دراما رمضان والمجتمع‏..‏ نظرة أولي
بقلم: د. وحيد عبدالمجيد
يزداد الإقبال علي الدراما التليفزيوينة في كثير من أنحاء العالم علي نحو يشكل ظاهرة يلاحظها مراقبون ويدرس أبعادها والنتائج المترتبة علي التوسع فيها باحثون‏.‏

 

وليس صعبا فهم لماذا يزداد هذا الإقبال في العالم‏.‏ فالمسلسل التليفزيوني ينسج من تفاصيل كثيرة صورا حياتية ترتبط بالواقع أو تنطلق منه‏,‏ وتعالج مشاكل مجتمعية شتي بمنأي عن الوعظ والتلقين‏,‏ وبعيدا عن الإيجاز والتبسيط‏.‏ وهذا فضلا عن قدرته علي المزج بين أشكال فنية عدة‏,‏ والتشويق الماثل في نهاية كل حلقة‏.‏
ولذلك يجوز النظر الي إدمان الدراما التليفزيونية في مصر‏,‏ والعالم العربي عموما‏,‏ في شهر رمضان باعتباره جزءا من ظاهرة عالمية أوسع نطاقا‏.‏ ولكن خصوصية الإدمان المصري ـ العربي تجعله مركزا في شهر من أشهر العام‏,‏ الي حد أن هذا الشهر بات يعرف ببعض ما فيه من مسلسلات أكثر من أي شيء آخر‏.‏ فما أن يهل هلاله‏,‏ وقبيل أن يبدأ صيامه‏,‏ تشخص الأنظار الي الشاشة الفضية لمتابعة المسلسلات بشوق عظيم‏.‏
وحلت هذه المسلسلات الآن محل الفوازير التي كانت هي العلامة الفنية الأساسية المميزة لشهر رمضان لسنوات طويلة بعد بدء البث التليفزيوني الذي صار عمره‏50‏ عاما‏.‏
ويحدث ذلك من عام الي آخر بالرغم من قلة المسلسلات التي عرضت في رمضان‏,‏ في هذا العام أو ذاك‏,‏ وتركت أثرا قويا في عقول الناس ووجدانهم‏.‏ فقليلة للغاية هي هذه المسلسلات التي يذكرها الناس بعد انتهاء عرضها‏,‏ لأن الإنتاج الدرامي الرمضاني يقوم علي الكم أكثر مما يعني بالمستوي والكيف‏.‏ كما أن التجديد فيها محدود وبطيء لأن اعتبارات السوق التي تحكمها تفرض علي المنتجين إعادة إنتاج ما صار نجاحه مضمونا‏.‏
وفي بعض الأحيان يظل الناس يذكرون مقدمة مسلسل أو أغنية تقدم فيها‏,‏ أو حتي موسيقي تصويرية لافتة‏,‏ دون أن يتذكروا المسلسل نفسه‏.‏
ولا عجب في ذلك حين يكون التعلق بمسلسلات رمضان لا شعوري في أغلبه‏,‏ وعندما يكون إدمانها طقسا من طقوس الشهر الكريم بغض النظر عن محتواها‏.‏ ويرتبط هذا الطقس في كثير من الأحيان بحرص علي الأحتفاظ بذكريات من الشهر الفضيل‏.‏
ولا غرابة في ذلك أيضا حين يكون الكم الكبير المتزايد باطراد مانعا من التركيز‏,‏ وعندما يكون المستوي الضعيف والمتوسط حائلا دون التفاعل الذي يتجاوز أثره لحظة استقبال المسلسل‏.‏ فلم يؤد الكم الآخذ في ازدياد‏,‏ حتي وصل هذا العام الي أكثر من خمسين مسلسلا مصريا طويلا بخلاف الدراما العربية الأخري‏,‏ الي الارتقاء بالمستوي‏.‏ غير أن ازدياد الكم قد يتيح مع الوقت فرصة لشيء من التنوع في مواضيع المسلسلات واتجاهاتها‏.‏
فمازالت المسلسلات الاجتماعية هي التي تحظي بنصيب الأسد‏,‏ كما كانت الحال في السنوات الماضية‏,‏ مع عدد معتبر من تلك التي تدور حول القتل والقتلي والقاتلين‏.‏ فيزداد هذا النوع من الدراما الاجتماعية البوليسية‏,‏ مع إرهاصات تنوع مازال في بدايته‏.‏ فقد وصل التكرار الي حد أن ثلاثة من هذه المسلسلات تدور حول امرأة تبحث عن براءتها في قضية قتل وهي القطة العمياء وامرأة في ورطة وقضية صفية‏.‏ وهذا فضلا عن كثرة المسلسلات التي يمثل القتل خصوصا‏,‏ والجريمة عموما‏,‏ ركنا أساسيا فيها‏.‏ فمن قتل رجل أعمال مشهور في شاهد إثبات الي البحث عن الحقيقة بين جثث القتلي في بالشمع الأحمر‏,‏ الي أجواء الجريمة المرتبطة بالثأر والمخدرات والأساطير في مملكة الجبل وموعد مع الوحوش وغيرها‏,‏ يظل الدم سمة أساسية من سمات دراما رمضان التليفزيونية هذا العام‏.‏
