الإعلام والتوعية البيئية
بقلم : نايف بن صالح الشلهوب
مدير الإدارة العامة للتوعية البيئية
الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة- المملكة العربية السعودية
ورقة العمل:
أعدت هذه الورقة لتقديمها في الملتقى الإعلامي الأول للبيئة والتنمية المستديمة المنعقد بالقاهرة خلال الفترة 28-30/11/2006م بهدف إبراز الدور المهم للإعلام البيئي في نشر الثقافة البيئية والرقي بالوعي البيئي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولأهمية هذا الموضوع تم طرحة في العديد من المؤتمرات، والندوات المتخصصة على النطاق العالمي، و في العالم العربي على المستويات المحلية والإقليمية، وقد تم في هذه الورقة إلقاء ضوء وتوضيح لبعض النقاط وأساسيات عمل التوعية والإعلام البيئي مبنية على منظور عملي تطبيقي من وقائع لممارسة هذا العمل لفترة طويلة بالجهاز المركزي للبيئة بالمملكة العربية السعودية.
الوعي البيئي:
مع زيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على البيئة وعناصرها خلال نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين على المستوى الإقليمي وعبر وطننا العربي وفي العالم بشكل عام، ازدادت الحاجة إلى إكساب الأفراد والجماعات الخبرة والدراية الكافيتان بعناصر ومكونات وقضايا وإشكاليات البيئة، وفهم العلاقة التأثيرية المتبادلة بين الإنسان وبيئته، وتقدير قيمة المكونات البيئية الأساسية المحيطة، والتعرف على المشاكل والإشكاليات البيئة، والتدرب على حلها ومنع حدوثها، وتجنب الوقوع في الكوارث البيئية أو ذات الصلة قبل وقوعها وما يترتب عليها من أزمات اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية في بعض الأحيان. وهذا ما اعتقده شخصياً تعريف شامل لمصطلح الوعي البيئي. والوعي البيئي هذا يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الحكومية والخاصة في مجتمعاتنا العربية، ليصبح الفرد العربي قبل متخذ القرار البيئي واعياً بمتطلبات الفترة القادمة ومدركاً لاحتياجاتها. والوعي البيئي في اصله يتكون من ثلاث حلقات منفصلات متداخلات في آن واحد وهي :
التربية والتعليم البيئي: ويبدأ بالتعليم من رياض الأطفال ويستمر خلال مراحل التعليم العام إلى التعليم الجامعي بشرط أساسي وهو وجود تكامل لأهداف البرنامج التعليمي والتربوي.
الثقافة البيئية: وتبدأ من توفير مصادر المعلومات ككتب ونشرات وإشراك المثقفين البيئيين في الحوارات والنقاشات المذاعة والمنشورة وفي الحوادث والنوازل والقضايا البيئية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالمجتمع خاصة ذات المردود الإعلامي.
الإعلام البيئي: هو أحد أهم أجنحة التوعية البيئية، وهو أداة إذا حسن استثمارها كان لها المردود الإيجابي للرقي بالوعي البيئي، ونشر الإدراك السليم للقضايا البيئية، ويعمل الإعلام البيئي في تسيير فهم وإدراك المتلقي لقضايا البيئة المعاصرة وبناء قناعات معينه تجاه البيئة وقضاياها.
وسائل الإعلام:
التطور السريع وتعقد المجتمعات المدنية العربية البسيطة وظهور المدن الكبيرة مع نهايات القرن الماضي وما تلاها وتشابك مصالح المجتمعات فضلاً عن المصالح الفردية، أدي ذلك إلى تغير نمط الاتصال بين أفراد المجتمع، وانتشرت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتطورت وسائل وتقنية بث التأثير المعرفي والعلمي، فاستخدمت وسائل الإعلام العامة والمشهورة والتي أهمها:
وسائل مقروءة:
صحافة، مجلات، كتب، كتيبات، ملصقات، نشرات
وسائل مسموعة:
راديو، أشرطة، CDs، محاضرات، خطب، ندوات، مؤتمرات
وسائل مرئية:
تلفزيون، معارض، إنترنت، أفلام، قنوات فضائية متخصصة، رسائل الهاتف الجوال متعددة الوسائط
وسائل شخصية:
مقابلات، اجتماعات، زيارات، محادثات
وبملاحظة نتائج استخدام الرسالة الإعلامية الموجهة عبر وسائل الإعلام العامة وتقنيات الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وتقنيات الوسائط المتعددة بالهاتف الجوال والشبكات العنكبوتية (الإنترنت)،فإنه يظهر جلياً التمايز النسبي لكل وسيلة إعلامية لإحداث الاستجابة و التأثير المرجو من الرسالة الإعلامية الموجهة على الفئة المستهدفة، ومن ناحية أخرى، يكاد الملاحظ أن يجزم بان التطور الإعلامي المتواكب مع توفر تقنيات الاتصال الحديثة لن يقف، و لن يقف تطور أدوات وتقنية وأسلوب رسائله الإعلامية، ولن تنقطع حاجة الإنسان للإعلام وصناعته والاستثمار فيه.
