لماذا يخشون العقل السياسي العربي؟ محمود عبدالحكيم طه باحث سياسي |
هناك حرب لا هوادة فيها أعلنها الغرب علي الدين الاسلامي كونه مؤسس العقلية الشرقية ووضع الغرب مبادئ هذا الصراع وأسبابه والتي أعلنها مجموعة من المفكرين الغربيين وأول هذا النقد هو ما سجله اللورد كرومر عن تجربة حكمه في مصر من الفترة 1872 : 1907 في كتاب من جزءين أكد فيه ان العقل الشرقي لا يعرف الدقة وبالتالي لا يعرف الحقيقة والعقل الشرقي يفتقر إلي النظام ويتقبل الأمور غير المنطقية علي انها حقائق ويعجز العقل الشرقي علي استنتاج أبسط الحقائق وضوحا من أبسط المقدمات وينهار الانسان الشرقي أمام أبسط حقيقة علمية للتحقيق. أما هنري كسينجر وزير خارجية أمريكا الأسبق عرف الانسان العربي المسلم بأنه يعجز أن يكون موضوعيا ودقيقا. * السير هاميلتون جيب عرف الانسان المسلم ان له تصورا دينيا للحياة فقط فهو يؤمن بالاسلام دون أن يبحث عن دليل أو اثبات أو يستخدم التحليل العقلي والمنطقي. أما فرنسيس فوكوياما المفكر الفرنسي ان الاسلام "ويقصد هنا المسلمين" ضد الحداثة وذلك بالنظر إلي فكر الأصولية الذين يرون في السلفية هي الماضي والحاضر والمستقبل وبالتالي فإن الحضارة الغربية عندهم مآلها الانحلال والانهيار لمجرد انه تختلف مع مفاهيمهم وبالتالي يجب اعتبار الديانة الاسلامية وحامليها هي أخطر الديانات وتمثل تهديدا لفرنسا. هذه بعض آراء مفكرين الغرب وهذه الآراء لم يتم وضعها ونشرها لمجرد اثبات تفوق الحضارة الغربية والانسان الغربي وانما هذه الآراء هي صورة واضحة أمام صناع القرار السياسي للدول الغربية للوقوف علي حقائق يتم استخدامها عند قيام صناع القرار في الغرب بالسيطرة علي الانسان الشرقي وحتي يعلم كيف يتعامل ويسيطر عليه. أما الهدف الثاني هو صيحة تحذير يطلقها مفكرو الغرب لمجتمعاتهم بعدم تقبل الديانة الاسلامية وحامليها حتي لا تنتقل مفاهيم حاملي الديانة الاسلامية إلي مجتمعاتهم حتي لا تكون نتيجته انتشار مفاهيم المسلمين داخل المجتمعات الغربية وبالتالي تصبح تهديدا مباشرا يعمل علي تفويض انجازات الغرب الفكرية والاجتماعية. هذا النقد الغربي للعقل الشرقي يجعلنا نبدأ في تحليل نشوء العقل العربي والعوامل التي ساعدت علي انتشاره وذلك في مرحلتين في التاريخ وهو مرحلة بني أمية ومرحلة الدولة العباسية لنجد أن بداية تكوين العقل العربي بدءا من بداية نشوء الدولة الأموية التي استطاعت تحويل قضايا فقهية إلي قضايا سياسية والتي من خلال هذه القضايا يبدأ بتشكيل المجتمعات وأول هذه القضايا التي استغلها خلفاء الدولة الأموية هي قضية الجبر والاختيار وهي قضية فقهية بحتة واعتبرت الدولة الأموية ان القول بأن الانسان حر في اختياراته هو انكار للعقيدة يستوجب العقاب وان مبدأ الجبرية أو الحتمية الذي يعني ان كل شيء في الحياة هو ما قدره الله ولا تبديل لإرادته وحولت الدولة الأموية هذه القضية إلي قضية سياسية بأنها جاءت للحكم لأن هذه مشيئة الله وهذا هو المكتوب في اللوح المحفوظ وبالتالي فإن التسليم بشرعية هذه الدولة وقبول كل ما تقضي به واجب ديني وليس التزاما سياسيا والخروج علي هذه الدولة هو رفض لإرادة الله وكفر. واختار الله تعالي بني أمية ليكونوا حكاما للمسلمين فالخضوع لهم من أفضل الطاعات وعلي المسلمين أن يشكروا انه اختار لهم أحسن من يقدر علي تدبير أمورهم. ووقف حكام بني أمية مع الفقهاء الذين ينادون بالجبرية علي حساب الفقهاء الذين ينادون بالاختيارية حتي حدث تآكل لقضية الاختيار وأصبح فقه الجبرية هو المؤسس للحركة الفقهية لهذا الزمان. وإذا قمنا