مخـاوف غـربية من اسـتيقاظ الدرن الكـامن!
حسن فتحي
لم ينل مرض من الأمراض عبر التاريخ بمثل ما حظي به السل أو الدرن, ذاك المرض الذي ذهب ضحيته العديد من مشاهير العالم عبر التاريخ, فهو المرض الذي أصيب به ثلث سكان العالم, يضاف إليهم مليونا شخص سنويا منهم100 ألف طفل ويقتل5 آلاف شخص يوميا.
وبعد أن تراجع الاهتمام بالدرن في ذاكرة العالم المتقدم, عاد خلال السنوات الماضية إلي تصدر قائمة اهتماماته, بعد أن عاود نشاطه مع ظهور الإيدز ومع ظهور جيل من العلاجات البيولوجية التي تتعامل مع بعض الأمراض المزمنة والمعوقة مثل الأمراض الروماتيزمية, خاصة الروماتويد, بعدما اتضح أن هذا العلاج ينشط الدرن' الكامن'..فكيف يحدث ذلك؟.. كان هذا محور مناقشات المؤتمر السنوي العاشر للجمعية المصرية للحساسية والربو الشعبي والسدة الرئوية..
ووفقا لما يقوله الدكتور نبيل الدبركي أستاذ الصدر ورئيس الجمعية والمؤتمر ورئيس المعهد القومي للحساسية, فقد ظهر في الآونة الأخيرة دواء له تأثير فعال في كثير من الأمراض الروماتيزمية, خاصة الروماتويد, فضلا عن إمكانية استخدامه في مرض كرونز والصدفية والأزمات الربوية المستعصية ومرض الساركيدوزيس, ومع كثرة استخدام هذا الدواء وهوAntiTNF بكثرة في العالم, صاحبه ظهور حالات كثيرة من الدرن الرئوي, مما دفع العلماء للبحث عن سبب ظهور الدرن مع هذا الدواء, فاتضح أن البؤر الدرنية الكامنة' غير النشطة' تتحول إلي درن نشط ثم يظهر في صورته المرضية الواضحة, ما دفع علماء الغرب للبحث عن الدرن الكامن ووضع الخطوط العلاجية له حتي يتم استئصال ميكروب الدرن نهائيا.. من هنا تركز الحديث حول كيفية تشخيص الدرن الكامن, ودار حول هذا الموضوع حوار ساخن بين أساتذة الصدر المصريين, ومنهم السيد سالم وفاطمة الهنيدي ويسري عقل وعلاء شلبي وسمية عبداللطيف أستاذ الميكروبيولوجي بقصر العيني, وبين الدكتور رونالد دهل رئيس الجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي, والذي ألقي محاضرة تفصيلية عن مشكلة دواءAntiTNF وتنشيط البؤر الدرنية الكامنة, وأيضا وجوب تشخيصها بكل دقة وحساسية قبل استخدام هذا الدواء, وتناولت المحاضرة وسائل تشخيص الدرن الكامن بالطرق القديمة, حيث كان يشخص في الماضي باستخدام اختبار' التبركلين', لكن كانت تشوبه بعض السلبيات من حيث درجة حساسيته وخصوصيته, وبالتالي تركز الحديث علي الوسائل الحديثة مثل اختبار' كوانتي فيرون' والذي يقيس كم الجاما إنترفيرون والمختص بميكروب الدرن البشري وتبلغ درجة حساسيته90 ـ92%, واختبار' إيلي سبوت' الذي يقيس عدد الخلايا النشطة ضد ميكروب الدرن والمفرزة لمادة جاما إنترفيرون بدرجة خصوصية94 ـ96%.
وبالتالي وفقا لما يوضحه الدكتور الدبركي تتم التفرقة وفق هذه الاختبارات بين ميكروب الدرن الذي يؤخذ في تطعيم الدرنBCG, وبين ميكروب الدرن البشري, حيث إن اختبار التبركلين لم يكن يستطع تحديد أسباب النتائج الإيجابية للاختبار, هل هي نتيجة التطعيم أو الإصابة بعدوي ميكروب الدرن البشري.
