نقود تنتقم!

علي أحمد باكثير

( في منزل سكرتير هيئة الأمم المتحدة بليك ساكسس).

السكرتير: نقود تتكلم! هذه أوهام يا عزيزتي 00إن لم تطرديها من رأسك00 فقد تفضي بك إلى ما لا تحمد عقباه.

الزوجة: تعني الجنون.. تظنني ممسوسة العقل.. فأرجعني إذن إلى أهلي بالنرويج 00فإني لا أطيق البقاء هنا معك!

بليك: هل تطوع لك نفسك يا ماري أن تتركيني هنا وحدي؟

ماريا: ماذا أصنع إذا كنت تكذبني 00وتتهمني بالخبل والجنون؟

بليك: نقود تتكلم 00وهي محبوسة في خزانة حديد! هذا غير معقول يا ماري.

ماريا: أحلف لك بالسيد المسيح 00وبالعذراء00 لقد سمعتها بأذنيَّ هاتين.

بليك: تتوعد بالانتقام مني؟

ماريا: نعم.

بليك: هبي أن ما سمعته كان صحيحاً00 فما ذنبي عندها حتى تنتقم مني؟

ماريا: قلت لك: إنها نقود عربية00 وهي تنوي الانتقام منك لممالأتك للصهيونيين.

بليك: وكيف عرفت أنها نقود عربية؟

ماريا: سمعتها00 وهي تتحاور فيما بينها00 يدعو بعضها بعضاً: ياعراقي، يا مصري، يا سوري، يا سعودي، يا لبناني.. أليست هذه أسماء عربية؟

بليك: (يضحك) لكي أبرهن لك أن ما سمعته كان وهماً كله.. يكفي أن أذكّرك بأن الخزانة لا تحوي إلا دولارات أمريكية!

ماريا: يكفى أنها وردت إليك من أيدي العرب.

بليك: العرب في الهيئة ست دول فقط من سبع وخمسين دولة، فليس من الجائز أن تكون النقود التي عندي كلها من الدول العربية 00فأين نقود الدول الأخرى؟ لماذا لا تتكلم؟

ماريا: لا أدري. لعلها نائمة أو لعلها عجم لا تنطق... فما سمعت إلا النقود العربية.

بليك: هذه آية من الغرابة.

ماريا: ما وجه الغرابة في ذلك؟ إنها تستنكف أن تكون في يدك، وأنت تتحيز ضد أربابها مع الصهيونيين، وكان على سكرتير هيئة الأمم أن يلتزم العدل والحياد.

بليك: أراك تتكلمين بلسانها كما لو كنتِ وكيلة لها أو محاسبة!

ماريا: لقد سمعتها تقول ذلك ولم أزد شيئاً من عندي.

بليك: كيف يمكنها أن تنتقم مني00 وهي محبوسة في الخزانة؟

ماريا: لا أدري، ولكني سمعتها تتحدث عن جهازك الهضمي00 وأنها ستصيبه بخلل00 وتسبب لك إمساكاً شديداً00 ورياحاً تزعجك00 ولا تخرج من بطنك.

بليك: وتصدقين أنها تقدر على ذلك؟

ماريا: لم لا؟ إن نقوداً تستطيع أن تتكلم على هذا النحو العجيب00 لتستطيع أن تنتقم بطريقة من الطرق نجهل كنهها.

بليك: قلت لي يوماً إنك سمعتها تذكر هيئة الأمم المتحدة بسوء.. أتذكرين ما قالته؟

ماريا: نعم أذكر كل شيء قالته00 كأنه محفور في قلبي.

بليك: فأعيدي ذلك علي.

ماريا: سمعتها تنعت الهيئة 00بأنها خدعة صهيونية 00عملت على إنشائها اليهودية العالمية00 تحت ستار السلام العالمي00 لتستغل جهود الدول00وأموالها في خدمة مآربها الجهنمية، وأنها لا تختلف في ذلك عن هيئة (الأونروا) التي أنشئت باسم إغاثة منكوبي الحرب من جميع الأمم00 وجمعت الأموال من جميع الدول لهذا الغرض، ثم اتضح بعد ذلك أنها لم تصرف إلا لليهود بقصد ترحيلهم إلى فلسطين، وتبين أن بعض هؤلاء كانوا أغنياء00 وليسوا بحاجة إلى المساعدة البتة.

