تحت مسمي الإبداع كان الاقتلاع
بقلم: د‏.‏ سامية خضر


منذ نصف قرن من الزمان وبالتحديد عام‏1960‏ تم إنشاء صرح عظيم يحمل في طياته عالم متجدد أضاف لكل مواطن علي أرض مصر نوعا من الفخر والسعادة إنه التليفزيون المصري.‏

 

 الذي اعتبره الشعب قفزة جديدة من مراحل التحدي تضاف الي نجاحات يتم تحقيقها بإرادة قوية ومكسبا من المكاسب ورمزا لقدرات عالية‏ خمسون سنة مضت تحول فيها ذلك المبني الضخم الي مرآة سحرية ينشر النور علي نور لأحمد فراج ويعلي من شأن البلاد ويهمس في أذن كل مشاهد بأهمية التنمية والتضحية والفداء والحفاظ علي الممتلكات العامة‏,‏ وأننا إذا أردنا سيستجيب القدر ليقف الخلق وينظرون كيف نبني دعائم المجد‏..‏ فنحن بناة الأهرام والسد العالي وناقلو آثار النوبة‏,‏ ولقد كانت الكاميرا تنتقل لكل نشاط مثمر لتراه العيون وتستثمره في التربية والتوعية وليصبح السلوك الناضج قاعدة وما عداه أمور فردية يجب تجنبها‏.‏ حقا لقد تحول الي نافذة ثقافية واعية ينشر التمسك بالمباديء والمعايير الأخلاقية والإنسانية والدينية في إطار من التسامح وبالتالي خرجت من رحم التليفزيون أسماء كانت لها بصمة‏..‏ ولم يكن عبدالقادر حاتم وثروت عكاشة وغيرهما إلا جنود يحركون كتائب العمل فظهر إعلاميون علي قدر عال من الخبرة والذكاء منهم ليلي رستم وزينب حياتي وسلوي حجازي وأماني ناشد وصلاح عامر وحسين عنان وهمت مصطفي وشخصيات لامعة في تاريخ المسرح المصري‏..‏ وانتشرت الحوارات مع رواد الفكر والثقافة وانتقلت صورة كل شخصية مصرية عظيمة موجودة علي أرض الكنانة الي شاشات التليفزيون فتعلم الذي لايعلم‏..‏ فقد اقترب المشاهد من طه حسين مع كوكبة من الكتاب والأدباء واستطاع التعرف بشدة علي قنديل أم هاشم ويحيي حقي ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس‏..‏ وارتوي جيل بأكمله من نقاء الشخصيات العظيمة وقام التليفزيون بنقل أعظم مسرحيات يوسف وهبي راسبوتين فتم إدراك كيف يمكن استغلال عباءة الدين في توجيه سياسة الحكام والقصر‏,‏ واطلع المواطن البسيط علي السلطان الحائر وتعرف علي توفيق الحكيم وسهر في ليلة شم النسيم مع عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وطالت قامته مع كوكب الشرق أم كلثوم‏..‏ وتمتع بصوت عبدالباسط عبدالصمد وعرف الباقوري وظهر مجدي الحسيني وعمر خورشيد وشباب مبدع ولم تكن الشللية قد عرفت بعد فلم يجرؤ برنامج من البرامج لاستضافة التفاهات والخزعبلات ومروجي السخافات والأصوات الخارجية عن نطاق العزوبة والطرب تحت مبرر سد خانة إحدي الفقرات أو إرضاء غرز الكيف‏..‏ وهكذا ظل باب التليفزيون موصدا أمام مدعي الفنون فجنب الشعب فيروس التلوث المرئي والسمعي وحجب كل متسلق وخائن للفكر المبدع وتم تعظيم الكلمة وذاعت أشعار صلاح عبد الصبور وصلاح جاهين ونزار قباني وحسين السيد وتم نقل روائع الأدب المصري والعربي والعالمي وتعرف المتفرج علي باليه البولشوي الروسي وظهرت الليلة الكبيرة‏.‏
