التنوير.. متي وكيف يتحول من الفكر للتطبيق؟
بقلم: د. مرسي عرب
بكل صراحة لم يعد أمامنا إلا أن نطلق صيحة تطالب بانطلاق مرحلة جديدة لحركة التنوير في بلادنا, وأن تتجه هذه الصيحة بوجه خاص الي النخبة من أهل الفكر والرأي باعتبارهم صناع الحضارة ورواد التقدم.
وقد يدافع بعض أهل الفكر بقول قد يكون ظاهره صحيحا ولكنه ليس كله بصحيح عندما يتساءلون عما اذا كان من مسئولية المفكر أن يحمل العصا في يده ليحطم بها معاقل الظلام أم أن يكفيه أن يضيء فقط مشاعل النور التي تفتح العقول وأن ينتهي دوره عند طرح الأفكار. وهنا بيت القصيد من هذا المقال الذي يريد أن يقول إنه قد آن الأوان لنخبة المفكرين الجادين ودعا التنوير الصادقين أن تجتمع كلمتهم وتتضافر جهودهم لوضع خطط وآليات للعمل الإيجابي أو ما يسمي بلغة العصر خطة طريق, نبلور بها برنامجا قوميا للتنوير تشارك في تنفيذه جموع المواطنين بمشاركة من كل عناصر المجتمع المدني علي اتساع الوطن, ومن المؤكد أن اعداد المواطنين المستنيرين في هذا البلد بحمد الله كثيرون ولا ينقصهم إلا حسن التنظيم وتوافر القيادة التي ترشدهم الي سبيل التخلي عن مواقفهم السلبية التي تكتفي عادة بترديد النقد لتحل محلها مواقف ايجابية تستدعي من كل مواطن أن يكون رافضا ومقاطعا لكل ما يسير بنا نحو التخلف والإظلام وشيوع الجهل والخرافة والفن الهابط وغياب الوعي وضعف الانتماء وترسم له الطريق لتحقيق ذلك بطرق عملية واقعية قابلة للتطبيق. أقول هذا ونحن علي موعد قريب لانطلاق عملية تنويرية جادة من مدينة الاسكندرية التي كانت عبر فترات تاريخية ضاربة في عمق الزمن منارة للإشعاع الحضاري في مجالات الفكر والعلم والثقافة والفنون, وفي رحاب جامعة الاسكندرية العريقة وبجهد من منظمات المجتمع المدني النشط, عملية تبحث عن التعريف الصحيح للتنوير وتحدد أهدافه وأولوياته ثم تقوم بحصر كافة عناصر المجتمع المنوط بها تنفيذ البرنامج القومي ابتداء من المواطن الفرد مرورا بكل ما ومن يؤثر في حياته من منظومة الأسرة والمدرسة والجامعة والنوادي ومؤسسات الإعلام والثقافة وغيرها, لتنتهي أخيرا لوضع بروتوكولات للعمل والمتابعة تتحول بمقتضاها أفكار النخبة الرائدة من مرحلة الرصد والتشخيص للعلة الي مرحلة الفعل الايجابي الذي يقتضي أن يتبين لكل عنصر من عناصر المجتمع أفرادا أو جماعات ما يتعين عليه أن يفعله وما عليه أن يرفضه حتي تتحقق من حاصلة العمل القومي الجماعي ثمار الوصول الي أهداف التنوير القومي الذي نسعي اليه. كلمة أخيرة لابد منها وهي أنه ليس من اللائق أن نطرح خطة للعمل, نروح بعدها في سبات عميق ونطالب الدولة بأن تتولي عنا مهمة تنفيذ تلك الخطة ـ إن حركات التنوير التاريخية الناجحة لم تقم بها سلطة الحاكم وحده اللهم الا مع تلك الصحوة الكبري التي قام بها محمد علي الكبير وكان ذلك حدثا شديد الاستثناء في زمن لن يتكرر ولا يمكن أن يتكرر, لأن أسلوب التنوير بقوة السلطان الذي استخدمه محمد علي باشا في زمنه لم يعد ممكنا تطبيقه في الزمن المعاصر, ولكن الإنصاف يقتضي التأكيد علي أن نجاح حركات التنوير الشعبي الذاتي التي يقوم بها المجتمع بقيادة النخبة من أبنائه تقتضي أن تكون سلطة الدولة دائمة أو مباركة بل وعند الضرورة مشاركة في الخطة القومية ضمانا لإنجاح أهدافها ومن هنا فإن الإنصاف أيضا يقتضي الإشارة إلي أن الدولة المعاصرة في مصر قامت عندما استلزم الأمر في عدة مواقف واضحة المعالم بذلك الدور الراجب عليها لدعم صراع حركات التنوير ضد ظواهر التخلف والإظلام,ومن ذلك وعلي سبيل المثال لا الحصر ما تم من اصدار تشريعات وقوانين أنهت في الوقت المناسب مهزلة تكرار رفع الدعاوي القضائية من كل من هب ودب ضد المفكرين لإرهابهم وما صدر أيضا من تعديلات في التشريعات التي تصون الحقوق الإنسانية الأساسية للمرأة والطفل, بحيث يمكن الإطمئنان الي أن الدولة لن تتخلي عن مساعدة الأفكار والخطط الجادة التي ترسم معالم الطريق نحو الاستنارة والتقدم.
ساحة النقاش