الذكري الثلاثون لقانون تهويد القدس
بقلم: د. أحمد يوسف القرعى
منذ ثلاثين عاما( وبالتحديد في30 يوليو1980) أقر الكنيست الإسرائيلي قانون القدس بزعم ان المدينة المقدسة الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل ومقر لرئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا.
وكان هذا يعني في إطار المخطط الإسرائيلي دخول المدينة المقدسة مرحلة التهويد الشامل بعد اجتياز خمس مراحل سابقة ابتداء من مشروع تدويل القدس عام1947 إلي تقسيم الأمر الواقع عام1948, إلي اتخاذ القدس الغربية عاصمة لإسرائيل عام1949, إلي احتلال القدس الشرقية عام1967, إلي مرحلة الضم خطوة خطوة فيما بين1968 و1980.
وجاءت المرحلة السادسة وهي مرحلة التهويد الشامل للقدس الكبري بصدور قانون الكنيست بشأن القدس في30 يوليو1980 ووفق هذا القانون عملت إسرائيل علي ضم30% من مساحة الضفة الغربية إلي القدس لكي تتسع المدينة لمليون يهودي خلال15 عاما وتطويقها بمدن يهودية أخري صغيرة.
ومن الأهمية ألا تمضي الذكري الثلاثون لصدور قانون تهويد القدس دون التركيز بتلك المراحل الست وملابسات الفصل الأخير في تهويد المدينة المقدسة التي يعيش الجيل العربي المعاصر أحداثها الخطيرة حاليا.
ويكفي الإشارة هنا إلي آخر قرارات إسرائيل الصادر في منتصف يوليو الحالي ببناء32 وحدة استيطانية جديدة في القري الشرقية وصدر القرار من اللجنة المسماة باللجنة المحلية للبناء والتخطيط بمدينة القدس التي أعلنت أيضا انها تبحث خطة إضافية لبناء50 وحدة استيطانية في ذات المستوطنة وأعلن عضو اللجنة( عن حزب الليكود) وبلا حياء ان إسرائيل ستواصل التخطيط والبناء في كل أحياء القدس, مؤكدا ان إسرائيل لن تسمح بتدخل جبهات خارجية( ولعله يقصد هنا استياء الإدارة الأمريكية من هذا القرار).
***
ومتابعة لمراحل سقوط القدس مع التركيز علي مرحلة تهويدها الشامل عبر المراحل الست المشار إليها يمكن الإشارة باختصار إلي ما يلي:
المرحلة الأولي هي مرحلة صدور مشروع تدويل القدس وفق قرار الجمعية العامة للامم المتحدة( رقم181) عام1947 والمعروف بقرار تقسيم فلسطين إلي دولتين عربية ويهودية وتم تخصيص الجزء الثالث من القرار لمدينة القدس ونص علي جعل كيان منفصل للمدينة خاضعا لنظام دولي خاص علي أن تتولي الأمم المتحدة إدارته وتعيين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الأوروبية نيابة عن الأمم المتحدة.
وإذا كان القرار قد أعطي للدولة اليهودية نحو53% من إجمالي مساحة فلسطين الكلية لكن القدس لم تكن من نصيب الدولة اليهودية, ولم يتم توفير شريط أرضي يصل بين إسرائيل والقدس وكان الوضع داخل المدينة من الناحية السكانية والجغرافية آنذاك في مصلحة العرب بنسبة70%.
والمرحلة الثانية هي مرحلة تقسيم الأمر الواقع عام1948, حيث استغلت إسرائيل فترة الهدنة الأولي في حرب1948 للتوسع نحو القدس حتي اقرت الهدنة خطوط الأمر الواقع لتقسيم القدس إلي مدينتين شرقية وغربية, والمرحلة الثالثة هي مرحلة تهويد القدس الغربية منذ انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية الأولي عام1949 وحتي عدوان1967 حيث أعلنت إسرائيل رسميا في11 ديسمبر1949 نقل عاصمتها إلي القدس الغربية ورفضت قبول تدويل القدس.
والمرحلة الرابعة بدأت باحتلال اسرائيل للقدس الشرقية في7 يونيو1967 وسارعت بضم الأحياء العربية في القدس الشرقية قسرا وتوحيد المدينة وفي رده علي رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أعلن وزير خارجية إسرائيل( آبا إيبان) ان صفة القدس كعاصمة لإسرائيل غير قابل للنقاش.
والمرحلة الخامسة هي مرحلة الضم خطوة خطوة فيما بين1968 و1980 وكان من أبرز هذه الخطوات مصادرة الأحياء العربية والاستيلاء علي الأراضي المحيطة بالمسجد الأقصي ثم محاولة إحراق المسجد الأقصي في أغسطس1969 ثم إقامة المستوطنات واقرار مشروع القدس الكبري في منتصف السبعينيات.
والمرحلة السادسة هي مرحلة التهويد الشامل للقدس حيث أقر الكنيست في30 يوليو1980 ـ كما سبقت الإشارة ــ قانون القدس عاصمة لإسرائيل.
***
ويبدو واضحا ان ممارسات إسرائيل العدوانية في القدس منذ30 يوليو1980 وحتي الآن محسوبة علي هذا القانون ويمكن الإشارة هنا إلي آخر مشروعات الاستيطان والتهويد حيث بدأت سلطات الاحتلال منذ أبريل الماضي تنفيذ مشروع لتغيير ملامح أحياء مدينة القدس بما في ذلك إطلاق أسماء عبرية علي شوارعها وأحيائها كما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق قرار التهجير بإبعاد2000 فلسطيني من الضفة الغربية إلي قطاع غزة, ومن ناحية أخري تخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإقامة مترو أنفاق يربط بين شطري مدينة القدس والنفق الرئيسي المخطط له حفره بطول عدة كيلو مترات يبدأ من شارع يافا غرب القدس وصولا الي مفترق مقبرة مأمن الله الإسلامية( التي تعرضت لانتهاكات غير إنسانية في الفترة الأخيرة) صعودا إلي منطقة باب الخليل احدي بوابات القدس الغربية ويلتف حول الجدار الغربي والجنوبي لسور القدس ثم يتجه شرقا لي ساحة البراق قرب الحائط الغربي من المسجد الأقصي.
ولا يخفي علي القارئ خطورة الحفريات التي تجري للنفق الرئيسي علي سلامة مباني المسجد الأقصي وأسواره والمناطق الأثرية العربية والإسلامية, ومن الأهمية تشكيل لجنة دولية تابعة لليونسكو لمتابعة مثل تلك الحفريات وتحميل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تبعيات المساس بسلامة تلك الأماكن المقدسة التي تستهدف الهدم المنظم للآثار العربية والإسلامية وبناء كنس يهودية ومستوطنات علي أنقاضها.
ساحة النقاش