92٪ من الجرائم الأسرية جرائم شرف و70٪ منها بسبب شائعات تحقيق ـ نادية صبحي: كل شيء انقلب وانحرف عن مساره داخل البيت المصري حالياً.. الدماء تلطخ جدران البيوت، أزواج ينحرون زوجاتهم ويلقون بهن من شرفات المنازل أو يطلقون عليهن الرصاص، والزوجات يتحالفن مع العشاق لذبح آباء أبنائهن، وأبناء يطعنون آباءهم وهم يصلون في المساجد، أمهات تلقي بفلذات أكبادهن في أكوام القمامة بدلاً من احتضانهن.. وأشقاء يعقدن صفقات »شيطانية« لقتل بعضهم البعض لخلاف علي ميراث أو دورة مياه ري! ما الذي حدث.. البيت المصري ملاذ الروح وأمان الجسد تحول الي »مذبحة« ما الذي تبقي للمجتمع اذا كانت نواته تحمل كل هذا الكره لأبنائها؟ كيف سينمو المجتمع وأبناء الرحم الواحد يقطعونه تقطيعاً! لتجد في مسرح الجريمة رصاصة خرجت ببقايا رأس تفجر لزوج أو زوجة.. أو سكين خرجت تواً من صدر أم عجوز حملت وأرضعت وربت أو بقايا حبل التف بيد أم أخري علي رأس وليد »سفاح« لم يكمل صرخته الأولي في الدنيا؟! واقعة قتل المذيع إيهاب صلاح لزوجته لم تكن مثيرة فقط بشهرة »القاتل« ولم يندهش الناس فقط لأن ايهاب صلاح كان يتمتع بوجه شديد البراءة والوقار وهدوء الأعصاب علي الشاشة، ولكن التفاصيل التي كشفت عنها التحقيقات كانت هي »المثير« الحقيقي في القصة التي شغلت الرأي العام في الأيام الأخيرة، فقد اتضح ان زوجته كانت تعايره بالانفاق علي المنزل ودخلت »المخدرات« في القضية، وفوجئ الناس أن المذيع يتعاطي الحشيش والبانجو، وكشفت تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وقوع الجريمة عن حدوث اشتباك بالأيدي والألفاظ النابية بين الزوجين لدرجة قيام الزوجة بصفع زوجها علي وجهه، مما دفعه لفقد أعصابه وقتلها برصاصة أطلقها علي رأسها. خلافات مالية هذه الحادثة مع اختلاف التفاصيل تشبه حادثة القتل التي وقعت منذ شهور بمنطقة أوسيم، حيث قتل عامل زوجته »18 سنة« أثناء محادثتها في الهاتف المحمول مع شخص آخر، وكشف الشهود عن خلافات مالية سابقة علي الواقعة بين الزوجين كانت مصحوبة دائماً بالتعدي وضرب الزوجة ومن أكثر الجرائم المثيرة للأسف تلك التي تحدث بين الأشقاء، مثلما حدث بإحدي قري محافظة البحيرة عندما اختلف شقيقان علي الميراث بعد ان اكتشف الشقيق الأكبر استيلاء الأصغر علي ورشة خشب كان يمتلكها الأب وانتهي النقاش بينهما بطعنه في صدر الشقيق الأصغر أردته قتيلاً. والقانون لا يفرق بين الجريمة العائلية وغيرها والمواد القانونية التي تطبق علي الجرائم التي قد تحدث بين الأقارب أو داخل الأسرة هي نفسها التي تطبق في سائر الجرائم، وزادت دهشتي عندما اطلعت علي دراسة حديثة بالمركز القومي للبحوث اكدت انتشار الجريمة الأسرية في مصر، واشارت الدراسة الي أن »92٪« من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما يسمي بجرائم الشرف، وكشفت الدراسة أن »70٪« من هذه الجرائم ارتكبها أزواج ضد زوجاتهم و»20٪« ارتكبها أشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء »7٪« من الجرائم ضد بناتهم و»3٪« ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم. شائعات فقط وأشارت الدراسة ايضاً الي أن »70٪« من هذه الجرائم اعتمدت علي الشائعات المتداولة في منطقة الجريمة فيما كشفت التحريات أن »60٪« من هذه الجرائم اثبتت سوء ظن الجاني بالضحية وانها ليست فوق مستوي الشبهات، وجاء بالدراسة أيضاً أن »52٪« من هذه الجرائم كانت الأداة فيها هي السكين أو المطواه أو الساطور وأن »11٪« كانت إلقاء من مرتفعات و»8٪« قتل بالسم و»5٪« تعذيب حتي الموت و»5٪« قتل عن طريق إطلاق الرصاص. جرائم عائلية صيفية وفي دراسة أخري للمركز القومي للبحوث تأكد ان معدلات الجريمة الأسرية تزيد في فصل الصيف »6٪« وذلك بفعل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة