طارئا يقابلك بضع مرات في العمر‏.‏ وقد أثبتت الدراسات أن من ترتفع أسهمهم في البورصة فجأة‏,‏ أو من ينالون ترقيات متتالية‏,‏ أو من يربحون جوائز مليونية‏,‏ أو من يجدون أخا أو عزيزا بعد الفقد الطويل‏,‏ أو حتي من تهبط عليهم ثروة من أرث فجائي لا ينتظرونه لا تتغير طبيعتهم‏,‏ ويتحولون في الحال إلي أشخاص سعداء‏,‏ بل يظلون كما هم إما سعداء أو تعساء طبقا لما كانوا عليه قبل الحدث‏.‏ وبذلك تكون السعادة في الأصل تفاعلا مستمرا بين بيئة الفرد‏,‏ ومزاجه الشخصي‏...‏ فالسعادة والتعاسة هما منطقتان متجاورتان بالمخ‏,‏ ولكنهما منفصلتان‏,‏ وغالبا ما تعمل كل منهما مستقلة عن الأخري فيكون الشخص إما سعيدا أو تعيسا‏,‏ ولكنهما في أحيان قليلة تعملان معا‏,‏ فنعيش حالة من السعادة مغلفة بالحزن‏,‏ وأحيانا حزن لكن به أمل‏,‏ وانتظار لسعادة قريبة قادمة‏.‏
وعندما تتبع الباحثون بعضا من هؤلاء الذين كانت تغلب عليهم أمارات السعادة في سن العشرين‏,‏ والثلاثين‏,‏ وجدوهم يتحلون بنفس السعادة‏,‏ والتفاؤل في سن الأربعين‏,‏ والخمسين‏,‏ وفيما بعد ذلك‏..‏ وإن اختلفت ظروفهم البيئية‏,‏ أو حدث لهم حادث‏,‏ أو أصابهم مرض‏,‏ أو فقدوا عزيز لديهم‏,‏ أو حدث طلاق‏,‏ أو هاجر من يحبون‏,‏ أو فقدوا وظائفهم‏..‏ ومع تغير الأحداث واختلاف الأزمان إلا أن هؤلاء بقوا علي عهدهم مع السعادة أو التعاسة‏,‏ يحاولون التكيف‏,‏ والتناغم مع ظروفهم الجديدة ولم يفقدوا أبدا احساسهم بالسعادة‏,‏ ولا ايمانهم بالغد‏,‏ وبأنه لابد لهم من نيل نصيبهم المقسوم من السعادة الحقة بعد ما ذاقوه من محن‏.‏ حيث يري الباحثون أن الجينات الوراثية يكون لها الأثر الأكبر في تحديد ميل الانسان للسعادة أو التعاسة‏,‏ وذلك لأنها تمثل ما بين‏44:52%‏ في وصول الانسان للسعادة‏,‏ بينما تشغل العوامل البيئية المحيطة بالشخص بقية النسبة‏...‏ وهكذا نجد أن تأثير الوراثة‏,‏ أو الجينات أعلي بكثير من التأثير البيئي الذي يشمل بدوره عدة عناصر‏,‏ تأتي الجينات بنسبة‏80%..‏ وإنني أقول يجب أن نساعد أنفسنا علي الوصول إلي قلعة السعادة بشتي السبل بالعقاقير من جهة‏,‏ ومحاولة الوصول إلي واقع مرض لنا من جهة أخري لنكون سعداء‏..‏ ويجب أن نؤمن بأننا نستحق السعادة‏,‏ وليس كما قال فولتير‏:‏ السعادة وهم والشقاء حقيقة‏,‏ بل بإمكاننا أن نجعل من السعادة حقيقة‏,‏ ويمكنك عزيزي القاريء العودة لبداية مقالي لمعرفة مواصفات الشخص السعيد‏,‏ والوصول إليها‏,‏ وتذكر دائما أن السعادة قرار‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 169 مشاهدة
نشرت فى 20 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,737