جنون المستقبل
بقلم: د‏.‏ إيمان سند


من منا لايطمع ان يكون مستقبله واعدا‏,‏ وافضل حالا من حاضره‏..‏ ومن منا لا يضع في هذا المستقبل آماله العظيمة‏,‏ التي يفتقدها في واقعه‏.‏ مثل ـ بيب ـ بطل رواية تشارلز ديكنز الشهيرة ـ امال عظيمة ـ حيث كان يأمل ان تتحقق كل آماله‏,‏ وليس بعضها‏..‏ ومن منا لايعيش احلاما مؤجلة‏,

 

‏ فهو دائما في حالة انتظار‏..‏ ينتظر وظيفة افضل‏..‏ نجاحا اوسع‏..‏ الحصول علي ترقية‏..‏ مقابلة شخص ما‏..‏ التحاق طفلة بالمدرسة‏..‏ الانتقال لمنزل ارحب‏..‏ الفوز بجائزة‏..‏ الزواج ممن يحب‏..‏ فهل يدرك من يفكر بهذه الطريقة ماذا يفعل بنفسه‏,‏ وحياته؟‏!..‏ انه يضحي بالحاضر‏,‏ وما فيه من لحظات استمتاع واقعية‏,‏ وحقيقية في مقابل مستقبل قد يأتي‏,‏ أو لا يأتي‏..‏ من يفعل ذلك فانما يضحي بعمره‏,‏ ويجعله يتسرب من بين يديه وهو في حالة انتظار‏..‏ هو شخص جمد واقعه لحين إشعار آخر‏..‏ وهو يرهن حاضره الذي هو القوة‏,‏ والوجود الحقيقي دون اي ضمانات فعلية بين يديه‏.‏
وقد كنا مجموعة من الأصدقاء الاكاديميين نتحدث يوما عن مستقبلنا‏,‏ ونتندر بما تخبرنا به تنبوءات الابراج‏(‏ النجوم‏),‏ وما تزعم انه قد يحدث لكل منا طبقا لتاريخ ميلاده‏..‏ وقد لاحظت عزوف من تجاوز الخمسين‏,‏ أو أكثر عن حديثنا‏..‏ وقد لفت احد الاصدقاء نظري ان من نطلق عليهم العجائز هم فقط من يعيشون حاضرهم بالطريقة الصحيحة‏..‏ وقد أرجعنا جميعا سبب ذلك إلي انهم يدركون ان العمر ولي‏,‏ وان المستقبل ربما يمثل لهم العجز‏..‏ أو التراجع في التفكير‏,‏ وضعف القوي الجسمانية‏,‏ أو العقلية‏,‏ وربما الموت‏..‏ لذا فهم يعيشون تلك اللحظة فقط دون اي رهانات علي المستقبل‏.‏
وربما يحتاج كل منا إلي العيش بهذه الطريقة بدءا من مرحلة مبكرة من حياته‏,‏ حتي لايحس انه قد أهدر عمره في الانتظار‏..‏ فاذا جاءت مفاجأة سعيدة‏,‏ فرح بها أكثر‏..‏ لانها جاءت علي غير توقع‏,‏ أو كما يقول شكسبير كلنا ننشد السعادة ولكن السعادة لاتنبع إلا من داخل انفسنا‏,‏ فالسعادة هي افراز داخلي‏..‏ ولم تكن أبدا منتجا خارجيا‏,‏ ولن تكون ولايمكن العيش بإغفال الحاضر‏,‏ ومقاومته حتي لو كان ذلك لصالح المستقبل‏,‏ فما هو الحل؟
ان الصراع بين الحاضر‏,‏ والمستقبل‏,‏ صراع عميق‏,‏ ومستمر‏,‏ فهو صراع بين الواقع المليء بالاحباطات‏,‏ والحلم الذي يبغي الانسان الوصول إليه‏..‏ والخلاص من ذلك الصراع يكون بتحرير الحاضر‏,‏ وان نعيشه‏,‏ ونستمتع بكل لحظة فيه‏..‏ لذا فان نصائح علماء النفس تقول‏:‏ سر في طريقك وافعل ما يمتعك‏..‏ وكلما استطعت ان تفعل ذلك سوف تكون نافعا لنفسك‏,‏ وللمحيطين بك‏,‏ وللعالم بأسره‏..‏ ساعتها لن تهرب بذهنك إلي المستقبل وتتمني التواجد فيه‏,‏ بل ستجد ان الحاضر يستحق ان يعاش‏..‏ تشجع ان تكون مختلفا‏,‏ وعش كما تريد‏..‏ لاكما يريد لك الآخرون‏..‏ لاتصاحب الاغلبية التعسة التي تنفق وقتها وتقضي ايامها في اداء انشطة لاتجلب لها اي سعادة‏..‏ لاتلتفت إلي هؤلاء‏..‏ فهم معطلون ولاتهتم ان تحظي برضاهم‏..‏ فهم من يدفعنوك دفعا إلي الهرب للمستقبل ويبعدونك عن الاندماج في حاضرك‏..‏ واخيرا‏..‏ لاتنسي ان الحاضر هو كل ما تملكه في تلك اللحظة‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,763,608