أن الجهاز العصبي يكون أكثر استثارة لدفع الزوجة لممارسة العنف، حيث وصلت حالات العنف وقت إجراء الدراسة الي »203« جرائم أسرية موزعة علي القتل أو الشروع فيه بنسبة »72٪« أو الضرب المفضي الي الموت بنسبة »13٪«. ضد الأطفال وقد سجلت تقارير مركز الأرض مقتل »27« طفلاً في جريمة عنف وقعت داخل الأسرة من جملة »40« حادثة كان العنف موجهاً من افراد الأسرة أب وأم أو إخوة زوجة أب أو زوج أم، وللأسف ترتكب الجرائم لأسباب تافهة تثير الشفقة، إما لتبول الطفل لا إرادياً أو لبكائه المستمر فضلاً عن السبب الأشهر.. الخلافات الأسرية، والانتقام من التأديب، أو التخلص من الطفل نتيجة علاقة آثمة أو خوفاً من الفضيحة أو الفقر أو لصعوبة الانفاق عليه أو للإصابة بمرض نفسي للأب أو الأم أو لتكرار الغياب عن المنزل، وكانت وسائل القتل الخنق، أو الذبح أو ضرب حتي الموت ومن جملة »246« طفلاً تعرضوا للعنف اكثر من نصفهم قتلوا كان نصيب الأسرة »40« حالة مات منهم علي يد ذويهم »27« طفلاً، يأتي ذلك في ظل قانون حماية الطفل الذي صدرت عليه تعديلات من شأنها تغليظ العقوبات اذا كان مرتكب الجريمة من المنوطين بحماية الطفل. وللأسف فإن الأمهات أصبحن يلقين بأطفالهن في أكوام القمامة كما حدث في بورسعيد ومغاغة عندما قامت أم بخنق طفلتها لأن زوجها تزوج بأخري، كما ألقي جواهرجي بطفلتيه من البلكونة بقرية أم خنان بالحوامدية انتقاماً من الأمة، وانتهت أم بالمنصورة والد ابنها الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات بخنق الطفل حتي مات لأنه كان ينطق اسمه باسم جده لأمه!. واكتمالاً للمنظومة المفزعة للعنف داخل الأسرة لقيت »301« امرأة حتفها علي يد زوجها في عام 2009، وتظل أكثر الجرائم إثارة للمشاعر وللذعر في المجتمع تلك التي يرتكبها الآباء ضد أبنائهم والأبناء ضد آبائهم. ذبح الأب وبحجة رفض زواجه ممن يحبها أقبل الابن علي ذبح أبيه في مشهد شديد السواد اثناء تأدية الأب للصلاة، وطعن الابن العاق أباه ثلاث طعنات نافذة بالرقبة ووقف في ساحة المسجد صارخاً »قتلته.. قتلته« كان ذلك الأسبوع الماضي بالواسطي ببني سويف. قبلها بأيام اهتزت مدينة الاسكندرية اثر وقوع جريمة قتل بشعة اذا قدم أب تجرد من مشاعر الإنسانية، وقام بضرب ابنته ذات الأربع سنوات بفأس فأرداها قتيلة بعد ان اصطحبها هي واختها الي حجرة مهجورة بإحدي قري الاسكندرية وأوهمهما انهما سيقومون باللعب سوياً ثم فوجئت الشقيقة الكبري »6 سنوات« بابيها يقتل اختها الصغري أمام عينيه، المدهش ان التحريات اكدت ان الأب كان حنوناً علي بناته ولكنه تغير فجأة وظهرت عليه اعراض اكتئاب »ادعي« انها السبب فيما أقدم عليه. وفي الإسكندرية ايضاً منذ ايام قليلة قرر المحامي العام إحالة مهندس الي محكمة الاسكندرية بتهمة قتل زوجته داخل أحد الفنادق بكورنيش الاسكندرية، كان الزوج دائم التعدي علي زوجته بالضرب وانتهت الخلافات بينهما بقتل الزوجة والفرار الي أمريكا. وللأسف تتكرر حوادث القتل في الأسرة لأسباب عندما تكشفها التحريات نتأكد انها اقل من تافهة ولا تساوي حياة انسان مثلما حدث في سنورس بالفيوم عندما انهال شقيقان علي خالهما بالفأس فأردياه قتيلاً، والسبب الخلاف علي أولوية استخدام مياه الري!! التربية أولاً سألت الدكتور محمد البري رئيس جبهة علماء الأزهر سابقاً عن أسباب تفشي حوادث القتل في محيط الأسرة وعاقبة ذلك في الدنيا والآخرة قال: أي مبني لا يعلو ولا يرتفع الا علي قدر الأساس، فالأساس هو الذي يحدد وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم »علموا أولادكم وهم أبناء سبع«... فالتربية لا تبدأ مع البلوغ وانما من قبل ذلك بكثير والمقصود بالتربية »التأسيس« علي نور وعلم وبصيرة.. لابد ان نعلم الأبناء الصدق والأمانة ونربيهم تربية دينية والوقاية