هل الذكاء المصرى فى خطر؟

  بقلم   د. أحمد عكاشة    ٧/ ٨/ ٢٠١٠

قرأت مقالا فى مجلة النيوزويك عن بحث أجرى فى جامعة نيومكسيكو فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جذبنى هذا المقال فبحثت ونقبت عن البحث الأصلى لكى أقرأه بعمق، فقد تعرض البحث لموضوع حساس للغاية ألا وهو التفاوت فى نسب الذكاء بين شعوب البلاد المختلفة، وحتى القرن الماضى، كان ذلك يندرج تحت مظلة الاستعمار أو العنصرية من قبل الدول المستعمرة فى أن تتهم شعبا أنه أقل أو أكثر ذكاء إذا قورن بالشعوب الأخرى، خاصة بعد أن انتهت آراء لومبروزو إلى أن سحنة الوجه وتضاريس الأنف والحواجب والذقن من الدلالات على الشخصية والأخلاقيات والذكاء، ونحن نعلم أنه لا توجد فروق فى معدل الذكاء بين الرجل والمرأة، أو بين الأجناس من أسود إلى أبيض إلى أصفر ولكن توجد فروق بين طفل القرية وطفل المدينة، والمحير هو ما توصلت إليه الدراسات الحديثة من أن الملكات المعرفية تتفوق فى بعض البلدان عن غيرها، كما أوضحت انه كلما ارتفع مستوى النمو الاقتصادى والديمقراطى لدى وطن ارتفع بالتالى معدل الذكاء به، وسمى ذلك «أثر فلين FLYNN» الذى يتأثر أيضا بمستوى الدخل، والتعليم، والعمل غير الزراعى، واستطاعت الأبحاث الأخيرة استنباط علاقة بين الأمراض المعدية فى الطفولة ونسبة ذكاء الفرد.

إن مفهوم الذكاء اختلف من عالم إلى عالم آخر ولكن اتفقوا على أن الذكاء قدرة فطرية عامة يولد الإنسان مزوداً بها وتستمر معه طول حياته، ولقد حاول علماء النفس تعريف الذكاء فى عبارات مختصرة بسيطة ومن خلال محاولاتهم استنتجوا هذه التعريفات: قدرة الفرد على الفهم والابتكار والتوجيه الهادف للسلوك والنقد الذاتى، أو القدرة على التفكير المجرد، أو القدرة على التعلم أو القدرة على التحصيل، وهذا التعريف أكثر شيوعا وأكثر استخداماً، أى أن الذكاء هو الأداء الجيد لاختبارات الذكاء العلمية الموضوعية الثابتة والصادقة مثل اختبار استانفورد بينيه ومقياس وكسلر بليفو للأطفال والراشدين، ويمكن تعريفه أيضا بكونه الأداة التى تمكن الأفراد «والمجموعات» من التكيف بشكل أفضل مع الظروف المحيطة عن طريق استغلال ما هو موجود للوصول إلى حل مشكلة معينة.

وأفضل تعريف للذكاء أنه القدرة الكلية لدى الفرد على التصرف الهادف، والتفكير المنطقى، والتعامل المجدى مع البيئة، وهناك ثمانية أنواع من الذكاء يتمتع بها الإنسان وهى: الذكاء اللغوى: ويقصد به القدرة على التحدث والتأليف، الذكاء المنطقى «الرياضى- الرقمى» وهو القدرة على الحساب وحل الأمور المنطقية، الذكاء الحيزى «البصرى- المكانى»: وهو القدرة على التفكير بالصور وتخيل الأمور بطريقة ثلاثية الأبعاد، الذكاء الموسيقى «النغمى»: وهو القدرة على سماع الألحان وفهم تآلفها.

الذكاء الجسدى- الحركى: قدرة العقل على التحكم بالجسم بسرعة ومهارة، الذكاء الجماعى «الاجتماعى- العاطفى»: القدرة على فهم الآخرين، والتعامل معهم. الذكاء الفردى «الذاتى»: القدرة على فهم الذات وتطويرها، الذكاء الحيوى «البيئى»: هو القدرة على الجمع بين العمل أو الدراسة والمتعة.