بليك: عجباً ما أقوى ذاكرتك! هذا عين ما رويته لي من قبل. إلا أنك نسيت شيئاً فيما أظن لم تذكريه.

ماريا: كلا ما نسيت شيئاً... لقد سمعتها تتعجب من انخداع العرب بهذه الهيئة، وتود لو أنهم ينسحبون منها00 وينفقون بدل اشتراكهم فيها في تحسين أحوال بلادهم00 ورفع مستوى معيشة الطبقات المحرومة فيها00 وليكتفوا بجامعتهم العربية00 أو فليدعوا إن شاءوا إلى تكوين هيئة أمم شرقية 00لا يستحوذ عليها نفوذ اليهود كما يستحوذ على الدول الغربية.. أليس هذا الذي ظننتني قد نسيته؟

بليك: بلى يا ماري.. الحق أنني في حيرة من أمرك.

ماريا: أما أنا فخائفة عليك.

بليك: من انتقام هذه النقود؟

ماريا: بالطبع.

بليك: (يتضاحك) ما أطيب قلبك يا عزيزتي. اطمئني فلن يصيبني أي مكروه. إنني قوي الأعصاب00 ولا تؤثر فيّ مثل هذه الأوهام.

-2-

(في مستشفى الأمراض العقلية 00السكرتير يزور المستشفى فيقابل كبير أطبائه على انفراد )

الطبيب: خذ زوجتك يا سيدي فليس بها شيء.

السكرتير: كلا يا دكتور. لا أقدر أن آخذها من المستشفى وهي بهذه الحالة.

الطبيب: عجباً لك أتريد أن تبقيها هنا بغير سبب!

السكرتير: هل روت لكم قصة الأصوات التي سمعتها من الخزانة الحديد؟

الطبيب: نعم روت لنا كل شيء.

السكرتير: وتكون بعد هذا كله سليمة العقل؟

الطبيب: نعم.. ماريا سليمة العقل قطعاً.

السكرتير: كلا يا دكتور.. لا تقل هذا.

الطبيب: عجباً.. أتريد أن تثبت عليها الجنون بالقوة؟ ألا يسرك أن تكون نتيجة الفحص سلبية؟

السكرتير: بلى يا دكتور، ولكني أخشى إن صدق زعمها00 أن أصاب أنا بالمرض.

الطبيب: حينئذ نفحصك أنت00 ونعنى بعلاجك.

السكرتير: كلا.. لن أصاب في عقلي00 بل في جهازي الهضمي.

الطبيب: حينئذ تعرض نفسك على طبيب باطني ليعالجك. وبعد.. فعلام التفكير في مرض متخيل00 لم تصب به بعد، ولعله لا يصيبك البتة؟

السكرتير: ما دمتم قد قررتم00 أن زوجتي سليمة العقل00 فلا بد أنني سأصاب به.

الطبيب: (ينظر إليه ملياً) أرى من الأفضل00 أن تتبعني إلى حجرة الكشف.

السكرتير: لأرى زوجتي؟

الطبيب: لا.. بل لأكشف عليك.

السكرتير: (مرتاعاً) كلا يا دكتور. ليس بي شيء مما تظن!

الطبيب: لا أستطيع أن أطمئن إلى ذلك إلا بعد الكشف.

السكرتير: حذار يا دكتور أن يسمع هذا منك أحد00 فإني سكرتير هيئة الأمم المتحدة كما تعلم، وأخشى أن أفقد منصبي هذا00 إذا شاع في الناس أنك فحصت قواي العقلية00 حتى ولو كانت النتيجة سلبية!

الطبيب: اطمئن.. سأكتم هذا السر.

-3-

(في منزل السكرتير: السكرتير يتقلب على فراشه متألماً من مغص ورياح تقرقر في بطنه وهويشكو ويتأوه وعنده زوجته تحاول عبثاً أن تخفف عنه).

بليك: أواه! أما لهذا الألم من آخر!.

ماريا: سيعودك الطبيب الآن فلعله يعطيك علاجاً آخر؟

بليك: قبح الله هؤلاء الأطباء! ليس عندهم إلا زيت الخروع!

ماريا: فقل له حين يجيء إن الزيت لم يصنع شيئاً.

