تحديات بناء الدولة في الفكر السياسي العربي
بقلم: د. أحمد يوسف القرعى
مرت الذكري الخامسة والستون لإنشاء الجامعة العربية في‏22‏ مارس الماضي وكل دولة عربية لاتزال مشغولة بهمومها الخاصة‏.

 

وفي مقدمتها‏:‏ النزاع القبلي في الصومال وانعكاساته الانفصالية بعد هاجس أمة الصومال الموحدة منذ الاستقلال‏,‏ وتحديات الوحدة مع التعدد بين شمال وجنوب السودان‏,‏ وتحديات الوحدة بين شمال وجنوب العراق‏,‏ وتحديات المسألة الطائفية في لبنان وتداعياتها التي لم تحسم بعد‏,‏ وتصعيد محاولات انفصال الشمال والجنوب اليمني‏,‏ وإقليم الصحراء الحائر بين المغرب والجزائر‏...‏الخ‏.‏
ومثل تلك التحديات مجرد نماذج من أزمة بناء الدولة القطرية في الوطن العربي‏,‏ والتي لم تنل حظا وافرا من اهتمامات الفكر السياسي العربي‏,‏ ولايزال هذا الفكر عاجزا عن تقديم تصور شامل للدولة القطرية أو القومية يواكب به اهتمام الفكر السياسي العالمي بقضية بناء الدولة‏,‏ وليس أدل علي هذا من ان إيطاليا علي سبيل المثال ظلت تدرس قضية إقامة الدولة الموحدة منذ اكثر من‏160‏ سنة من ميكافيلي إلي علماء الفكر السياسي الايطالي الحديث‏,‏ وأصبح علم السياسة مرادفا لعلم الدولة‏.‏
وعلي الرغم من ان جامعات مصر وعددا من الجامعات العربية أخذت بمثل تلك الدراسات العلمية للدولة إلا انها اقتصرت علي كونها مناهج دراسية للنجاح أو الرسوب للطلاب‏,‏ بمعني أن مناهج دراسة الدولة لم تحظ باهتمامات الفكر السياسي العربي‏,‏ في الوقت الذي قدمت فيه الأمة العربية الإسلامية تجربة رائدة في بناء الدولة خلال العصور الوسطي‏.‏
وحول أسباب قصور الفكر السياسي العربي الحديث والمعاصر في هذا المجال يمكن تسجيل عدد من الملاحظات‏:‏
أولا‏:‏ إن مفهوم الدولة العربية في الفكر السياسي العربي قد اهتز منذ سقوط الدولة العربية أيام العباسيين عندما وقعت بغداد بأيدي المغول عام‏1258,‏ وسقطت دولة الموحدين في المغرب عام‏1268,‏ ثم سقوط غرناطة في الاندلس عام‏1492,‏ ولا ينفي هذا ان هناك تراثا عربيا واسع الثراء حول ظواهر المجتمع والأنظمة السياسية‏,‏ وما خلفه لنا أفذاذ المفكرين الأوائل مثل الفارابي‏,‏ وابن خلدون‏,‏ والماوردي‏,‏ والغزالي وغيره كثير هو خير شاهد علي هذا الثراء‏.‏
ولكن الملاحظ أن المفكرين العرب بدأوا يكتبون عن الظواهر الاجتماعية وأنظمة الحكم في المراحل التاريخية التي بدا المجتمع العربي والدولة الاسلامية في الجمود والانحسار أو التحلل‏,‏ أي في القرون الوسطي‏,‏ أي بدءا من القرن الرابع الهجري‏,‏ وهذا بعكس المفكرين الأوروبيين الذين سبقت أو واكبت كتاباتهم عن هذه الأمور مراحل الصعود التاريخي للمجتمع والدولة في أوروبا الحديثة‏,‏ أي بدءا من القرن الخامس عشر الميلادي‏,‏
وطوال العهد العثماني قلت الكتابات السياسية عموما والكتابات عن الدولة خصوصا‏,‏ وفي المراحل الأخيرة من الدولة العثمانية أي في القرن الـ‏19‏ وأوائل القرن الـ‏20‏ بدأت الكتابات السياسية العربية مرة أخري علي يد مفكرين مثل الطهطاوي ثم الأفغاني ومحمد عبده‏.‏ وهي الحقبة التي تم فيها الاختراق الاستعماري للوطن العربي وبلقنة هذا الوطن‏.‏
ثانيا‏:‏ ان الفكر السياسي العربي الذي بلغ مستويات عليا في مناهجنا الدراسية العربية اقتصر علي معالجة المشكلات المطروحة في إطار العمل السياسي القطري أو القومي الداخلي والخارجي‏,‏ واكتفي بتقديم مسكنات للأزمات الداخلية دون محاولة حسمها من الجذور‏..‏ ومع استثناء بعض الكتب الجامعية سواء في المغرب أو المشرق العربي فإنه من النادر أن نتابع في الكتابات السياسية العربية معالجات فكرية خالصة‏.‏
ثالثا‏:‏ ان قضايا بناء الدولة القطرية أو القومية كفكر ومؤسسة لاتزال غائبة في الفكر السياسي العربي‏,‏ ولم يتقدم هذا الفكر ببحث مفهوم الدولة في حد ذاتها‏.‏