ويتم قياس نسبة معدل الذكاء لدى الفرد بواسطة اختبارات نفسية من أهمها اختبار وكسلر لقياس نسبة الذكاء اللغوى أو الحركى، وبالطبع هنا نقصد الذكاء الأكاديمى الذى يكفل للفرد إنهاء تعليمه، وهو يختلف عن الذكاء العاطفى الذى يعتمد على الحميمية والتواصل العاطفى أو الكاريزما، فالذكاء الأكاديمى يتيح للفرد التخرج بدرجات عالية، أما الذكاء العاطفى فهو الذى يجعله يشق طريقه وينجح فى الحياة.

وقد خلق الله الإنسان وأعطاه هبة الذكاء بتوزيع عادل حيث نجد أن ٦٠% من البشر متوسطو الذكاء، و٢٠% فوق المتوسط، و٢٠% أقل من المتوسط. والذكاء هو بمثابة عطاء من الله لا تلعب الوراثة من الوالدين فيه دورا كبيرا، ولكن تلعب البيئة دورا مهماً، فالوراثة هنا استعداد وراثى وليس للوالدين دور فيه، فالطفل الذى ينشأ فى بيئة تتميز بالثراء الثقافى يتمتع بنسبة ذكاء مرتفعة عن قرينه الذى يعيش فى بيئة مفتقرة للثقافة والعلم، وأذكر هنا أن العالم الكبير الدكتور مصطفى سويف، متعه الله بالصحة والعافية، كان يضيف ١٠ نقاط فوق معدل الذكاء نظرا لصعوبة مقاييس الذكاء بالنسبة للمواطن المصرى، وبالفعل لاحظنا أن مستوى الذكاء فى مرضانا بدأ فى الانخفاض تدريجيا إذا قورن بخمسينيات أو ستينيات القرن الماضى،

وعلى الرغم من أن جيمس فلين، وهو عالم وسياسى من نيوزيلندا قد استطاع من خلال أبحاثه أن يثبت أن معدل الذكاء يزداد ارتفاعا على مدار الأجيال، كما أوضح أن معدل ذكاء الأجيال الحالية أكثر ازديادا عن الأجيال السابقة وأن لذلك علاقة طردية بالنمو الاقتصادى والتكنولوجى...، ويقال إن معدل الذكاء كان ثابتا منذ ألفى عام وبدأ فى الزيادة حوالى عام ١٩٣٠ متزامنا مع ارتفاع النمو الاقتصادى والعلمى الذى ازداد فى الخمسين عاما الأخيرة بفضل التقدم التكنولوجى، وبناء على ذلك نلاحظ أن من كان عمره فوق ٥٠ عاما لا يستطيع أن ينافس أولاده أو أحفاده فى مهاراتهم فى التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.

ونحن نعلم أن أهم أعضاء الجسم البشرى هو المخ، والمخ هو المسؤول عن استيعاب ٩٠% من طاقة الطفل، ولكن إذا حدث أى تدخل فى هذه الطاقة أثناء فترة الطفولة فستنجم عن ذلك آثار خطيرة ودائمة. وأخطر ما يؤثر فى مخ الطفل هو الأمراض الطفيلية والمعدية، حيث تعوق النمو الطبيعى، فالطفيليات تؤثر على عملية امتصاص الطعام والفيتامينات من الأمعاء وكذلك تبطل نمو الخلايا بالجسم، كما تقوم بتوجيه الطاقة إلى جهاز المناعة بدلا من المخ مما يؤثر على نسبة ذكاء الطفل فى سن البلوغ، كما تشير الدراسة إلى أن من أخطر أمراض الطفولة تأثيرا على نسبة الذكاء لدى الطفل، الإسهال.