الإعلام البيئي:
بظهور الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على البيئة ومكوناتها وعناصرها، وانتشار الكوارث وحوادث التلوث البيئي، وحاجة المجتمعات إلى الأخبار البيئية وشغف الإطلاع ومعرفة تأثيرات الكوارث وحوادث التلوث البيئي الآنية عليهم، وحب استشراف المستقبل فيما يتعلق بتأثير التلوث على البيئية، والبيئة الطبيعية، والتغيرات المناخية في العالم بسبب التلوث، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد والحالة الاجتماعية ...الخ، ظهر مصطلح الإعلام البيئي وأخذ هذا المصطلح بالتطور المتواتر في التعريف والمفهوم والاستخدام منذ سبعينات القرن الماضي، فبعدما كان نقلاً للخبر البيئي والإثارة الصحفية، لمزيد من المبيعات، أصبح له سياسات وخطط ووظف لتحقيق أهداف مختلفة وكما للإعلام بمفهومة الحديث " الإعلام التنموي" والذي يساعد الناس على تكوين رأي صائب في مضمون الواقع، أصبح الإعلام البيئي أداة تعمل على توضيح المفاهيم البيئية من خلال إحاطة الجمهور المتلقي والمستهدف للرسالة والمادة الإعلامية البيئية بكافة الحقائق والمعلومات الموضوعية (الصحيحة) بما يسهم في تأصيل التنمية البيئية المستدامة، وتنوير المستهدفين لتكوين رأي صائب في الموضوعات والمشكلات البيئية المثارة والمطروحة، في حال عدم تسيسها وتوجيهها لخدمة أغراض أخرى.
وكما أن الرسالة الإعلامية المبثوثة تساعد في بناء أو فهم الظروف المحيطة وتحدث تأثير في المستقبل ويتوقع استجابة معينه منه بعمل أو شعور بشعور معين، فإن الرسالة الإعلامية البيئية لها نفس الخصائص التأثيرية، وتكمن الخطورة فيها بمن يوجه الخطاب الإعلامي البيئي؟ حيث قد تأتي بمردود عكسي أو تنحرف الرسالة الإعلامية البيئية عن مسارها الأصلي والمراد بها في غياب الإعلامي المتخصص في المجال البيئي، أو قد يترك تأطير القضية البيئية ضمن سياسات دولية أو إقليمية في إطار العولمة حيث (تنطوي العولمة على حبس انتقائي للحرية على صعيد العالم في منظور اكتساب المعرفة، حيث لا تتاح المعرفة المفيدة بيسر لطالبيها مع تقوية البلدان المصنعة لأسوار حماية الملكية الفكرية ولإنتاجها المعرفي) كما جاء نصاً في تقرير التنمية الإنسانية العربية 2004؛ وهنا يبرز الدور الأساسي للإعلامي المتخصص وللأجهزة المسؤولة عن الشأن البيئي في إيضاح المصطلح والمعلومة البيئية وتوجيه الخطاب الإعلامي البيئي.
القطاع الخاص والإعلام البيئي:
اهتمام ومساهمة واستثمار القطاع الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني في أنشطة التوعية والإعلام البيئي بشكل خاص تحتاج إلى مزيد من التحفيز ومنح فرص اكبر، فبالرغم من وجود مشكلة توجيه الخطاب الإعلامي على مستوى الوطن العربي بغياب الصحفي البيئي المتخصص بشكل عام، إلا أن مشكلة ندرة الوسيلة الإعلامية غير الرسمية المتخصصة التي يمكن الاعتماد عليها في مجال البيئة في الوطن العربي هي مشكلة حقيقية، فلا يوجد تقريباً استثمار أهلي خاص في مجال التوعية البيئية عبر امتداد الساحة العربية سوى في قناة فضائية بيئية واحدة متخصصة في البيئة والأرصاد، ومجلة بيئية واحدة تهتم بشؤون البيئة والتنمية، مع وجود صفحات أسبوعية أو شهرية بيئية في بعض الصحف اليومية إلا أنها في حال وجود مناسبات أو دعايات يتم تقليص محتواها أو في بعض الأوقات تلغى بالكلية. ولا اقصد المساهمة والاستثمار في مجال الإعلام البيئي الحيوي والفيزيائي للبيئة فقط، بل كل الأنشطة التفاعلية والاقتصادية والسياسية لانعكاس ذلك على فهم وإدراك اللعبة البيئية الدولية ومساراتها، دعماً لمسيرة التنمية بالوطن العربي للارتباط الوثيق والمباشر للنشاطات التنموية للقطاعين الحكومي والخاص بالبيئة والتنمية المستدامة.
