«المصرى اليوم» تنشر وثائق نادرة تؤكد حق مصر القانونى فى مياه النيل اتفاقية «١٩٠٢» وحروب «الحدود» المصرية – الحبشية(الحلقة الأخيرة)

  كتب   أشرف جمال    ٩/ ٨/ ٢٠١٠

رغبة جارفة فى خدمة هذا البلد، قادتنا لنشر هذا الملف الشائك والمتشعب، والذى نكشف فيه عن وثائق وخرائط وحقائق تاريخية غاية فى الأهمية والخطورة.

ولأن ما لدى «المصرى اليوم» من وثائق، يكشف حق مصر التاريخى فى مياه النيل، فإننا نقدمه للمسؤولين والقراء جميعا، عله يكون عوناً لهم فى حرب الاتفاقات الجديدة التى تشنها دول المنبع، ضدنا والسودان الشقيق. الخرائط والوثائق- التى حصلنا عليها من هايدى فاروق عبدالحميد، الباحث بالأرشيفين البريطانى والأمريكى، عضو الجمعيتين «المصرية للقانون الدولى» و«الجغرافية المصرية»- تؤكد قانونية حق مصر الحالى فى مياه النيل، بل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مساعى دول المنبع لتعديل الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر من مياه النهر، لا تستند إلى شرعية قانونية ولا تصمد أمام دليل سياسى قاطع.

هذا الملف تنشره «المصرى اليوم» فى خمس حلقات، تحت مسمى «منحة الأرض ومحنة المياه»، تكشف خلاله تفاصيل وحقائق تاريخية لم يتطرق إليها كثيرون من قبل، أبرزها الخلفيات التاريخية للنزاعات المائية بين مصر والحبشة (إثيوبيا) والكونغو، وما انتهت إليه من وثائق واتفاقات من شأنها إثبات الحق الحالى لمصر فى مياه النيل، أبرزها على الإطلاق اتفاقية ١٩٠٢ الخاصة بتقسيم المجرى المائى لنهر النيل تقسيماً «حدودياً» لا يقبل التعديل.

انتهت الحلقة الماضية بتكليف الخديو إسماعيل للقائد العسكرى البريطانى صموئيل بيكر، فى فبراير ١٨٧٠ بقيادة حملة «أفريقيا الوسطى»، وكان بيكر اكتشف سنة ١٨٦٤ بحيرة «ألبرت نيانزا»، وهى أهم منابع النيل بعد فيكتوريا، حيث اهتمت إنجلترا منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر بتمهيد السبيل للاستعمار والمستكشفين، فكان المبشر الألمانى «كرايف» مندوبا لجمعية «المبشرين الإنجليزية»، وهو الذى اكتشف جبل كينيا عام ١٨٤٩، كما اكتشف الرحالة الإنجليزى «اسبيك» بحيرة فيكتوريا نيانزا (نيانزا تعنى بحيرة) نسبة إلى الملكة فيكتوريا، وهى كبرى بحيرات القارة، تقع فى شمالها أوغندا وفى جنوبها أفريقيا الشرقية الألمانية القديمة، وزار «اسبيك» فى رحلته أوغندا وملكها «أمتيزا».

تقول هايدى فاروق، الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى: «كانت رحلة بيكر هى الأولى لحساب الحكومة الإنجليزية، وكان طريقه فى الذهاب والعودة يمر بالقاهرة والخرطوم وجوندكورو، كما زار بيكر مملكة الأونيور المجاورة لأوغندا وقتها، والتقى ملكها، وكان هذا التاريخ موازياً لحكم إسماعيل، وفيه تبدو خطة قديمة لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن الأهداف الجغرافية».