وأيضا يؤدى مرض الإصابة بفقر الدم (الأنيميا) خاصة نقص الحديد لانخفاض نسبة الذكاء لدى الأطفال أو الكبار، لأنه بمثابة المسؤول عن إمداد المخ بالأكسجين اللازم، فنسبة الإصابة به فى مصر ٣٠ % من إجمالى سكانها، منهم ٧٠ % أطفالاً أى حوالى ٤٢% من أطفال مصر يعانون من أنيميا نقص الدم، كما تؤدى بعض العادات الغذائية لمنع امتصاص الحديد فى الدم كاحتساء الشاى بعد وجبات الطعام، والذى يحتوى على مادة التانيت (Tannate) المانعة لامتصاص الحديد، وكذلك تناول الفول مع قشره لأن القشرة الخارجية للفول تحتوى على فايتات (phytate) مانعة لامتصاص الحديد، لذا ينصح بتناول الفول المصفى.

وقد وجد الباحثون أن الدول ذات أقل نسبة فى معدل الذكاء مثل: جينا الاستوائية، الكاميرون، موزمبيق، والجابون تمثل أعلى نسبة فى عبء الأمراض ( يقاس عبء أى مرض حالياً بما يسمى العجز الناتج عن المرض، أى تأثير المرض على عدد السنوات التى فقدت دون عمل بسبب المرض وكذلك الوفاة المبكرة «DALYS») أما الدول التى تتميز بعبء بسيط للأمراض مثل سنغافورة، كوريا الجنوبية، الصين، اليابان، وإيطاليا فتعتبر فى مقدمة الدول ذات الذكاء المرتفع. وقد تم أخذ المحكات الأخرى فى الاعتبار مثل التعليم، العمل الزراعى، دخل الفرد وكذلك المناخ. فقد وجد أن المناخ البارد قد يؤدى، حسب نظرية التطور، إلى ذكاء أكثر ارتفاعا، وهذا ما جعل مواطنى مهد البشرية أى مواطنى أفريقيا ينزحون إلى آسيا وأوروبا، وتوصى الدراسة بضرورة اهتمام الدول بحصول مواطنيها على الماء الامن، غير الملوث بالصرف الصحى، التطعيم، والأدوية لتقل الإصابة بالأمراض المعدية والطفيلية وبذلك تتحسن نسب الذكاء بين مواطنيها.

وإذا تقرر ثبات وصدق هذا البحث فيعنى ذلك أن على صانعى القرار السياسى المهمة الأولى فى الارتفاع بمستوى ذكاء المواطنين من خلال الحفاظ على صحة الطفل، وذلك من خلال توافر الماء النقى والتطعيم والدواء ومحاربة أمراض الطفولة.

وحسب كتاب «لين وفانهامن» عن «معدل ذكاء الأمم» وحسب «عامل فلين» نجد أن أعلى معدل ذكاء فى هونج كونج (١٠٧) ثم كوريا الجنوبية (١٠٦) ثم اليابان (١٠٥)، الصين (١٠٤)، سنغافورة (١٠٣)، النمسا وإيطاليا وألمانيا (١٠٢). أما فى البلاد العربية فنجد أن ترتيب لبنان بين ١٨٥ دولة هو (٥٢) بمعدل ذكاء (٨٦) والمغرب (٥٤) بمعدل ذكاء (٨٥) أما مصر والسعودية والإمارات فتحتل رقم (٦٠) بمعدل ذكاء (٨٣) والسودان رقم (٧٠) بمعدل ذكاء (٧٢).

ولذا نهيب بالدولة أن تعمل على محاربة الأمراض المعدية والأمراض الطفيلية فى الريف أو الحضر على حد سواء، وذلك من خلال أساليب وخطط علمية جادة، وأن تقوم ببث نشرات صحية فى وسائل الإعلام المتعددة لتوعية مواطنيها بأنواع الأطعمة المختلفة المانعة لامتصاص الحديد فى الدم والتى تؤدى بالتالى للإصابة بمرض فقد الدم، وأخيرا أن تهتم بتحسين المستوى التعليمى والثقافى والاقتصادى لجميع أفراد الشعب من أجل النهوض بالذكاء المصرى وإعادته لسابق عهده.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,115