تبني القضية البيئية التنموية في المؤسسات الإعلامية والمؤسسات المعنية بالصحافة تأتي في العادة من قناعات صانعي ومتخذي القرار، المبنية أساساً على التوعية البيئية السليمة وبعد النظر والإدراك بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية والدينية؛ حيث تأتي قضية تبني المؤسسات الإعلامية للقضية البيئية ومتطلبات التنمية المستدامة كرسالة إعلامية واجبه تقتضيها المصلحة العامة، كأحد أهم ركائز الإعلام البيئي التنموي (إن صح التعبير)؛ ويأتي التخلي عنها لتحقيق مكاسب ومنافع وقتيه مادية من خلال عوائد الإعلان المباشر أو المقال المدفوع كأهم معوقات التوعية والإعلام البيئي السليم، خاصة في أهم وسائل الاتصال الجماهيري (الصحافة)؛ كأن يسعى بعض مريدي الربح السريع للترويج عن مشاريع غير محسوبة العواقب البيئية والالتفاف حول نتائج دراسات التقييم البيئي بالإعلان عن الجدوى الاقتصادية والعائد المادي المتوقع لمشاريعهم من خلال الإعلانات المغرية بمبالغ طائلة لدى وسائل الإعلام باشتراط أدبي (غير مكتوب عادة) أنه في حال أوضحت هذه الوسيلة الإعلامية أو سمحت لأي من أقلامها أو كميراتها إظهار أي نقد لتدمير الموارد والمكونات البيئية للبيئة المحيطة أو توضيح للأضرار المستقبلية لهذه المشاريع سواء الأضرار البيئية أو الاقتصادية على المجتمع، فإن تلك المؤسسات الإعلامية سوف تفقد حصتها في الإعلان.
التربية والتعليم والإعلام البيئي:
الإعلام البيئي هو أحد أهم أجنحة التوعية البيئية لا يجب أن ينفصل نشاطه الإعلامي البيئي في البرامج التي ينتجها ويستهدف بها النشء عن ما جاء في مناهج المراحل الدراسية للتعليم العام والتي تقدمها وزارات التربية والتعليم في مناهجها الدراسية الصفية أو النشاط أللاصفي للفئة المستهدفة؛ فبوجود هذا الترابط التربوي والإعلامي، يكون ترسيخ حقيقي للمفاهيم البيئية فيدرس الطالب المفهوم البيئي المعين ويراه في مجال التطبيق بوجوه مختلفة من خلال برامج وسائل الإعلام والمسلسلات والبرامج التفاعلية الموجهة لمرحلته العمرية كأفلام الكرتون وبرامج الأطفال وبرامج الأسرة وخلافه ...، حيث يستخدم خلال البرامج الإعلامية مخاطبة الجانب العقلي إضافة إلى الجانب الوجداني لدى الفئة المستهدفة من المتلقين وتسهم بذلك في تنمية الاتجاهات الإيجابية نحو المحافظة على البيئة وتغيير المفاهيم والسلوكيات السلبية إلى مفاهيم وسلوكيات ايجابية تجاه البيئة ومكوناتها.
نجاح العمل الإعلامي البيئي:
في اعتقادي أن من أهم سياسات إنجاح وإحداث نقلة نوعية في العمل الإعلامي البيئي والتي تسهم في الرقي بثقافة البيئة والحفاظ عليها في المجتمعات العربية، وإحداث انعكاسات ايجابية في واقع عمل التوعية والإعلام البيئي هو السعي في تبني وانتهاج السياسات التالية من قبل الجهات البيئية الرسمية والجهات الإعلامية:
-
الدعم والتشجيع الدائمين من قبل الإدارات البيئية للفنانين ولإعلاميين والصحفيين وتحفيزهم للإبداع في الطرح البيئي، وتوفير قواعد البيانات ومصادر للمعلومات البيئية وتعيين جهة مسئوله لديها ألقدره على إيصال المعلومة البيئية بشكل جيد مدعومة بالأرقام والبيانات.