بليك: سيأمرني بمضاعفة الكمية00 كما فعل من قبل، وهو جاهل لا يدري 00أن الزيت نفسه يحتبس في بطني فيزيد في عذابي.

ماريا: لكنك قد شربت البارحة قارورة كاملة منه، وما أظن هذه الكمية تحتمل الزيادة.

بليك: بل سترين هذا الجاهل يأمرني بمضاعفة الكمية أيضاً.. آه.. أشتهي ريحاً00 ولو صغيرة تخرج مني فترفه قليلاً عني!

ماريا: لو استمعت إلى نصيحتي00 لكنت في غنى عن هذا الطبيب00 وغيره.

بليك: أوه. ما عندك إلا هذا القول تعيدينه عليّ مرة بعد مرة؟ كيف تريدين مني00 أنا سكرتير أعظم هيئة دولية00 أن أؤمن بمثل هذه الخرافة؟

ماريا: لا تستطيع اليوم أن تسميها خرافة00 بعد ما ظهر أثرها فيك!

بليك:(غاضباً) والله ما نكبني بهذا غيرك. نقود تتكلم!! نقود تنتقم! ما زلت تحاربين أعصابي بترديد هذه القصة الوهمية، حتى أصابني00 ما أصابني فهل طابت نفسك الآن؟ وقرت عينك؟.

ماريا: أتلومني الآن على أني أنذرتك00 فما استمعت للنذير00 حتى أصابك ما أصابك؟

بليك: نعم. لقد كنت السبب، فلولا نذيرك هذا المشئوم لما أصابني شيء.

ماريا: ما ذنبي أنا؟ الخزانة خزانتك00 والنقود نقودك00 وهي التي انتقمت منك!

بليك: أجل. أكدي لي هذه الخرافة. انفثي سمومها في نفسي00 حتى يشتد المرض الذي بي. أنت التي تنتقم مني لا النقود!.

ماريا: أنا أنتقم منك! أتدري ماذا تقول؟

بليك: نعم. إن كنت مصاباً ببطني00 فإن عقلي بخير فأنا أدري00 ما أقول.

ماريا: (تغالب غضبها) هل لك أن تخبرني00 عما عسى أن يدفعني إلى الانتقام منك؟

بليك: ما يدريني00 لعل في عروقك دماً عربياً00هو الذي يدفعك إلى ذلك!.

ماريا: يا لها من تصورات عجيبة!

بليك: ليست هذه بأعجب من تصوراتك الوهمية00 إذ تزعمين أن نقوداً من الورق تتكلم00 وتنتقم وهي محبوسة في خزانة من حديد!

ماريا: لقد سمعت ذلك بأذني00 أفأكذب ما سمعت أذناي؟

بليك: لا شك عندي00 أن هذا الدم العربي الذي يجري في عروقك00 هو الذي أوحى إليك هذه القصة الوهمية00 لتحطم أعصابي انتقاماً مني!

ماريا: عجباً. أوقد صارت قصة الدم العربي حقيقة تؤمن بها00 وما مضى على اختراعك لها غير دقيقة واحدة؟

بليك: لم لا؟ إنك تدافعين دائماً عن العرب00 وتتحاملين على اليهود.

ماريا: أنت إذن يهودي الدم لأنك تدافع دائماً عن اليهود.

بليك: كلا. أنا لا أدافع عنهم مجاناً!

ماريا: وأنا لا أدافع عن العرب مجاناً.

بليك: (مذعوراً) ما تقولين؟ هل اتصل بك أحد منهم؟

ماريا: تروَّ في كلامك يا رجل. إنك تعلم أن العرب00 لا يتبعون في نصر قضيتهم 00مثل هذه الأساليب اليهودية!

بليك: لكنك قلت00 إنك لا تدافعين عنهم مجاناً.

ماريا: نعم. لأني أفعل ذلك لمصلحتك أنت 00ولحفظ سمعتك00 وكرامتك، وأخيراً لتخليصك من هذه النقمة00 التي حلت بك. إنك لا تؤمن بالله يا رجل00 وإلا لأيقنت أن في قدرته سبحانه أن يودع في النقود قوة تنتقم من رجل يخون أمانة أصحابها00 وهو يعيش من خيرهم!