ويبدو واضحا من الملاحظات السابقة وغيرها الكثير أن الفكر السياسي العربي مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضي ببحث ومناقشة قضايا بناء الدولة القطرية أو القومية‏,‏ وتكفي الإشارة هنا إلي قضيتين بارزتين من هذه القضايا وهما قضية القبلية وقضية الطائفية في الوطن العربي‏,‏ فالقبلية في الوطن العربي تحد من تحديات بناء الدولة القطرية‏,‏ والقومية أيضا‏,‏ والقبلية وان كانت تعني أساسا مسألة تطور اقتصادي واجتماعي أولا وأخيرا حيث ان التحول إلي الاقتصاد الحديث بكل ما يعني مذيب مؤكد للقبلية إلا ان معالجتها في إطار الفكر السياسي العربي يحقق نتائج إيجابية افضل‏,‏ حيث البحث عن الولاء والانتماء والي وحدة أكبر‏,‏ سواء القطر أو الأمة ممثلة في الدولة القومية العربية‏.‏
ولاشك ان إذابة القبلية في الوطن العربي تتطلب في المقام الأول مزيدا من التنمية السياسية التي تواكب التنمية الاقتصادية والاجتماعية علي اعتبار ان النسيج الاجتماعي للوطن العربي يختلف تماما عن النسيج الاجتماعي لأوروبا المتنافرة والمتناقضة‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فقد حققت الاتحاد الأوروبي الذي أصبح نموذجا أمثل لكل التجمعات السكانية أو الدول أو المقاطعات‏..‏ الخ‏.‏
أما بشأن الطائفية في ظل الدولة العربية المعاصرة فإن علماء الاجتماع العرب يؤكدون انها أي الطائفية تعد خارج تحليل الدولة الحديثة والمجتمع المعاصر من منطلق كونها ثمرة وامتدادا لنظام اجتماعي سياسي واقتصادي جديد نشأ وتطور مع تحديث الدولة‏,‏ والطائفية معادية بجوهرها لقيام الدولة‏,‏ والأساس بالدولة القومية هي المواطنة‏,‏ وبذلك تتسع لكثير من الأديان وتصبح الأمة مع وجود أكثر من دين فيها‏,‏ ويبقي بعد ذلك ان الدولة تقوم بتكوين الأفراد الذين يحققون قيام الدولة‏.‏
ويبدو واضحا أهمية دراسة واقع الدولة العربية القطرية أو القومية كفكر ومؤسسة كمدخل مهم لدراسة مستقبل الدولة الواحدة والموحدة‏,‏ ومن هنا يبدو واضحا المسئوليات القومية الملقاة علي عاتق مراكز البحث والدراسة الخاصة والعامة‏,‏ ومن ثم تقع علي عاتق المفكرين والخبراء والباحثين العرب المتخصصين قبل ان تقع المسئوليات علي رؤساء وأجهزة الدول العربية‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 15 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,763,101