التشغيل والبطالة والحد الأدني للأجر
بقلم: احمد السيد النجار
تعد البطالة وماتعنيه من حرمان القادرين علي العمل بمختلف مستوياتهم التعليمية والمهارية والراغبين فيه عند مستويات الأجر السائدة, من كسب عيشهم بكرامة, من أهم آليات التهميش الاقتصادي والإفقار,
حيث تؤدي البطالة الي دفع هؤلاء العاطلين الي هوة الفقر والاعتماد علي الغير واستنزاف المدخرات أو الميراث في حالة وجودهما والتحول في النهاية الي فقراء.
وهناك اضطراب حقيقي في بيانات البطالة. وعلي سبيل المثال فإن هناك أخطاء ساذجة للغاية, حيث يشير البنك المركزي( النشرة الإحصائية الشهرية أبريل2010, ص117), الي أن إجمالي عدد المشتغلين فعليا عام2008, بلغ22.5 مليون شخص, وعندما أوضح توزيعهم التفصيلي بين قطاع الأعمال العام(1 مليون), والحكومي(5.3 مليون), والخاص(16 مليونا), فإن المجموع يصبح22.3 مليون شخص فقط, أي أقل بنحو200 ألف عن الرقم المعلن كعدد للمشتغيلن في نفس الصفحة من نشرة البنك المركزي. ولو خصمنا عدد المشتغلين فعليا(22.3 مليون شخص) من تعداد قوة العمل وفقا للبيانات الرسمية في نفس المصدر(24.7 مليون شخص), فإن عدد العاطلين يصبح2.4 مليون عاطل, وليس2.1 مليون عاطل كما هو منشور في المصدر نفسه,
ويمكن الاستدلال علي تضارب البيانات من واقع البيانات المنشورة عن تعداد قوة العمل المصرية في تقرير مؤشرات التنمية في العالم2010WorldDevelopmentIndicators2010 الصادر عن البنك الدولي, حيث يشير التقرير( ص66), الي أن تعداد قوة العمل المصرية26.3 مليون شخص عام2008, وهو بيان مأخوذ من الحكومة المصرية مباشرة أو بعد مراجعة البيان المقدم منها بالاتفاق معها. ولو خصمنا من هذا الرقم, عدد المشتغلين فعليا, أي22.3 مليون, فإن عدد العاطلين يصبح4 ملايين شخص, ويصبح معدل البطالة15.2% من قوة العمل وفقا لتعدادها المنشور في تقرير البنك الدولي المشار إليه وللعلم فإن البيان المنشور عن قوة العمل المصرية في عدد سابق( عام2004) من تقرير البنك الدولي المذكور آنفا, كان قد أشار( ص42), إلي أن تعداد قوة العمل المصرية قد بلغ25.9 مليون شخص عام.2002 ولو أخذنا بصافي الداخلين الجدد لسوق العمل والبالغ نحو800 ألف سنويا خلال الفترة من عام2002, حتي عام2010, فإن تعداد قوة العمل المصرية في الواقع يصبح نحو7,30 مليون عام2008, ونحو32.3 مليون شخص عام.2010 هذا يعني أن عدد العاطلين في عام2008, بلغ نحو8.4 مليون عاطل, وأن معدل البطالة بلغ نحو27.4% من قوة العمل في العام المذكور.
ويذكر أن البيانات الرسمية تعتبر من يعملون بصورة موسمية من عمال المياومة أو المواسم, عاملين فعليا, رغم أنهم قد يعملون نصف أو ربع الوقت أو حتي أقل من ذلك. وفي تعداد عام2006, كان هناك3.6 مليون عامل ممن اعتبروا مشتغلين فعليا, هم عبارة عن عمالة متقطعة( عمال المياومة), وهو حساب جانبه التوفيق, لأن الأكثر دقة وواقعية هو أنه إذا كان الواحد منهم يعمل ربع أيام العام في المتوسط, فإنه يمكن إضافة عدد تقديري للمشتغلين يوازي ربع عدد العمالة المتقطعة.