 وتضيف: «تنبه إسماعيل إلى تلك الأغراض البعيدة ففكر فى سنة ١٨٦٥ فى امتلاك الساحل الأفريقى للبحر الأحمر، وكان يعلم جيداً أن الارتكان للعنصر المصرى الوطنى هو وحده الكفيل بتحقيق أهداف مصر فى القارة، وعندما جاء إلى مصر سنة ١٨٦٩ ولى عهد إنجلترا ومعه الرحالة بيكر انتهز إسماعيل الفرصة وطلب تكليف الأخير بمهمة فى وسط أفريقيا لحساب مصر، تمثلت أهدافها فى إخضاع البلدان الواقعة فى جنوب جوندكورو لحكم مصر وحدها، وإلغاء تجارة الرقيق، وإحلال تجارة نظامية مشروعة محلها، وفتح بحيرات خط الاستواء الكبرى للملاحة، بالإضافة إلى تأسيس سلسلة محطات عسكرية ومستودعات تجارية فى أفريقيا الوسطى، على أن تكون جوندكورو قاعدة تمويل لها»، موضحة أن إسماعيل أسند بالاتفاق مع ولى عهد إنجلترا المهمة إلى بيكر، لقيادة الحملة لمدة «أربع سنوات» بدأت من أول أبريل عام ١٨٦٩.

وتضيف «هايدى»: «كان من الواضح أن إسماعيل اعتقد أن فى مقدور بيكر استعادة جميع بلدان أعالى النيل لضمها إلى مصر، وربما كان ذلك ميسوراً لو أن بيكر كان من المنظمين، أو لو أن إلغاء تجارة الرقيق التى اعتادها الناس مئات الأعوام وأصبحت جزءا لا يتجزأ من معيشتهم، كان من طريق آخر غير طريق العنف».

وحسب الوثائق زار بيكر الخرطوم عام ١٨٧٠، وبعد أن قضى فيها عدة أشهر غادرها فى ١١ ديسمبر من نفس العام، فبلغ «جوندكورو» فى ١٥ أبريل سنة ١٨٧١، وفى ٢٦ مايو أعلن ضمها رسميا إلى مصر وسماها «الإسماعيلية» نسبة إلى خديو مصر.

وألف بيكر كتاباً خاصاً بهذه الرحلة حمل عنوان (الإسماعيلية أو تاريخ الحملة المرسلة فى أفريقيا الوسطى للقضاء على تجارة النخاسة).

وفى يناير سنة ١٨٧٢ اتجه بيكر صوب الجنوب وأنشأ نقطة عسكرية فى فاتيكو، ولما بلغ مازندى عاصمة الأونيورو، كان فظاً فى معاملة ملكها كاباريجا الذى ذهب ليستميله إلى الحكم المصرى، فحاول أن يسيطر عليه بالخوف، وعامله باحتقار فانتهز خصومه هذه الفرصة للإيقاع به، فما كان منه إلا أن أعلن رسميا عزل كاباريجا من الملك، وضم مملكته فى ١٤ مايو سنة ١٨٧٢.

وتقول الوثائق: «عاد بيكر إلى القاهرة تاركا القيادة إلى رؤوف بك (الذى أصبح رؤوف باشا، حكمدار هرر فيما بعد)، وكلّفت هذه الحملة مصر أكثر من مليون جنيه، ولم تكن نتائجها إيجابية إلى حد بعيد، ولا تتخطى إنشاء ثلاث نقاط عسكرية وخط حدود سياسى تتألف منه مديرية خط الاستواء، ولم يكن الطريق بين هذه النقاط جوندكورو، فاتيكو، فويرا– مأموناً». وتضيف: «عاد بيكر إلى القاهرة سنة ١٨٧٣، وفى العام التالى ١٨٧٤ خلفه جوردون باشا فى نفس الوظيفة، وكانت مهمته الرسمية مد الحدود المصرية إلى البحيرات، وبالأخص بحيرة فيكتوريا».

وبمجىء الحملة المصرية الثانية بقيادة «جوردون» باشا أواخر عام ١٨٧٤- حسب الوثائق- بلغ جوردون الخرطوم فى ١٣ مارس سنة ١٨٧٤، ومعه الضابط الأمريكى «شاى لونج» والمهندس المصرى «إبراهيم فوزى» والضابط «حسن واصف» والمهندس الإيطالى «روميلوس جيسى» والمهندس الفرنسى «لينان»، وكان شغله الشاغل حل مشكلة المواصلات بين مديرية خط الاستواء ومصر، إما عن طريق الشمال «الخرطوم- النيل»، وإما عن طريق الشرق «أوغندا- ساحل أفريقيا الشرقية».