بليك: وأنا أعيش من خير اليهود أيضا00ً أفلا تخافين أن تنتقم نقودهم مني إذا أنا خنتهم؟ أليس الله قادراً على أن ينفخ في نقودهم أيضاً قوته الخفية؟

ماريا: أنصحك ألا تذكر الله ساخراً. إن النقود التي تأخذها من اليهود إنما هي رشوة، والله أعدل من أن يظهر فيها آيته.

بليك: يا هذه كفى! لقد احتملت منك فوق ما ينبغي أن أحتمل، أما كفاك أن سببت لي هذا المرض00 حتى توسعيني تعنيفاً وتقريعاً! أنسيت أنني سكرتير أعظم هيئة دولية في العالم00 وأنك امرأة ساذجة تؤمن بالخرافات والأوهام؟

(يدق جرس الباب الخارجي)

ماريا: هذا طبيبك قد جاء، ولولاه لأسمعتك ردي (تخرج)

بليك: آه. كل شيء يحاربني. حتى زوجتي دسيسة علي! ماريا السبب في كل ما أصابني. آه! ما هذا الذي يسد بطني سداً 00كأنه خزانة حديدية00 ليس لها مفتاح! أما من سبيل إلى ريح صغيرة يرفه خروجها عني؟ (تعود الزوجة ومعها الطبيب)

الطبيب: (يدنو من سرير المريض) لعلك اليوم أحسن حالاً يا مسيو بليك.

السكرتير: أبقارورة الخروع التي نصحتني بشربها؟ إنها احتبست في بطني فزادته انتفاخاً وقرقرة!

الطبيب: ألم يلن بطنك ولو قليلاً؟

السكرتير: ولا قطرة!

الطبيب: ولا ريح؟

السكرتير: ولا نسمة! ألا تبصر هذا الانتفاخ؟ ألا تسمع هذه القرقرة؟

الطبيب: (يجس بطنه وينقر على مواضع منه) هذه حالة غريبة 00ما رأيت لها شبهاً 00ولا سمعت بمثلها قط.. هل شربت يا سيدي قارورة الزيت بأكملها؟

السكرتير: إن كنت تعني القارورة ذاتها فليس في وسعي أن أبلعها!

الطبيب: كلا.. أنا أعني ما في القارورة بالطبع.

السكرتير: فقد أفرغته كله في جوفي!

الزوجة: نعم يا دكتور.. شربه كله.

الطبيب: إذن فلا بد من مضاعفة الكمية.

السكرتير: أما عندك غير زيت الخروع؟ أهذا كل ما تعلمته من الطب؟

الطبيب: هذا الإمساك المستعصي يحتاج إلى مسهل قوي، ولا يوجد مسهل يمكن تعاطيه بكميات كبيرة00 دون ضرر إلا هذا الزيت.

السكرتير: فكم قارورة تنصحني أن أشرب؟ مئة قارورة؟ ألف قارورة؟

الطبيب: إن شراءه بالقوارير يكلفك ثمناً باهظاً، ولكن توجد منه براميل صغيرة00 فاشرب منه برميلاً كل ليلة قبل النوم.

الزوجة: برميلاً بأكمله يا دكتور!

الطبيب: نعم لا خوف عليه يا سيدتي من ذلك.. من حسن الحظ00 أن لزوجك بطناً كبيراً يسع البرميل وزيادة.

السكرتير: حسناً.. سأشرب البرميل والبرميلين.. إني لا أطيق هذا العذاب.. خير لي أن ينفجر بطني فأستريح! (أربعة من الأطباء يتداولون الرأي بعد فراغهم من فحص السكرتير).

الأول: هذه حالة غريبة.

الثاني: إمساك مستعص لا نظير له.

الثالث: برميل زيت من الخروع00 لو أعطي لفيل00 لجرف كل ما في بطنه00 ولما أبقى فيه شيئاً!

الرابع: لو وُفِّقنا إلى تشخيص هذا المرض00 وعلاجه لفتحنا فتحاً جديداً في عالم الطب.

الأول: يخيل إلي00 وأنا أنظر بالأشعة خلال بطنه كأن لفضلات الطعام عقلاً خاصاً تتقي به الدواء المسهل بطرق عجيبة، فهي تلصق بالأمعاء الدقاق 00وبألياف المعدة لصوقاً شديداً 00حتى يمر المسهل ويخرج، فتبرز حينئذ من مكانها00 وتتخمر 00وتستحيل إلى أهوية 00وغازات!