بتحليل استخدام بني أمية لهذه القضية نجد ان فكرة الجبرية قضت تماما علي مبدأ الشوري ومبدأ تداول السلطة حيث أي آراء غير آراء بني أمية هي خروج عن إرادة الله وأي قوة سياسية تظهر مناوئة للدولة وهي قوة خارجة عن إرادة الله وبالتالي إذا فكر المسلمون في انشاء نظام سياسي أو الالتفاف حول قوة سياسية يعتبر خروجا عن الدين وبهذا في عهد بني أمية زالت فكرة الشوري وتعدد القوي والتنوع السياسي ليصبح النظام السياسي ديكتاتورية مطلقة مرتبطة بالدين حيث أصبحت الديكتاتورية مرادفة لإرادة الله والتنوع والتعدد هو خروج عن طاعته وبذلك استطاعت بني أمية أن تقضي علي أي قوة مناوئة لها حيث اعتبر المسلمون ذاتهم ان أي قوة تناوئ بني أمية في الحكم خارجة عن إرادة الله ونتيجة هذه القضية حدث انهيار للحرية السياسية والتي كان من نتائجها انتهاء حرية الفرد داخل المجتمع وبالتالي انتهاء حرية الفكر والابداع نتيجة عدم القدرة علي الاختيار. لتبدأ بعدها مرحلة انتقال الديكتاتورية كنظام سياسي إلي الانسان المسلم كنظام اجتماعي جميعها قائمة علي فكرة عدم وجود قوة أخري ليصبح فكر الحتمية أو الجبرية هو المتحكم في صناعة العقل العربي نتيجة تآكل مبدأ الاختيارية. * أما القضية الثانية الفقهية والتي تحولت إلي قضية سياسية والتي من خلالها تم القضاء علي التعددية والتنوع هي قضية التوحيد والاتجاه نحو الاختزال للواحد والقضية الأساسية ان الله تعالي واحد والانسان خلقه من نفس واحدة وان أصل الكون واحد. وبالتالي لابد من الاتجاه نحو الواحد وهي قضية التوحيد. حيث يتم اختزال جميع القوي في قوة واحدة وبالتالي لابد أن تتجه نحو الحاكم الواحد ونظام الحكم الواحد وهي قضية تجميع الأجزاء واتجاهها نحو الواحد وهي عكس قضية التنوع التي تقضي بتوالد القوي من بعضها البعض فالله تعالي واحد وقدراته متعددة والسماء واحدة واجرامها متعددة والأرض واحدة والحياة عليها متنوعة ومتوالدة والانسان خلق من نفس واحدة ولكنه متوالد ومتعدد حيث أصبح الفقه في اتجاه نظرية التوحيد ليتم القضاء علي فكر التنوع لتصبح قضية الجبرية والتوحيد هما المؤسسان للعقل المسلم في عهد بني أمية لتنقل هذه القضايا للعصر العباسي والتي زاد من نطاقها ان اصبحت السلطة مطلقة للخليفة حتي أحكام القضاء كان الخليفة يصدرها ودور القضاء محصور في اقتراح الأحكام أي زادت سطوة قضايا الجبرية والتوحيد في العصر العباسي وزاد التغلغل الفقهي لهذه القضايا في بناء عقول المجتمع. وظهرت الديكتاتورية المطلقة السياسية حينما أصبح الخليفة العباسي هو سلطان الله علي الأرض وبالتالي طاعته من طاعة الله وتبدأ المرحلة الثانية من مراحل ارتباط الديكتاتورية المطلقة بالدين حينما بدأت صفات الخليفة تأخذ صفات الله من حيث التوحيد والعدل وانه لا شريك له في الملك وهذا وضحه الأدباء والفقهاء في العصر العباسي كما وضحه الجاحظ في كتابه أخلاق الملوك حيث أخلاق الملوك ليست كأخلاق العامة فإن للملك البهاء والعزة والتفرد والطاعة وفسر الجاحظ ان الملك في منزلة بين الله وباقي البشر فكل شيء في أمر الملك حسن في الرضا والسخط وفي السراء والضراء. * أما المودودي في كتابه نصائح الملوك ان الله تعالي اصطفي الرسل ثم الملوك من سائر عباده فالملك هو آلة الله الذي يديرها لتنفيذ مشيئته. * أما أبوبكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك. فأوضح ان أول واجبات الملك أن ينزل نفسه مع الله في منزلة واحدة فهذا هو الطريق الشرعي للطبيعة. |
نشرت فى 11 أكتوبر 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,797,526
ساحة النقاش