بقلم: د. فؤاد جمال عبد القادر
العنف من الظواهر التي انتشرت أخيرا بشكل كبير في المجتمع المصري, لذلك تبذل جميع الجهات المختصة جهودا حثيثة للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها.
وهو سلوك يصدره فرد, أو جماعة, بصورة متعمدة, صوب آخر أو آخرين, أو صوب ذاته بشكل مباشر, أو غير مباشر, مدفوعا بمواقف الغضب أو الإحباط, أو الدفاع عن الذات أو القيم الخاصة أو العامة أو الممتلكات, أو الرغبة في الانتقام, او الحصول علي مكاسب معينة, ترتب عليه إلحاق أذي بدني, أو مادي, أو نفسي بالطرف الآخر, ويرجع انتشار ظاهرة العنف في الآونة الاخيرة في المجتمع المصري الي العديد من الاسباب منها:
اسباب اجتماعية ونفسية مثل حالات الإحباط التي قد تصيب الأفراد في المجتمع والتي تعتبر أهم عامل منفرد يؤدي الي العنف.. والتلوث السمعي والبصري واحيانا الأخلاقي, والذي اتخذ أشكالا متعددة في المجتمع المصري خاصة في الآونة الأخيرة منها الضوضاء والصخب والأخلاقيات المتدنية في الشوارع المصرية.. فضلا عن أن ضعف الوعي وتدني المستوي الثقافي لهما تأثير كبير علي مدي انتشار ظاهرة العنف في المجتمع.
وهناك أسباب سياسية تتمثل في الإرهاب الذي يتسبب فيه الفكر الديني المتطرف الذي يكفر الآخر ويلغيه ويستبعده, والذي تسبب فيه التصادم الحضاري بين الشرق والغرب, وتراجع الدور السياسي للعديد من الاحزاب, مما يعطي إحساسا للمواطنين بعدم وجود قنوات تعبير مؤثرة, وبانسداد مسارات الحوار.
وهناك أسباب اقتصادية أبرزها الفقر والبطالة وفقدان فرص العمل وزيادة الاسعار, والظروف الاقتصادية السيئة قد تدفع الي القيام بأعمال عنف منها البلطجة مقابل الحصول علي الأموال, والاقتصاد بتقلباته له تأثير علي المجتمعات الفقيرة, وهو من الأسباب الخطيرة المحركة لأعمال العنف ومنها الارهاب.
ولا شك أن سبل مواجهة العنف تتطلب تطويق الغضب, فمن الاساليب المتبعة بهدف تطويق غضب المعتدي السعي الي حل الخلاف عقلانيا من خلال الحوار, وبالتالي تستطيع الاطراف المتصارعة أن تصل إلي حل سلمي للموضوع, وذلك لأن طرح الخلاف علي مائدة الحوار العقلاني قد يخفض من توترات المعتدي الذي لديه ميول تجاه استخدام العنف وان الحرص علي تلافيه من قبل الضحية يكبح جماح المعتدي.
هناك المقاومة النشطة: وهو دور الشخص الذي يتعرض لاعتداء في التعامل مع الموقف إيجابيا, وهذا يتمثل في رفض الاعتداء وإظهار الشخص بأن ثمة ردود أفعال رافضة لسلوكه العدواني, وأنها قد تقوي وتمتد حتي تصير حاجزا دون استمراره في اعتدائه وهناك عدة أساليب يمكن اللجوء إليها كمحاولة لوقف الشخص المعتدي, منها إعلان الاحتجاج علي المعتدي من خلال رفض الإكراه وطلب النجدة, لأن المقاومة الصلبة للمعتدي ستولد لديه شعورا بخطأ ما يفعل, وعلي الضحية ايضا بذل جهود مكثفة قدر استطاعته لمحاولة كسب تأييد الآخرين الموجودين في موقف واقعة العنف.
التدخل الرسمي لمواجهة العنف: يتمثل الاجراء الأول في سرعة الوجود الأمني في موقع الحدث, وبطبيعة الحال فإن إتاحة رجال الأمن انتشارهم الدوري في الأماكن العامة يجعل من اليسير عليهم تلبية استغاثة طالب النجدة والتحرك السريع لمواجهة واقعة العنف, ويجب ان تقوم السلطات الرسمية بتدريب رجال السلطة علي سبل التعامل مع أحداث العنف وذلك لأن الإدارة الحكيمة لقوات الشرطة في مواقف العنف كفيلة بتطويقه وتحجيم آثاره, وكفيلة بطمأنة المواطن العادي علي نفسه إذا تعرض لحادث مشابه مستقبلا, كذلك ينبغي علي السلطات القضائية العمل علي سرعة إجراءات التقاضي, لأن الأصل في العقوبة أنها تمارس دورا رادعا وقائيا للعنف.
أما التدخل غير الرسمي: فيأتي من خلال إنشاء المزيد من جمعيات مساندة ضحايا العنف, والتعريف بدورها, وكيفية الاتصال بها, وحث الأفراد العاديين علي الانضمام إليها, والمشاركة في اعمالها التطوعية.
من المهم تقليص مصادر التوتر: مثل التوزيع العادل للخدمات الحياتية عبر المحافظات والاحياء داخلها وتوسيع دائرة المشاركة السياسية عن طريق وضع الجهات الرسمية آراء ومقترحات المواطنين في اعتبارها, وهي تخطط وتنفذ سياساتها العامة, كل ذلك كفيل بتنمية شعور لدي المواطن مفاده أن مشاركته السياسية مهمة وموثرة, ومقاومة أوجه القصور والفساد الإداري بأشكالها المختلفة عن طريق توسيع قنوات الاتصال الجماهيري مع السلطات والعناية بالعشوائيات وإعادة تخطيطها.
توجيه التوتر في قنوات بديلة من خلال الحث علي ممارسة السلوكيات الاجتماعية البناءة, الانخراط في انشطة اجتماعية تطوعية, تنمية الوعي الديني والالتزام بالقيم الاخلاقية.
تغيير المعتقدات حول العنف, أي تغيير الاتجاه نحو العنف كوسيلة فعالة لحل الخلافات تغيير الاعتقاد بمشروعية ومقبولية العنف اجتماعيا, التأكيد علي قدرة الشخص علي التحكم في سلوكه العنيف.
وأخيرا مبدأ المساندة الاجتماعية: عبر تيسير إنشاء الجمعيات التطوعية الناشطة في هذا, مجال مكافحة العنف, وتعريف الضحايا بكيفية الاتصال بها, الاكتشاف والمواجهة المبكرة لمسببات العنف, الوقوف علي تجارب الأفراد والأمم الأخري للتغلب علي العنف.
ساحة النقاش