تحديد100 موقع جيني تكشف الفوارق العميقة بين البشر
حاتم صدقي
تمكن فريق من الباحثين بكلية الطب جامعة جونز هوبكينز بالولايات المتحدة من عمل مسح للجينوم البشري وتطوير ما يعتقد بأنه السبب الرئيسي وراء اختلاف الملامح البدنية المميزة لكل فرد والمخاطر المرضية التي يمكن أن يتعرض لها.
وذلك اعتمادا علي الأداة التي تم تطويرها في الخميرة منذ سنوات مضت. ففي تقرير نشر بطبعة يونيو الماضي لمجلة الخلية, ذكر الفريق أنه تمكن من التعرف علي كتالوج كامل عن تركيبات وأجزاء الحمض النووي التي تنسخ نفسها وتتحرك هنا وهناك لتضع نفسها في منطقة معينة بالجينوم البشري. ويساعد تمركز هذه العناصر المتحركة من الحمض النووي في مواضع معينة بالجينوم الخاص بكل فرد في تحديد السبب وراء كون بعض الأفراد طوال القامة والبعض الآخر قصار القامة, أو أنهم يتميزون ببشرة سمراء أو بيضاء, أو أنهم أكثر أو أقل احتمالا من غيرهم للإصابة بالسرطان.
ويقول باحثو جونز هوبكينز أن تتبع مواقع هذه الأجزاء المتحركة من الحمض النووي التي أسموها' ترانسبوزونات' لدي بعض الأفراد المصابين بأمراض معينة قد يؤدي لاكتشاف جينات أو تحورات جينية جديدة مسببة للأمراض. ولكي يستخدموا شريحتهم المتخصصة المحدد عليها مواضع الحمض النووي المحتوية علي كل تتابعاته التي تظهر في الجينوم البشري, استخدم الباحثون حمضا نوويا بشريا من15 فردا لا يرتبطون ببعضهم البعض, ثم أجروا مقارنة بين مواضع الحمض النووي التي تعرفوا عليها في فهرس الجينوم البشري الأصلي المنشور, ووجدوا أن هناك نحو100 موضع جديد لأجزاء الحمض النووي لدي كل فرد من أفراد المجموعة التي خضعت للمسح.
ويقول الدكتور جيف بوويك مدير المركز التقني للأبحاث البيولوجية بمعهد العلوم البيولوجية الأساسية بجامعة جونز هوبكينز أن تجربة وحيدة علي مواضع التعبير الجيني كانت كافية للكشف عن مثل هذا العدد الكبير من المواضع الجديدة لأجزاء الحمض التي لم يسجلها أحد من قبل, ويضيف بأن هذا الاكتشاف علمهم أن مثل هذه العناصر المتحركة لأجزاء الحمض النووي' الترانسبوزونات' أكثر نشاطا مما كان يعتقد, ويوضح أنهم قاموا بتنقية كل عينات الحمض النووي الخمسة عشر المستخدمة في الدراسة تماما من خلايا الدم قبل استخدامها علي شرائح الحمض النووي, ووجدوا أن أجزاء الحمض النووي قد اتخذت مواضع علي شرائح الحمض النووي مناظرة للمواضع الموجودة بصورة طبيعية في الجينوم, مما أتاح للباحثين تحديد مواقع أخري جديدة.
وكان فريق الدكتور بوويك قد تمكن من قبل من اختراع الشريحة الخاصة بدراسة مواقع أجزاء الحمض النووي' الترانسبورزونات' في عام2006 لاستخدامها في الخميرة, وكان الباحث الدكتور كاثلين بيرنز أستاذ علم الأمراض بجامعة جونز هوبكيتر أول من استخدمها في دراسة الحمض النووي البشري, إلا أن الجينوم البشري يعد ـ كما يقول الدكتور بيرنز ـ أكبر كثيرا وأكثر تعقيدا. وتعليقا علي النتائج, يقول الدكتور مصطفي العوضي أستاذ الهندسة الوراثية بالمركز القومي للبحوث, كان المعروف من قبل أن25% من الجينوم تمثل جينات لها وظائف محددة ومتشابهة إلي حد كبير بين البشر, في حين يمثل الجزء الباقي تراكيب جينية إما ليس لها بروتينات مناظرة علي الإطلاق, أو لها بروتينات ولكن مجهولة, أو قد تظهر في أوقات معينة من العمر مثل أوقات المرض ثم تختفي, أو قد تكون تعبيرا عنها خلال مراحل معينة من تطور الإنسان مثل مراحل تكون الجنين أو البلوغ أو الشيخوخة. وتعتبر العناصر المتحركة' ترانسبوزونات' النجم الحالي لنشاط علماء الهندسة الوراثية في أنحاء العالم, وذلك لدورها في تحديد كل من الفوارق الظاهرية' الشكل واللون والطول' والباطنية' الاستعداد للإصابة بأمراض بعينها'. ويعد ما توصل إليه علماء جونز هوبكيتر إنجازا بكل المقاييس, حيث تمكنوا من تحديد100 موقع جيني يحتوي كل منها علي هذه العناصر المتحركة التي تكتسب صفات مختلفة أو جديدة بتغيير أماكنها بالجينوم أثناء انقسام الخلية, وبالتالي تحدث الفوارق العميقة بين البشر. كذلك يعتبر تصميم شريحة دراسة الحمض النووي إنجازاآخر يضاف لنجاحاتهم, حيث تحتوي هذه الشريحة علي المواقع الجينية المائة المكتشفة والمحتوية علي العناصر المتحركة, مما يتيح دراسة قدراتها علي التعبير الجيني لدي الأفراد المختلفين, ومما لا شك فيه أن هذه الاكتشافات تفتح باب الأمل علي مصراعيه لتحقيق المزيد من الاكتشافات العلمية في اتجاه معرفة مستقبل الأفراد من حيث استعدادهم للإصابة بالأمراض المختلفة. ومن التطبيقات الحديثة لعلماء الهندسة الوراثية بالمركز القومي للبحوث في هذا الاتجاه الجهود المبذولة للتعرف علي تأثير الاختلافات التركيبية في مواقع معينة بالجينوم كمؤشر لحدوث صفة معينة كالاستجابة أو عدم الاستجابة للعلاج بالإنترفيرون لدي مرضي الفيروس سي, علي سبيل المثال.
ساحة النقاش