الثاني: لقد خطر لي مثل هذا00 أثناء كشفي عليه بالأشعة.. خيل إلي أن للطعام الذي في بطنه إرادة صارمة، فهو يتشبث بجدران الأمعاء00 تشبث المستميت.

الأول: حقاً إن الطبيعة لملأى بالعجائب.

الثالث: أجل.. ما أقل ما نعلم وأكثر ما نجهل!

الثاني: والآن ما ترون00 في علاجه أيها السادة؟

الأول: يستمر في تعاطي براميل الزيت؟

الثالث: نعم.. براميل الزيت لا غير.

الثاني: ألا تخشون أن الخروع يبطل أثره بكثرة الاستعمال؟

الأول: حينئذ يضاعف مقدار ما يتعاطاه منه.

-5-

(موسيه شرتوك يعود السكرتير في منزله.)

شرتوك: أين نشاطك يا مسيو بليك لي؟ وأين تصريحاتك؟ لقد فترت همتك هذه الأيام.

السكرتير: ألا ترى ما أنا فيه؟ ألا تبصر هذا الانتفاخ00 وتسمع هذه القرقرة؟

شرتوك: لو كنت طريح الفراش لعذرناك، ولكنك تباشر عملك00 وتغدو وتروح.

السكرتير: أتريد مني أن أنقطع عن عملي00 فيطير منصب السكرتارية مني؟ ألا تدري أنني أناضل في سبيل الاحتفاظ بمنصبي 00وأضحي بثمن برميل من زيت الخروع كل ليلة00 ليخفف بعض ما بي من هذا الإمساك وهذه الغازات؟

شرتوك: ولكن القضية في خطر، ومشروع التقسيم في كفة القدر، ونحن أحوج ما نكون إلى نشاطك00 وإذا قضي على المشروع – لا سمح الله – فسيلقي الشعب اليهودي التبعة كلها عليك لتقصيرك.

السكرتير: لم يقع مني أي تقصير في خدمتكم، وإنما كان التقصير منكم أنتم.

شرتوك: أي تقصير؟ ألسنا نواليك بالهدايا00 والهبات00وإن لم تعمل لنا شيئاً؟

السكرتير: يجب أن تضاعفوها 00فإن براميل الخروع00 تكلفني مبالغ طائلة. لقد ارتفع سعره في هذه الأيام00 وقلَّ وجوده وأخشى أن يختفي وشيكاً من الصيدليات00 فتكون القاضية عليّ.

شرتوك: هل تعو إلى نشاطك00 إن ضمنت لك باسم الوكالة اليهودية أن نمولك بكفايتك منه؟

السكرتير: بالطبع 00سيفرغ بالي من همّ ثمنه على الأقل.

شرتوك: إذن فثق أننا سنستورد لك 00باخرة ملأى بالخروع00 ونضعه كله تحت أمرك00 تغترف منه كما تشاء.

السكرتير: هذا أقل ما يجب عليكم أن تعملوه من أجلي00 في هذه المحنة التي حلت بي (يضع يده على بطنه) آه! أما لهذا العذاب من آخر؟

شرتوك: بم تشعر00 يا مسيو بليك ؟

السكرتير: كيف أصف لك ألمي؟ ذلك صعب يا مستر شرتوك، ولكن لا بأس أن ألتمس لك صورة تقربه إلى ذهنك.. دعني أفكر قليلاً.

شرتوك: شكراً يا سيدي.. إنك تعلم مبلغ عطفي عليك00 وتأثري لحالك.

السكرتير: هأنذا قد وجدت الصورة.. صورة مناسبة جداً لمقتضى الحال!

شرتوك: كيف؟

السكرتير: إن بطني يا مستر شرتوك قد أصبح كفلسطين، تدور في داخلها معارك رهيبة، وما هذه  القراقر إلا صداها المسموع.. والطعام الذي آكله.. أتدري ما مثله حين يدخل في جوفي؟

شرتوك: ما مثله؟

السكرتير: مثل المهاجرين حين يدخلون فلسطين، فإذا هم في معمعان القتال، تتخطفهم القوات العربية من كل مكان00 وتعركهم عركاً، فيحاولون الخروج منها، فيمنعهم إخوانهم الإرهابيون 00ويسدون عليهم السبل.. أما براميل الخروع الذي أتعاطاه كل ليلة00 فيرفه قليلاً عني00 فمثله كمثل القوات البريطانية 00التي يأتيها الإذن بالانسحاب00 فتخرج من البلاد زمرة بعد زمرة!

