كمال الرياحي | 31 أغسطس 2005 |
::. أماني سليمان
نوقشت في الجامعة الأردنية مؤخرا أطروحة الدكتوراه التي قدمتها الزميلة أماني سليمان استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها. وقد حملت الأطروحة عنوان: الأمثال العربية القديمة، دراسة أسلوبية سردية حضارية: وتكونت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور محمود السمرة/المشرف رئيسا وعضوية الأساتذة ناصر الدين الأسد وصلاح جرار وزياد الزعبي.
درست هذه الأطروحة الأمثال العربية القديمة بوصفها من أقدم الأشكال الفنيّة واللغويّة التي تحمل دلالات حضارية ، وتحمل وجوها من المشترك في وعي العرب وتَصوُّرِهم عن الكون وعن علاقات البشر ، فقد سجلوا في الأمثال شعورهم وتفكيرهم بتكثيف وإيجاز فيما يشبه القوانين النافذة أو السّائرة ، التي لا يملك الفرد لها ردّا ، فنراه يلجأ إليها لفهم الظواهر التي يباشرها أو يواجهها في حياته ، ففيها خلاصة الخبرة وأنماط الوعي المشترك والمعرفة المبكرة ، فضلا عما تعكسه من تطور الوعي العربي وتحولات المجتمع العربي القديم .
وقد سعت الباحثة إلى تحليل الأمثال وفق مداخل منهجية متنوعة في محاولة للإحاطة بهذا التراث وقراءته قراءة معاصرة تجعل منه كائنا حيّا يلتقي مع تأثيره في تكويننا الثقافي وفي وعينا وحياتنا المعاصرة بالرغم من سائر المتغيرات والتحولات .
فتناولتْ خصائص الأسلوب في الأمثال من ناحية التركيب والإيقاع والبناء اللغوي ، مستخدمة أدوات المنهج الأسلوبي ، بما يكشف عن الطوابع الخاصة للمثل العربي ، وبما يفسّر الأنماط التركيبية والإيقاعية المميزة فيه . كما درستْ قصص الأمثال دراسة سردية في ضوء مناهج السرديات ، مستفيدة من تطور الدراسات السردية ، والاهتمام المتصاعد بالسردية العربية ، مستعينة بالإجراءات المنهجية في دراسة السرد من خلال مكتسبات علم السرد الحديث . وارتأت في مجال الدراسة الدلالية الإفادة من مناهج العلوم الإنسانية عامة في تحليل النصوص ونقدها ، واستخلاص القيم الحضارية والأبعاد الثقافية منها ، فضلا عن بعض أدوات النقد الثقافي المعاصر الذي ينظر للنصوص الأدبية بوصفها علامات ثقافية في مسيرة حضارة أو ثقافة ما .
وقد تكونت الأطروحة من تمهيد وأربعة فصول وخاتمة ، تتبعتْ في التمهيد مفهوم المثل وخصائصه في المصادر العربية ، وحاولتْ الكشف عن نشاط التصنيف في هذا المجال، إضافة إلى تمييز المثل عن الأنواع القريبة منه.
أما في الفصل الأول فقد عرضت الأطروحة لبنية المثل الصوتية ، وتناولت جملة من الظواهر الإيقاعية التي تميزت بها الأمثال من خلال دراسة ظاهرة التكرار الماثل فيها بأشكاله المتعددة : كتكرار الألفاظ المتفقة في دلالاتها ، وتكرار الألفاظ المتباينة في دلالاتها ، ودراسة العلاقة بين الإيقاع والأوزان الصرفية في الأمثال ، والتكرار الكمِّي للأصوات ، وتكرار الأصوات في نهايات الفواصل ، والتماثل الصوتي في الأمثال . كما درس الفصل الأول ظاهرة الإتباع الجليّة في الأمثال ، وظاهرة اتصال المثل بالشعر ، وانتهى إلى دراسة إيقاع المثل المعنوي من خلال الوقوف عند إيقاع الألفاظ المتضادة وإيقاع المعاني المتقابلة .
أما في الفصل الثاني فقد عرضت الباحثة لبنية المثل التركيبية ، فاختارت أهم الظواهر التركيبية التي ميزت الأمثال ، فأبرزت الأساليب الإنشائية من نداء واستفهام وأمر ونهي ، وتوقفت عند أسلوب الشرط والتركيب التصويري ، فضلا عن صيغة أفعل التي شغلت حيّزا واسعا منها ، وانتهى الفصل الثاني بالوقوف عند أنماط التوكيد وأساليب النفي .
واشتمل الفصل الثالث على دراسة قصص الأمثال ، وصلتها مع جملة المثل ، فدرس قصص الأمثال دراسة سردية واقفا عند إشكالية الشكل والمضمون وأسبقية المثل والقصة وعلاقة قصص الأمثال بالتاريخ ، وتوقفت عند أبرز الملامح السردية لقصص الأمثال كالسّند وصيغة الرواية ، وحاولت تحليل متن قصص الأمثال ولغتها وأسلوبها وشخصياتها ، وألمحت إلى دور الشعر في قصص الأمثال وثنائية السرد في الشعر والشعر في السرد فضلا عن إرسال المثل .
أما في الفصل الرابع فقد عرضت الأطروحة للتحليل الدلالي الحضاري ، الذي تتكامل به الدوائر الثلاثة للمثل وهي ( الصوت والتركيب والدلالة ) ، حيث سعت إلى تأمّل الدلالات الحضارية والفكرية والاجتماعية للأمثال من خلال الوقوف عند محاور مختارة مما يتصل بموقع المرأة والنظرة إليها في المجتمع العربي القديم ، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم ، والطبقات الاجتماعية التي أفرزها المجتمع القديم .
وانتهت الأطروحة لتؤكد أهمية المناهج المختارة بوصفها خيارات يقدمها النقد الأدبي بما يمنحه للدارس من مفاتيح أساسية تساعد في قراءة النصوص قراءة داخلية تكشف عن أنماطها التي تميزها عن غيرها ، وقراءة خارجية تتواصل بها مع محيطها الحضاري والثقافي.
الزميلة أماني سليمان عضو في نقابة الصحفيين ورابطة الكتاب الأردنيين، صدر لها كتاب الأسلوبية والصوفية_ دراسة في شعر الحلاج عام 2002، كما نشرت دراساتها ومقالاتها في عدد من المجلات والصحف الأردنية والعربية، وعملت لعدة سنوات في مجال الصحافة الثقافية.
::. كمال الرياحي
ساحة النقاش