وفى سنة ١٨٧٦ قرر إسماعيل فتح طريق بين «هرر» وبحيرة فيكتوريا للاتصال بقوات جوردون، وصدرت تعليمات إلى قائد «هرر» المصرى بأن يفتح بالتدريج طريقا حتى «كابتزا» على سواحل فيكتوريا.

ولأجل فتح هذا الطريق، كان على مصر أن توطد أقدامها أولا على سواحل فيكتوريا فى أوغندا، ولكن إنجلترا كانت لها بـ«المرصاد»، خاصة أن الطريق من ناحية «هرر»، بفضل تقدم المدنية المصرية وانتشار الإسلام، كان يفتح أمام مصر شيئا فشيئا، خصوصا من ناحية «الجالا»، وهى القبائل التى كانت تحيط بالحبشة التى احتلت «هرر» سنة ١٨٨٧، بعد أن أرغمت إنجلترا مصر على إخلائها سنة ١٨٨٥.

وكان «جوردون» يفكر جديا فى إيجاد مواصلات منتظمة بين النيل والبحيرات، وتسيير سفن بخارية فى بحيرة فيكتوريا (نيانزا)، وكان تدبير ذلك الأمر يقتضى عودة أحد أفراد الحملة المصرية، وهو الضابط الأمريكى «شاى لونج» إلى القاهرة، ليتولى بنفسه إعداد الحملة المتفق عليها بين الخديو وجوردون، وتمكن لونج قبل عودته من توقيع معاهدة مع «أمتيزا» ملك أوغندا بتاريخ ١٩ يوليو سنة ١٨٧٤ اعترف فيها الأخير بسيادة مصر.

ولكن حرص «جوردون» على منع مصر من توطيد قدمها فى أوغندا وعلى ضفاف فيكتوريا- حسب الوثائق- بعد أن احتلت عاصمتها وفعل ذلك لتفادى غضب الحكومة الإنجليزية، فقد كانت إنجلترا آنذاك واقعة تحت كابوس التوسع المصرى صوب منابع النيل، وكانت العرائض تقدم لها للمطالبة بمنع الخديو من بسط سيادته على مناطق أفريقيا الوسطى حول البحيرات.

وهذا ما حدا بجوردون فى عام ١٨٧٨ إلى إرجاع الحدود المصرية إلى منطقة خلفية بعيدة عن بحيرة «ألبرت نيانزا»، وأمر «الدكتور أمين» الذى خلفه فى أفريقيا الوسطى بإخلاء المحطات الجنوبية مع مازندى «عاصمة الأونيورو»، بحيث تصبح دوفيلة «على بعد ١٠٠ ميل من ماجونجو ومن بحيرة ألبرت» أقصى حد للأراضى المصرية فى الجنوب.

وهنا تقول هايدى فاروق: «ادعى جوردون فى إحدى رسائله بتاريخ أبريل سنة ١٨٧٩ أن المصريين وحكمهم فى هذه الأقطار النائية، ما هو إلا حكم قطاع طرق، تبريرا لفعلته التى ذكرها فى خطابه بقوله بأنه أخلى أكثر من نصف البلاد التابعة لمصر فى خط الاستواء، وأن ٣٠٠ ميل أصبحت تفصل بيننا وبين أمتيزا، تلك كانت الطريقة التى نفذ بها جوردون تعليمات الخديو الخاصة ببسط السيادة المصرية على بحيرة فيكتوريا وجعلها بحيرة مصرية».

 وتضيف «هايدى»: «يوثق ذلك ما ذكره فيلكن فى كتابه المعنون باسم (أوغندا والسودان المصرى ١٨٨٢)، وتحديداً عند وصفه العاصمة لادو، وكيف أن رؤساءها كانوا من المصريين، كما أُنشئت محطات أخرى على غرارها فكان المصرى سليم مطر مديرا لكودج، ومرجان الدناصورى، الموظف بالحكومة المصرية، مديرا لفاتيكو، وفرج أجوك، مديرا لأمرولى، وإسماعيل أبوحطب، وكيلاً للحكومة المصرية فى حكم الرجاف».

