الفجوة القمحية بين الممكن والمستحيل
بقلم: د‏.‏ عزالدين عمر أبوستيت


إن الفجوة بين ماننتجه ونستهلكه من القمح تراوحت مابين‏40‏ و‏60%‏ وفقا للإحصائيات الرسمية علي مدي السنوات الثلاثين الأخيرة علي الرغم من تضاعف تعداد سكان مصر خلالها من‏40‏ إلي‏80‏ مليون نسمة‏,

 

هذا الثبات النسبي في حجم هذه الفجوة يرجع الفضل فيه لانجازات العلماء والباحثين المصريين في مجال تربية وانتاج هذا المحصول مماأدي الي ارتفاع إنتاجية الفدان من‏9‏ إلي‏18‏ إردبا من خلال السياسات الزراعية التي اتبعت خلال ذات الفترة اتساقا مع ماأعلنه الرئيس مبارك عندما تولي الحكم بأن من لايملك قوته لايملك قراره‏.‏
هذه الإنجازات العلمية والميدانية التي تحققت من خلال المشروعات البحثية والحملات القومية لتحسين إنتاجية محاصيل الحبوب تستوجب التقدير والاحترام‏,‏ إلا أن العامين الأخيرين تحديدا شهدا تدني الأسعار العالمية للقمح الذي تحمل عبأه المزارع المصري في غياب الدعم الحكومي الذي يتوافر لأقرانه بدرجات متفاوتة في الدول الأخري‏.‏ فتراجع إقبال المزارعين علي زراعة القمح‏,‏ كما قل الاهتمام بالانفاق علي المعاملات الزراعية الواجب اتباعها لرعاية المحصول تحسبا لانخفاض الدخل المتوقع مقارنة بالسنوات السابقة‏,‏ فضلا عن الظروف المناخية غير المواتية خلال موسم النمو في أحيان أخري فترتب علي ذلك كله انخفاض الإنتاجية ومن ثم اتساع الفجوة القمحية حتي وصلت حاليا الي‏60 %‏ أو مايزيد عن ذلك وفقا لما سيتم استيراده حتي نهاية العام‏.‏
هذه الفجوة يتحكم فيها‏3‏ عوامل رئيسية يمكن إدارتها بصورة متكاملة تهدف الي تحجيمها بالاعتماد علي الذات وتضافر كل الجهود الرامية إلي تحقيق الأمن الغذائي المصري والذي يشكل أحد أعمدته الرئيسية وذلك علي النحو التالي‏:‏
‏1‏ ـ التوسع الأفقي بزيادة المساحة المزروعة بالقمح‏.‏ فمن المتوقع أن يزيد الاقبال علي زراعة القمح في الموسم الشتوي المقبل‏,‏ بعدما أعلنت الحكومة عن تحديد سعر مجز لتوريد القمح المحلي وفقا للأسعار العالمية والتي يرجح استمرار ارتفاعها في ضوء القرار الروسي بمنع التصدير‏.‏ إلا أنه يفضل ألا يتأخر إعلان هذا السعر حتي يحل موعد الحصاد فيستفيد به التجار دون الزراع‏.‏ كما يجب اتخاذ إجراءات تشجيعية في بداية موسم الزراعة لصغار المزارعين‏(2‏ فدان فأقل‏)‏ مثل تخفيض أسعار الأسمدة الازوتية والتقاوي بنسبة‏50 %‏ لأن أصحاب تلك الحيازات الصغيرة يستهلكون جزءا كبيرا مماينتجونه وبالتالي فإن استفادتهم من سعر التوريد تكون أقل من أصحاب الحيازات الأكبر لأن القمح يواجه لدي هذه الفئة من المزارعين والتي تشكل النسبة الأكبر من الحيازات الزراعية خصما عتيا عنيدا ألا وهو البرسيم الذي يتميز علي القمح بقدرته علي زيادة محتوي التربة من الأزوت العضوي فيزيد خصوبتها كما يخفض محتواها من بذور الحشائش بسبب تكرار الحش‏.‏ كما يجب الاهتمام بالتوسع الأفقي في الأراضي الجديدة بتشجيع الشركات الزراعية العاملة في مجال استزراع الأراضي الصحراوية باستخدام التقنيات الحديثة في الانتاج الزراعي بغرض التصدير وهو مايمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي علي أن تقوم بتخصيص نسبة من المساحات التي تزرعها لمحاصيل الحبوب‏,‏ ومن بينها القمح نظير تملكها لتلك الأراضي أو بزيادة مدة حق الانتفاع‏.‏ أما بالنسبة للاتجاه نحو التوسع في زراعة القمح في الساحل الشمالي والذي يمثل ظروفا مناخية ملائمة لانتاجه فالأمر يحتاج قبل النيات الطيبة لتوفير أساليب متطورة للري التكميلي إذا مازادت فترة الجفاف خلال موسم تساقط الأمطار عن‏25‏ ـ‏30‏ يوما‏.‏