ويمكن أن نجد تفسيرا لذلك‏,‏ بين تفسيرات أخري‏,‏ في الفهم المبتسر لفكرة أن الدراما هي مرآة الواقع‏,‏ إذ يشيع اعتقاد بين صانعيها في أنها تعني مجرد نقل هذا الواقع الي الشاشة‏.‏ فإذا كان الواقع يقطر عنفا‏,‏ فلابد أن يفيض قسم كبير من المسلسلات بالدم‏.‏
ولعل هذا المفهوم الفقير للواقع هو المسئول أيضا عن غياب الدراما الرومانسية بدعوي أن الناس فقدوا القدرة علي الحب في واقع شديد العملية والجفاف‏,‏ بالرغم من الإقبال الشديد علي مسلسلات تركية لا لشيء إلا لرومانسيتها المفقودة في الدراما المصرية‏.‏ وقد نشرت الجارديان قبل أيام أن مسلسل نور أحدث ازدهارا في السياحة العربية الي تركيا هذا العام‏.‏
والطريف في دراما رمضان الحالي أن عناوين بعض المسلسلات توحي برومانسية جميلة لا وجود لها فيها‏,‏ مثل قصة حب وفي منتهي العشق ونداء العشق و أغلي من حياتي‏.‏ ولم يقترن جذب بعض نجوم الغناء مثل محمد فؤاد ومصطفي قمر الي دراما رمضان هذا العام بأي ميل رومانسي فيها‏,‏ ولو أنهما قدما عملين رومانسيين لتميزا بهما وسط الزحام المفرط الذي تاها في دروبه‏.‏
وبالرغم من التوسع النسبي في المسلسلات الكوميدية التي عادت الي دراما رمضان منذ العام الماضي بعد غياب‏,‏ فليس فيها عمل يمكن اعتباره مميزا‏,‏ رغم قيام بعض نجوم الضحك ببطولة بعضها مثل أحمد آدم الفوريجي وأحمد مكي الكبير قوي وأحمد عيد أزمة سكر‏.‏ وكلها كوميديا لطيفة ولكنها ليست مميزة‏,‏ مثلها مثل ماما في القسم والعتبة الحمرا وغيرها من الدراما الكوميدية التي تبث الآن‏.‏
كما أن هذا النوع من الدراما لم يقدم فيه نجوما جددا بخلاف الدور الذي قامت به الدراما الكوميدية الرمضانية في مرحلة سابقة‏.‏
وبينما تفيد النظرة الأولي في مسلسل ملكة في المنفي أنه أقل مستوي من الملك فاروق الذي لم يكن بدوره رائعا‏,‏ يظل الحكم صعبا علي دراما التاريخ والسير الذاتية التي تشمل أيضا شيخ العرب همام وكيلو باترا والجماعة قبل انتهاء عرضها‏.‏ وقد غابت هذا العام دراما الصراع العربي ـ الإسرائيلي التي تعالج قضايا في صلب هذا الصراع بعد إرجاء عرض أنا القدس وعابد كرمان‏.‏
ومع ذلك فقد حضر هذا الصراع من بعيد في مسلسلات مثل أكتوبر الآخر وبفعل فاعل وسقوط الخلافة واغتيال شمس‏.‏
وربما يكون هذا الأخير بين أفضل مسلسلات رمضان الحالي من حيث فكرته إذا جاز ترشيح بعضها من الآن لارتقاء موقع الصدارة‏,‏ لأنه يعالج قضية تعتبر الأكبر والأخطر بالنسبة الي مستقبلنا‏,‏ وهي اغتيال العلم‏.‏
ويلفت الانتباه أيضا مسلسل مش ألف ليلة وليلة بسبب إبداعه في الترميز‏,‏ إذ يحفل بالتعبيرات والأسماء الرمزية والإسقاطات التي تربط الخيال بالواقع‏.‏ ولذلك جاء هذا المسلسل أكثر ثراء وعمقا من الدراما الواقعية الفجة الآخذة في الانتشار تليفزيونيا وسينمائيا‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 62/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 110 مشاهدة
نشرت فى 24 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,606,405