خير من العلاج، ويشير الدكتور »البري« الي أن علماء الدين عليهم دور كبير وتستوجب مضاعفة الجهة، لمواجهة مايحدث بالمجتمع، ويقول الله تعالي »ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين واجعلنا للمتقين إماما بمعني ايجاد القدوة الحسنة« للأسف المجتمع الآن يفتقد القدوة، سألت الشيخ البري عن عاقبة قتل الابناء فرد علي بقوله تعالي»ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ان قتلهم كان خطئاً كبيراً« وقال تعالي: »فهل عسيتم إن توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم« لذلك فالجريمة أشد والعقاب اكبر عندما ترتكب الجريمة في حق من لنا بهم صلة رحم والعذاب يكون شقاء في الدنيا وعذاب في الآخرة. ظاهرة مخيفة! الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي تؤكد ان نسبة الجرائم العائلية زادت بشكل مخيف وقالت: أتصور أنها نوع من الانتحار الموجه ضد الآخرين وتدعو الي اعداد دراسات متعمقة للعلاقات بين الآباء وأبنائهم والزوجات وأزواجهم. مشيرة الي أن الجرائم داخل الأسرة تعكس شعوراً بالعجز الشديد عن إقامة علاقات سوية فنحن نعيش حالات الحب ـ الكرة، ليس حباً خالصاً بين أفراد العائلة ونحن تربينا علي نسق معين من القيم الاجتماعية وداخل أكبر درجات الحب هناك نوع من الكره يتمثل في الضغط الذي يمثله من نحبهم علينا فالحب بين افراد العائلة أصابه ما يحدث في العالم الخارجي من فردية ومادية عالية، ولم يعد مصدراً للمساندة، أصبحت معايير الحب مادياً والتعبير عن الحب مادي فأصبح كائناً غريباً في عالمنا. سألت الدكتورة هدي زكريا عما اذا كان الحب القطري بين الآباء والأبناء يحمي من الكره الجريمة فقالت: القدرة علي الحب لابد ان تنمو في ظروف جيدة لايكفي ان تلد الأم طفلها لتحبه لابد ان تكون هناك بيئة جيدة لنمو هذه العلاقة بشكل إيجابي، وتشير الدكتورة هدي الي تفشي الاحساس بالظلم الذي يبدأ من العائلة وليس من المجتمع فنحن نظن ان العائلة هي الحضن لكنها قد تكون هي العذاب والألم والأشواك، فالعلاقة ليست بيولوجية لكنها اجتماعية ونحن ابناء البيئة المحيطة، والقتل والعنف يشيع لأن الظروف سيئة. والمجتمع يتعامل مع الأسرة كما لو كانت شخصاً لقيطاً لايوجد اهتمام بالاسرة لا من المؤسسة التعليمية أو الصحية، او غيرها من المؤسسات التي عليها ان تساند الأسرة تحصل منها علي ثمن خدماتها وكثيراً ما تمارس الضغوط عليها ولا تحتويها. وتشير الدكتورة هدي زكريا الي أن كلاً من وسائل الاعلام ورجال الدين لا يقومان بالبعد المفروض في حماية الاسرة بل احياناً يكونان ضد الأسرة. انفلات الدكتور سامي المحمدي ـ أستاذ الصحة النفسية اشار الي حدوث الكثير من التغيرات النفسية والعصبية التي حدثت بفعل الضغوط الاقتصادية وعجز الناس عن تلبية احتياجاتهم وتراكم الاحباطات وتنامي الشعور بالعجز والحرمان مما يؤدي الي انفلات كل القيم والمعايير ودهسها في لحظات قد تدفع الشخص لكي يمسك بسكين ويطعن أقرب الناس اليه بل اصبح من المألوف الآن ان تجد جميع من حول القاتل يؤكد حسن سيره وسلوكه وهدوء اعصابه وتمتعه بسمعة طيبة انما دائماً تجد خلافاً مع من قتله او ان الشخص يخطئ ولا يمتلك الشجاعة لمواجهة اخطائه فنجد أماً تقتل ابنها خوفاً من الفضيحة ولا تحاول اعلاء مشاعر الأمومة علي ما ستواجهه من غضب من المجتمع، ونواجه الآن انشطار المعايير بين أبناء البيت الواحد ونادراً ما تقع الجرائم علي خلفية اسباب جينية أو وراثية تتعلق بالجهاز العصبي، ويشير الدكتور المحمدي الي أن اهتزاز نسق القيم الآن يؤدي الي الشذوذ الأخلاقي والجنوح لارتكاب الجريمة ولا يفرق بين أبناء الأسرة أو زملاء العمل أو السائرين حتي في الشارع. |
نشرت فى 1 أغسطس 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,824,365
ساحة النقاش