إخناتون العاشق المعذب بقلم د.أيمن الجندى ٤/ ٨/ ٢٠١٠ |
حينما تذهب للمتحف المصرى فى ميدان التحرير فليكن ذلك الركن فى الطابق الأول هو أول ما تبدأ به: ركن إخناتون وزوجته الجميلة نفرتيتى (اسمها بالهيروغليفية: الجميلة التى أتت). قف متأملا أمام تمثال الرجل. ستشعر على الفور بأنك أمام تمثال مختلف وملك مختلف عن سائر الملوك. لقد أحدث إخناتون ثورة فى النحت لأول مرة فى التاريخ حينما سمح لفنانى مصر القديمة أن يرسموه وينحتوا تماثيله كما هو فى الحقيقة وليس كما يجب أن يكون. التمثال عجيب جدا، لست بحاجة لأن تكون قوى الملاحظة لتدرك المقاييس العجيبة لجسده، الفخذ أنثوى أكثر من اللازم، والوجه نحيف ومُعذب. فيما بعد خمن علماء المصريات أنه كان مصابا بمرض نادر فى الغدد الصماء، أرادوا أن يلصقوا بالهرمونات المختلة تلك اللوعة الدينية المعروفة عنه. لكن الشىء المُحقق بجلاء، والذى تُدركه بمجرد النظر، أن هذا وجه عاشق مُعذب مُرهف الحس، شاعر لم يفهمه قومه أبدا، فاض قلبه عشقا للإله الواحد الذى رمز له بقرص الشمس «آتون» فامتزج مع الكون. وكأى إنسان مخلص لعقيدته، كان طبيعيا أن يكابد من المحن ما يكابده أصحاب الرسالات من المنتفعين وأصحاب البطون، وكانوا فى هذه الحالة كهنة آمون، الذين يدخلون المعبد ليقولوا للشعب المُستعبد إن الإله آمون غاضب، والسبيل الوحيد لإرضائه هو بط سمين. تصارع نقاء الشمس مع بخور المعابد، يئس من طيبة (الأقصر حاليا) وقسوتها، وأقام عاصمته بتل العمارنة ليُنشئ مدينة التوحيد. ويستشيط كهنة آمون حنقاً، ويؤلبوا عليه العامة الذين لم يستسيغوا توحيد الآلهة فى إله قادر على كل شىء، حرمهم من كل الأساطير الممتعة، والحكايات التى يسمرون بها فى الأمسيات المقمرة، لذلك ثار الشعب ضده تحت شعار حماية مقدسات الأجداد. بدأت الحرب الأهلية، واشتعل التمرد فى كل مكان، وانتهز الجيران المتربصون الفرصة ليقضموا أطراف الكعكة المصرية، فتآكلت حدودها وذهبت سوريا وقادش والنوبة، والملك الشاعر فى عالم آخر مع قصائده وأناشيده لإلهه الجديد «آتون». ومن الطريف، المُضحك المُبكى، شديد الدلالة على مكر المصريين وحيلهم، أنه قد تبين لاحقا من الاكتشافات الأثرية أن هؤلاء الذين كانوا يتبعونه كانوا يتظاهرون بعبادة «آتون» لإرضائه ونيل حظوته، بينما هم يعبدون، خلسة فى بيوتهم، إلههم القديم «آمون». ................ وهكذا زاد الحصار حول الملك العاشق، وذهبت أطراف المملكة، ولم يبق معه سوى الجميلة نفرتيتى التى اعتنقت مبادئه، ولكن ماذا يصنع قلب وحيد أمام جيوش الشر؟ قُتل إخناتون فى ظروف غامضة، ولم يتم العثور على جثمانه أبدا بعد أن تعرض لغضب الكهنة ونقمة الشعب، وتم محو اسمه بعنف من كل المعابد التى بناها. وزاد حزن الشمس حين فقدت ابنها، وفاضت دموع النيل ألما، وبكى الكروان فى السماء شجنا على موت العاشق النبيل. |
ساحة النقاش