شرتوك: (مشمئزاً) هذه صورة بشعة 00رسمتها لحال اليهود في فلسطين00 لا تدل على عطف صادق عليهم.

السكرتير: لا تسئ فهم حديثي يا مستر شرتوك، فلولا أنني شديد العطف00 والرثاء00 لمحنة اليهود في فلسطين00 لما ضربتها مثلاً للمحنة التي في بطني. فكلتاهما تؤلمني ألماً بالغاً. آه يا مستر شرتوك 00إنك لا تدري أي بلاء أعاني!... ماذا؟ أتنوي الانصراف! شكراً لك على زيارتك.. إياك أن تنسى باخرة الخروع!

-6-

(في مكتب صراف هيئة الأمم المتحدة – السكرتير يقابل الصراف على انفراد).

الصراف: نقود تنتقم! هذا مستحيل يا سيدي.. لا شك أن هذا وهم.

السكرتير: لقد كذبت زوجتي حين حدثتني بذلك من قبل، وظللت أرميها باللوثة00 والوهم00 حتى اضطررت إلى تصديقها آخر الأمر00 حين أخذت النقود اللعينة تنتقم مني في الدورة الدموية00 بدلاً من الجهاز الهضمي.

الصراف: في الدورة الدموية!

السكرتير: نعم... هكذا شخَّصها الطبيب00 وقال إنها حالة غريبة أيضاً كالحالة الأولى.

الصراف: ألم يعطك علاجا لها؟

السكرتير: بلى00 ولكني على يقين أن الطب سيعجز عن شفائي منها 00كما عجز في الحالة الأولى. وإنما في يدك أنت00 وحدك أن تنقذني..

الصراف: في يدي أنا؟

السكرتير: نعم هل لك أن تفعل؟

الصراف: إن كان ذلك في مستطاعي00 فإني تحت أمرك.

السكرتير: أكد لي أنك ستكتم هذا السر.

الصراف: قد وعدتك بذلك00 فاطمئن يا سيدي من هذه الناحية.

السكرتير: قد يتعبك قليلاً ما سأطلبه منك00 وقد يضايقك.. ولكن ثق بأنك ستنقذ بذلك حياتي00 وحياة زوجتي التي كادت تجن.

الصراف: إني مستعد لخدمتك بكل ما في طاقتي، فقل لي ماذا تريد مني أن أصنع لك؟

السكرتير: أن تعزل ما يرد إليك من نقود الدول العربية المشتركة في هيئة الأمم 00حتى لا يتسرب إلى يدي من تلك النقود اللعينة شيء00ويكون راتبي الشهري خالياً منها خلواً تاماً.

الصراف: هذا غير عسير عليّ 00غير أني ما زلت أشك في صحة هذا الزعم الغريب.

السكرتير: يا سيدي هبني مجنوناً 00مخبول العقل، وهبْ زوجتي كذلك، فماذا عليك لو حققت لي هذا الطلب اليسير؟

الصراف: لكن ماذا أقول للمفتشين00 إذا رأوني أعزل تلك النقود وحدها؟

السكرتير: انتحل لهم أي عذر.. قل لهم مثلاً 00إنك تعزلها لأنها جاءت من بلاد انتشر فيها وباء الكوليرا.

الصراف: ولكن هذا الوباء قد ارتفع.

السكرتير: أوه! قل لهم إنك تفعل ذلك من باب الاحتياط!

الصراف: حسناً يا سيدي.. سأقول لهم ذلك.

السكرتير: إن كان لي أن أنصحك فلا تأخذ شيئاً من هذه النقود العربية في راتبك، فإني لا آمن أن يصيبك من شرها ما أصابني!

الصراف: (يضحك) أشكرك على نصيحتك00 وإن كنت لا أومن بهذه الخرافة.

السكرتير: لا تضحك.. فليس ما أصابني خرافة.. ها أنا ذا قد أنذرتك!

الصراف: أشكرك على كل حال.

السكرتير: لا تنس أن تكتم السر عن كل أحد.

الصراف: اطمئن يا سيدي00 فلو حدثت به أحداً لرماني بالجنون!

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,636,289