كما أن سوق العمل المصرية تعاني تشوهات جمة, بدءا من تغول أرباب العمل علي العاملين لديهم وعدم التأمين علي غالبية العاملين(53% من العاملين غير مؤمن وفقا لدراسة استطلاعية لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء), وتخفيض أجورهم بصورة مزاجية دفعت العديد منهم لتفضيل البطالة علي الاستمرار في أعمال لا تغطي تكاليف الذهاب إليها والعودة منها, والاستغناء عنهم بلا أي تعويض. وكل هذه الأمور, تستدعي اعادة النظر في ظروف وسوق العمل في مصر من خلال احترام السلطة التنفيذية لأحكام القضاء الخاصة برفع الحد الأدني للأجر الذي ينبغي ألا يقل عن1200 جنيه شهريا, علما بأن الأجر اليومي لعامل التراحيل في مصر عام1952 كان محددا بالقانون بـ18 قرشا في اليوم, وكانت تشتري نحو1.5 كجم من اللحم في الريف أي ما يوازي90 جنيها حاليا, ونحو1.2 كجم من اللحم في الحضر أي ما يوازي75 جنيها حاليا. وهذا الحد الأدني للأجر لابد أن يتغير سنويا بنفس نسبة معدل التضخم الحقيقي.
وربما تكون إعادة هيكلة الإنفاق العام وتوظيفه بصورة تساعد علي ايجاد فرص عمل جديدة ودائمة في الصناعة والزراعة والخدمات الحقيقية, هي عملية ضرورية لإيقاف التزايد المنذر بالخطر في معدل البطالة. كما أن تكوين حضانة قومية حقيقية للمشروعات الصغيرة, يمكن أن تساعد في هذا الاتجاه أيضا, لأن أبسط ما يحتاج إليه المواطن من حكومته هو أن يتمكن من كسب عيشه بكرامة من عمله وكده واجتهاده وهذه مسئولية الحكومة سواء من خلال ايجاد وظائف عامة حقيقية في الصناعة والزراعة والخدمات, أو تهيئة البيئة الاقتصادية بإجراءات مالية ونقدية ملائمة وعادلة وفعالة, وتقييد البيروقراطية المعوقة للأعمال.
ومن الضروري التأكيد مجددا أنه عندما تتخلي الدولة عن تعيين الخريجين في إطار التحول للنظام الاقتصادي الرأسمالي الحر, فإنها لابد أن تعمل علي تهيئة البيئة الاقتصادية لاستنهاض الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية والكبيرة التي تخلق فرص العمل. أما من لايجدون فرصة عمل ويتحولون الي عاطلين, فإنه علي الدولة التي توجد عن ضمان التشغيل وفشلت في تنشيط الاقتصاد وإيجاد الوظائف, أن تدفع إعانات لهم لمساعدتهم علي الوفاء بجزء من احتياجاتهم الإنسانية وكآلية للدفاع الاجتماعي, وكنوع من الضغط علي الحكومة من أجل العمل علي ايجاد الوظائف لهم. ولايمكن قبول إدعاء الحكومة بأنه ليست لديها موارد لتقديم إعانات للعاطلين, لأنه إدعاء مصدر التحيز الأيديولوجي للرأسمالية الكبيرة علي حساب الشعب, لأن هذه الحكومة نفسها تقدم عشرات المليارات من الجنيهات كدعم للرأسمالية الكبيرة في صورة دعم للطاقة والصادارات وغيرها من أشكال الدعم غير المنطقية, خاصة وأن هذه الرأسمالية المحلية والأجنبية المدعومة من موارد هذه الأمة, تبيع إنتاجها بأعلي من الأسعار العالمية.
المزيد من مقالات احمد السيد النجار
ساحة النقاش