وتتابع الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى: «كانت مملكة مونبوتو أقصى ممالك خط الاستواء غربى النيل، ولم تكن بها إدارة منظمة بالمعنى الصحيح، إلا فى عهد أمين باشا، أو بعبارة أدق فى عهد حواش منتصر، الذى أخضع زعماء قبائلها وطارد أمير مونبوتو المسمى مامبانجا، وأوغل فى مطاردته حتى أخضع القبائل المجاورة لمونبوتو وزعيمها بورو لحكومة مصر، وكانت هذه المديريات خاضعة اسماً لحكومة مصر قبل حواش، والذى أنشأ سنة ١٨٨١ محطة سميت باسمه فى رأس زاوية، فى أقصى الحدود الغربية واقعة فى أرض قبائل البارمبو، ورئيسها بورو».

وكانت مديرية خط الاستواء التابعة لمصر فى بداية الثورة المهدية تمتد على ساحل النيل من مخرجه فى بحيرة ألبرت، إلى ما وراء لادو، حيث كانت تشمل القسم الشمالى من «الأنيورو» وأراضى «الشولى» و«المادى» و«البارى» و«اللاتوكا» و«المكراكا» و«المورى» و«المونبو»، وكانت تمتد من ناحية أخرى على النيل بين بحيرة «ألبرت» وبحيرة «فيكتوريا» حتى «نياميونج» وعلى بحيرة «إبراهى»، وامتدت إلى نقطة أبعد من ذلك نحو الجنوب دون خط الاستواء، وتحديداً على مسافة ٥٠ ميلاً من بحيرة فيكتوريا.

وفى أثناء «الثورة المهدية» اضطرت الحاميات إلى ترك «فويرة» والمراكز الواقعة على النيل وفيكتوريا وتجمعت على النيل من سواحل بحيرة «البيرت» إلى ما بعد «لادو» شمالا، ومن «ماجونجو» عند مخرج بحيرة «ألبرت» حتى «لادو» مرورا بطريق «دوفيلة» و«لابورية» و«موجى» و«كيرى» و«بيدن» و«رجاف» و«جوندكورو» ثم يصل «لادو» بعد أن يقطع مسافة ٢٠٠ ميل تقريبا، ويلاحظ أن الحدود الحالية اليوم لأوغندا تبدأ جنوبا من سواحل بحيرة فيكتوريا وتنتهى شمالا فى «نيمول» و«تؤلف» «الأونيور»، وجزء منها، وهذه الأراضى كانت مملوكة للدولة المصرية التى أخذتها إنجلترا من مصر وضمتها لأوغندا بغير سند قانونى، حيث كانت مديرية خط الاستواء فى مجموعها واديا مستطيلا، وكان إقليم «فاتيكو» فى بلاد «الشولى» يسمى جنة النباتيين.

وتشير الوثائق إلى أن جعل مديرية خط الاستواء تحت لواء بريطانيا التى وضعت يدها على الحاميات والجنود المصريين، ووضع الجنود المتواجدين تحت الولاية البريطانية بغير سند قانونى، جميعها أمور ساعدت على تمكين إنجلترا من احتلال أوغندا القديمة، التى كانت مساحتها لا تزيد على ٥ آلاف كيلو متر مربع فى حوض بحيرة فيكتوريا، بالإضافة إلى ضم «الأونيور» ومديرية خط الاستواء نفسها إلى أوغندا الجديدة.

حول هذه النقطة تقول هايدى فاروق: «بلغت مساحة أوغندا الجديدة عام ١٩٠٠، بعد أن تكونت واتسعت على حساب الأراضى المصرية، ما يقرب من ٣٠٠ ألف كيلومتر، أى ستة أضعاف مساحتها الأولى، وامتدت حدودها الشمالية حتى جوندكورو المصرية فى جنوب اللادو، والتى كانت حتى عام ١٩١٤ تكوّن الحد الجنوبى الأقصى للسودان المصرى، الذى أخذ فى التناقص والانقباض، وعدا ذلك تنازلت إنجلترا للكونغو، وبموجب عقد إيجار عن أراض واسعة كانت تشكل من قبل جزءاً من مديرية خط الاستواء على الضفة الغربية للنيل، كما تنازلت له عن ساحل بحيرة ألبرت نيانزا الغربى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 134 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,754