‏2‏ ـ التوسع الرأسي‏:‏ بزيادة غلة الفدان هو أمر يمكن الاستمرار في تحقيقه مثلما تحقق في الماضي القريب فمصر لديها مراكز بحوث بها مدارس علمية عريقة وخبرات متميزة تسعي باستمرار لإمداد المزارعين من خلال برامج التربية التقليدية بالأصناف الجديدة التي تلبي الاحتياجات المتنوعة نتيجة لاختلاف الظروف المناخية مابين شمال الوادي وجنوبه‏.‏ كما يلزم دعم الجهود البحثية باستخدام تقنيات التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية في مراكز البحوث والجامعات المصرية في إطار برامج التربية التقليدية لاحداث طفرة حقيقية في انتاج أصناف تلبي الطموحات الوطنية في زيادة إنتاجية القمح‏.‏
أما في عالم اليوم فإن الانجازات العلمية في مجال التقنيات الحيوية والهندسة الوراثية تظل حكرا علي أصحابها دون سواهم‏.‏ لذلك فإن الاتفاق علي البحث العلمي الزراعي أصبح ضرورة لا غني عنها في عالم لا يعترف بغير القادرين علي مواكبة تطوراته العلمية المتسارعة يتوازي مع ذلك أهمية عودة الروح للحملات القومية لتحسين إنتاجية محاصيل الحبوب وعلي رأسها القمح والتي تتضافر خلالها جهود الباحثين والعلماء يدا بيد مع المرشدين الزراعيين لارشاد المزارعين إلي أنسب التوصيات فيما يتعلق بمعاملات رعاية المحصول مع حل المشكلات التي قد تواجههم أثناء التطبيق أولا بأول وبمايتناسب مع ظروف كل منطقة جغرافية بمايزيد من كفاءة استخدام كل مدخلات الانتاج منذ إعداد الأرض للزراعة وحتي الحصاد بمايقلل الفاقد أثناءه‏.‏
‏3‏ ـ ترشيد الاستهلاك الذي تزايدت معدلاته تدريجيا نتيجة لتحسن مستوي الدخل حتي أصبح الأعلي عالميا‏(561‏ كجم سنويا للفرد‏)‏ إلا أن المستوي القياسي سببه الرئيسي هو أن الدعم الحكومي المخصص لرغيف الخبز لا يذهب في أحيان كثيرة لمن يستحقه لأن الاجراءات المتبعة في هذا الصدد تستهدف بالدرجة الأولي الابقاء علي سعر الرغيف بخمسة قروش بدون تغيير‏,‏ وبغض النظر عن جودة الانتاج أو من يتغذي عليه فعندما يصل سعر طن الذرة الي‏2000‏ جنيه والردة الناتجة من طحن القمح إلي‏1500‏ جنيه‏,‏ بينما سعر شيكارة الدقيق المدعم زنة‏50‏ كجم الموردة للمخابز بغرض إنتاج الخبز التمويني دون سواه يتراوح مابين‏8‏ ـ‏14‏ جنيها حسب مصدر الطاقة المستخدم فتكون النتيجة المنطقية هي الإقبال علي استخدام رغيف الخبز كعلف للمواشي والطيور الداجنة‏.‏ المحصلة النهائية تجعل من المستهلك المستهدف وصول هذا الدعم لمستحقيه مثل المتابعة الدقيقة والدورية لحجم انتاج الرغيف وربطها بالكمية المخصصة لكل مخبز أو بزيادة المخصصات التي يتم صرفها بالبطاقة التموينية من الزيت والسكر وخلافه بمايمثل مقايضة عادلة للمستحقين لهذا الدعم عن تحريك سعر الرغيف بمايقضي علي السوق السوداء للدقيق ويجبر علي رفع جودة الانتاج ويوقف استخدام رغيف الخبز كعلف رخيص‏.‏
كما أن الأمر يتطلب تحسين نوعية الخبز الناتج من دقيق القمح المضاف إليه دقيق الذرة ودراسة إمكان تقليل الفاقد في المراحل المختلفة للتعامل مع حبوب القمح حتي يتم صناعة الرغيف منها‏,‏ بالاضافة إلي إطلاق حملة توعية قومية تشارك فيها كل وسائل الاعلام للمحافظة علي لقمة العيش والأساليب المختلفة لترشيد الاستخدام المنزلي مما سينعكس علي انخفاض الاستهلاك بنسبة لاتقل عن‏20 %.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 51/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 133 مشاهدة
نشرت فى 28 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,733,772