ولكن وفقا للدكتور دهل, فإن الاختبارات الحديثة تستطيع التفرقة بين ميكروب الدرن البشري والميكروبات المشابهة الأخري, خاصة الميكروب الذي يستخدم في تصنيع التطعيم ضد الدرن, وهو ما تم استخدامه في الغرب لتشخيص الدرن الكامن حتي يمكن التعامل معه بهدف التخلص منه نهائيا للحيلولة دون معاودة هذا المرض تهديد صحة سكانه, لاسيما مع استخدام هذا الدواء وفي بعض الأمراض والأدوية المثبطة للجهاز المناعي مثل مرضي الأورام الذين يتلقون علاجا كيماويا أو أولئك الذين يتناولون الكورتيزون بجرعات عالية. ويوضح الدكتور الدبركي أنه يجب قبل أخذ دواءAntiTNF التأكد من عدم وجود بؤر درنية كامنة بالاختبارات الحديثة, وإن وجدت البؤر يجب التخلص منها وفق برنامج علاجي قد يستمر من3 ـ9 أشهر وفق الخيارات العلاجية المتاحة وفقا لرأي الطبيب وظروف كل حالة مرضية, لكن بالنسبة للدول النامية ومنها مصر, قد تكون تلك الفحوصات الحديثة مكلفة, وكذلك فإن البحث عن الدرن الكامن وعلاجه ليس من الأولويات, بالنظر إلي الظروف الاقتصادية لهذه البلدان, لذا فإن الأجدي هو اكتشاف مرض الدرن مبكرا وعلاجه فورا للتقليل من العدوي, لكن ما يحدث للأسف هو الإهمال الشديد للتشخيص المبكر مما يعطي الفرصة لانتشار العدوي بين المخالطين للمريض, فعلي هذه الدول أن تركز جهودها في كيفية الاكتشاف المبكر للمرض وتوفير الأدوية الفعالة له وتوفير الأماكن العلاجية المناسبة للحالات الإيجابية المعدية, وأن يقتصر استخدام الفحوص الحديثة للوصول لعلاج الدرن إذا أردنا استخدام الأدوية المؤثرة علي الجهاز المناعي بالسلب وقبل استخدام دواءAntiTNF وللمخالطين لمرضي الدرن, علما بأن10% ممن يحملون بؤرا درنية كامنة يمكن أن ينشط لديهم الدرن. هذا عن الدرن الكامن, فماذا عن موقف مصر من الدرن النشط فعليا؟ يوضح الدكتور أحمد عبدالحليم موسي وكيل الإدارة العامة للأمراض الصدرية بوزارة الصحة أن معدل الإصابة في مصر بالدرن يبلغ21 حالة لكل مائة ألف, بما يعادل16 ألفا و300 حالة في مصر, بعدما كان حجم المشكلة350 حالة في كل مائة ألف في السبعينيات وما قبلها, واليوم وزارة الصحة تغطي أكثر من70% من حالات الدرن, وفق توصيات الصحة العالمية, وإن كنا نطمح حاليا من خلال البرنامج القومي لمكافحة الدرن للوصول إلي الـ30% الباقية, ويوضح الدكتور موسي أن هناك9 حالات إيجابية بين كل مائة ألف حالة, وهو مايهمنا بالدرجة الأولي, لأن كل مريض إيجابي يعدي بين10 ـ15 شخص اسنويا, يرتفع هذا المعدل إلي100 ـ150 حالة في الأماكن المغلقة.
ويوضح أن المريض من بداية اكتشاف مرضه ترتفع فرصته في الشفاء إلي89%, وعلاجه يستمر من6 ـ8 أشهر, لكنه لو انقطع عن العلاج يحتاج إلي فترة علاج تمتد إلي21 شهرا, منها9 أشهر في المستشفي.
ساحة النقاش