وكان من الطبيعي أن يتحول الفن الي غذاء الروح والعقل وينشر الثقافة والتنوير ويسهم في اتحاد القوي الانسانية للتخلص من المشاكل التي تقف عقبة في سبيل التنمية والتقدم‏.‏
وفي محاولة بسيطة لتقييم الجهد المكثف الذي قام به التليفزيون في شهر رمضان المعظم‏2010‏ أي بعد خمسين عاما بالطول والعرض‏..‏ نجد أنه في حين تنفق الدولة آلاف الجنيهات لمحاربة التدخين والإدمان فإن معظم المسلسلات كان التدخين يظهر فيها بشراهة غريبة والبعض الآخر أظهر الإدمان ولوازمه نساء وجنس أما لف السيجارة فيكاد يكون شيئا طبيعيا جدا‏.‏ وبما أن شهر رمضان هو الشهر الذي يسعي فيه المسلم للتمسك بمكارم الأخلاق فإن الألفاظ النابية والإيماءات المتدنية الكثيرة جرحت البيت والعائلة المصرية وهو ما لم نشهده أبدا منذ خمسين عاما فهل هذه كانت الإضافة يا تليفزيون يا‏,‏ شتيمة بالأب والأم وملابس غير لائقة أما السقطة الكبري فكانت لمسلسل ماما في القسم ورغم أن سميرة أحمد فنانة لها تاريخ لكن للأسف لقد انزلقت انزلاقة خطيرة وتم خداعها فمهما دعيت الي التكريم والندوات ومهما سمعت من مجاملات فإن تاريخها قد تأثر‏..‏ وليس معني الرغبة في أن يغير الفنان جلده أن يسمح لنفسه بذلك الحوار المتدني في عمله فالابنة تقذف أمها بكلمات منحطة أصابت المشاهد بالمرارة والحنق والسيناريو ساقط بل والأدهي من ذلك كلمات أغنية المسلسل خربانة خربانة إنها صاعقة أطاحت بما جاء في القرآن الكريم‏(‏ ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما‏).‏ لقد شاهدنا جميعا الإخوة الأعداد وبداية ونهاية وبابا عبده وعزو وكلها أعمال لاتقارن‏.‏
إن التركيز علي المناطق المظلمة والمبتذلة تحت مسمي الحرية والإبداع هو في الواقع اقتلاع للقيم الأصيلة‏,‏ فالفن يرقي بالإنسان ويخرجه من قاع الظلمات الي طاقات الإرادة والأمل يا أهل كايرو‏.‏ فنحن لانعرف الشر إلا في وجود الخير وقد نجح مسلسل الجماعة لأنه خاطب العقل واحترم فكر المشاهد وتعرض مسلسل ريش نعام للظلم بسبب التوقيت أما نعم ما زلت آنسة و عايزة أتجوز فهما يغريان بالمشاهدة وتظل عزة مصطفي وشافكي المنيري في مقدمة المذيعات اللاتي أصبح لهن بصمة‏,‏ ولقد سحرتني شجاعة الدكتور سعاد صالح وهي تقول لم تقف جامعة الأزهر معي‏.‏ وتحية خاصة الي برنامج بين الجيلين فهو من أجمل ما رأيت وانتقالا من الاستهانة بالأغنية الوطنية في مجال الإعلان الي إعلان شيق نشكر القائمين عليه يعيد لك توازنك الإنساني ووجودك عندما تسمع عمر الشريف وهو يتجه إليك بصوته المقنع ويقول اللي فكر في الفانوس ده كان قصده ينور مستقبل الحضارة‏..‏ وهكذا هناك فرق بين الرسالة والإسفاف والواقع به الخير والشر وإذا حدث أن انحاز المؤلف للشر والفساد والكلمات المبتذلة فيكون ذلك انعكاسا لفكره وحياته وثقافته هو وحده‏.‏ وياليت مسحراتي مصر البهية تحفة عمار الشريعي وجمال بخيت يعاد بثه حتي نغسل عار ما حدث للمشاهد تحت مسمي الإبداع والحقيقة هو اقتلاع بعد خمسين عاما علي إنشاء التليفزيون المصري فهل من مجيب؟؟
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,700