-
توعية شاغلي المناصب العليا الإعلامية بأهمية الدور الذي يقومون به للحفاظ على البيئة والمساهمة في استمرارية التنمية المستدامة بالوطن.
-
التخطيط الإعلامي المسبق للأهداف المرجوة من الطرح الإعلامي البيئي لما يخدم المصالح العليا للوطن وبعيداً عن الإثارة غير المبررة.
-
تبادل الخبرات المكتسبة في مجال التوعية والإعلام البيئي بين الجهات المسؤولة عن التوعية والإعلام البيئي في القطاعين الحكومي والخاص لصقل وتنمية مهارات القائمين على الإعلام البيئي.
-
منح المجتمع وعلى جميع مستوياته الفرص في تحمل مسئوليته بالمشاركة في طرح رأيه البيئي عبر القنوات الإعلامية لتكون وسيلة إبداعية تفاعلية لنشر الوعي والثقافة البيئية.
الخلاصة:
الحاجة في ازدياد للتوعية البيئية في المجتمعات المعاصرة، والإعلام البيئي وهو أحد أهم أجنحة التوعية البيئية لم يزل في تطور مستمر حتى أصبح أحد أدوات نشر وتعميم التنمية المستدامة المبنية على التناغم والترابط بين البيئة وسلامتها والتنمية الاجتماعية والصحة، التي لا غنى عنها في كافة المشاريع والبرامج التنموية. إلا أن الرسالة الإعلامية البيئية سيف ذو حدين قد تأتي بمردود عكسي أو تنحرف عن مسارها في حال غياب الإعلامي المتخصص في مجال البيئة وغياب التوجه العام للمصالح العليا في قضايا البيئة والتنمية المستدامة المعاصرة على المستوى العالمي، مما يجعل التخبط نصيب العديد من المحاولات الإعلامية للرقي بالوعي البيئي بتلك القضايا.
يجب الاهتمام بتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع وبرامج وأعمال الإعلام البيئي، وإدراج مواضيع وقضايا البيئية ضمن الأعمال والبرامج الإعلامية، وتشجيع المستثمرين على تضمين الأعمال والبرامج الإعلامية الموجهة للنشء على وجه الخصوص المواضيع البيئية المدرجة في مناهج التعليم العام للفئات العمرية المستهدفة بتلك البرامج.
منح المجتمع المدني ومؤسساته الفرصة للمشاركة في مسئولياتهم تجاه الحفاظ على البيئة ونشر الوعي البيئي، مطلب أساس في العمل الاجتماعي لحماية وصون البيئة. كل ذلك يسهم بشكل كبير في رقي وعي المجتمع بأهمية سلامة بيئته والحفاظ عليها من الاستنزاف الغير مرشد وكل ما يتسبب في تلوثها أو يخل بمقوماتها الأساسية.
التوصيات:
-
أهمية ربط المفاهيم البيئية التي تطرح في إطار الإعلام البيئي الموجه أساساً للنشء كأفلام الكرتون وبرامج الأطفال وبرامج الأسرة والأفلام السينمائية، بما هو موجود في المنهج العام للتعليم من مواد ومفاهيم بيئية للفئات المستهدفة، بهدف ترسيخ وتعميق تلك المفاهيم لدى النشء.
-
الطلب من مجلس الوزراء العرب المسئولين عن شئون البيئة ومكتبه التنفيذي بإصدار نشرات تصور وتعكس وجهة نظر المجلس تجاه القضايا البيئية العالمية التي تهم الوطن العربي، وتفسير المفاهيم والمصطلحات البيئية المستجدة على الساحة العالمية كمصطلح (carbon account) ونشرها ليسهل على المهتمين الوصول إليها وتفهم المقصود منها.
المراجع:
-
مستندات من إدارة الإعلام والتوعية البيئية (2001) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.
-
مستندات من إدارة الإعلام والتوعية البيئية (2002) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة
-
مستندات من إدارة الإعلام والتوعية البيئية (2003) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة
-
مستندات من إدارة الإعلام والتوعية البيئية (2005) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة
-
مستندات من إدارة الإعلام والتوعية البيئية (2006) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة
-
الشلهوب، نايف بن صالح(2000) الإعلام والتوعية بالقضايا البيئية بالمملكة العربية السعودية.
-
الشريف، محمد(2004) دور الإعلام والصحافة في نشر الثقافة البيئية الأردن.
التاريخ: فبراير 2007
ساحة النقاش