تصوف السنة‮.. ‬حالة من الوجد الإلهي‮ ‬وحضور طاغٍ‮ ‬للقلب المؤمن
متابعة‮:‬ سمية عبدالمنعم: ‮»‬رائحة البخور تغلف المكان‮.. ‬يتصاعد دخانها مع صدي‮ ‬تمتمات مبهمة تصدرها أجساد تتمايل في‮ ‬نشوة سكري‮ ‬ورجال‮ ‬يتناثرون هنا وهناك تئن الجنبات والزوايا من ملابسهم الرثة ولحاهم المطلقة وشعرهم الاشعث الاغبر وتلك النظرات الزائغة والخطوات الاكثر زيغاً‮ ‬واضطراباً‮ ‬يقتربون واحداً‮ ‬واحداً‮ ‬من المشهد‮.. ‬تتمايل أجسادهم مع الآخرين فيرددون لحناً‮ ‬مشتركاً‮ ‬لا تمل الشفاه منه‮«. ‬ لا‮.. ‬ليس هذا هو التصوف انما التصوف بوتقة‮ ‬ينصهر فيها العقل مع الوجدان فيبتعد عن كل بدعة أو مظنة ليزيد وجه الدين نضارة ويملأ الحياة الروحية عبقاً‮ ‬وكثير من رواد التصوف الاسلامي‮ ‬قد ساروا علي‮ ‬درب الشريعة الاسلامية ظاهراً‮ ‬وباطناً‮ ‬وعملوا علي‮ ‬تنقية هذا العلم مما اعتوره من بدع وأكاذيب ويبرز من بين هؤلاء الإمام القشيري‮ ‬وهو متصوف سني‮ ‬معتدل‮ ‬يعد ممهداً‮ ‬بمنهجه للإمام الغزالي‮ ‬فكتابه الاشهر‮ »‬الرسالة القشيرية‮« ‬يعتبر بمثابة سلوي‮ ‬عن شكوي‮ ‬ذلك ان الانحراف كان قد بدأ‮ ‬ينخر في‮ ‬جسد التصوف فوقف القشيري‮ ‬بعلمه ومنهجه ليذود عنه ويحفظ عليه اعتداله‮. ‬ولكن من هو القشيري؟‮. ‬هو أبو القاسم القشيري‮ ‬عبدالكريم بن هوازن النيسابوري‮ ‬ولد بنيسابور لقب بزين الاسلام واشتهر بالقشيري‮ ‬وقد ولد عام‮ ‬376هـ وتوفي‮ ‬في‮ ‬465هـ‮. ‬ دراسته‮: ‬أثناء فترة انتقال الحكم من آل سامان الي‮ ‬الغزنويين وقعت بلاده تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة فظهرت الحاجة لخبراء في‮ ‬المسائل الحسابية ليفيدوا منهم فبعث به قومه ضمن من بعثوا الي‮ ‬نيسابور ليتعلم العلوم الحسابية لكن كان للقدر قول آخر فقد كانت نيسابور في‮ ‬ذلك الوقت زاخرة بمجالس العلم والعلماء في‮ ‬شتي‮ ‬المجالات فوجد القشيري‮ ‬في‮ ‬نفسه الرغبة ملحة لتدارس علوم الفقه والشريعة وعلم الكلام‮. ‬وانصرف عن دراسة العلوم الحسابية فكان من أساتذته أبو بكر الطوسي‮ ‬ابن الفرج‮.‬ ثقافته‮: ‬كان فقيهاً‮ ‬شافعياً‮ ‬علامة في‮ ‬الفقه والاصول وكان صوفياً‮ ‬كاتباً‮ ‬نحوياً‮ ‬أجمع الكل علي‮ ‬انه درة عصره‮.‬ مؤلفاته‮: ‬له‮ ‬25‮ ‬مؤلفاً‮ ‬ما بين مطبوع ومخطوط‮ ‬يعد أشهرها‮ »‬الرسالة القشيرية‮« ‬و»لطائف الاشارات‮« ‬و»التحبير في‮ ‬التفسير‮«. ‬وقد دارت حول الإمام القشيري‮ ‬العديد من الدراسات والابحاث لكن علي‮ ‬كثرتها إلا انها لم تبين المصادر التي‮ ‬استقي‮ ‬منها القشيري‮ ‬تصوفه وتأثره بها‮. ‬وهذا ما نجحت الباحثة هيام فرج في‮ ‬ايضاحه من خلال بحثها‮ »‬الفكر الصوفي‮ ‬عند الامام القشيري‮ ‬ومصادره عند السراج الطوسي‮ ‬وأبي‮ ‬طالب المكي‮« ‬وقد نالت عنه درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الاولي‮ ‬حيث تمت المناقشة في‮ ‬كلية الآداب جامعة القاهرة تحت اشراف الاستاذ الدكتور عاطف العراقي‮ ‬وعضوية كل من الاستاذ الدكتور أحمد الجزار أستاذ الفلسفة والتصوف بجامعة المنيا والاستاذة الدكتورة رجاء أحمد علي‮ ‬أستاذ الفلسفة الاسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة وقد استخدمت الباحثة المنهج التحليلي‮ ‬المقارن حيث عرضت للمصادر التي‮ ‬اعتمد عليها القشيري‮ ‬في‮ ‬تصوفه والتي‮ ‬تمثلت في‮ ‬الامامين السراج الطوسي‮ ‬وأبي‮ ‬طالب المكي‮ ‬وذلك من خلال كتابيهما‮ »‬اللمع‮« ‬و»قوت القلوب‮« ‬وقد قسمت بحثها لخمسة فصول استعرضت من خلالها نقاط الاتفاق والاختلاف بين الأئمة الثلاثة نسوق بعضاً‮ ‬من تلك النقاط فيما‮ ‬يلي‮: ‬وضح تأثر القشيري‮ ‬بأستاذيه في‮ ‬مقامات اليقين مثل‮:‬ ‮* ‬مقام الزهد‮: ‬كان للقشيري‮ ‬رأي‮ ‬معتدل فيه فهو‮ ‬يري‮ ‬ارتباطه بالتصوف لكن في‮ ‬حدود لا‮ ‬يتعداها الزاهد بحيث لا‮ ‬يؤثر علي‮ ‬ممارسته لحياته وفي‮ ‬رأيه هذا نراه أكثر قرباً‮ ‬من الامام الطوسي‮ ‬الذي‮ ‬كان أكثر اعتدالاً‮ ‬من المكي‮ ‬فقد كان الاخير أميل للتطرف في‮ ‬ذلك الامر فيري‮ ‬ان الانسان لا‮ ‬يجب أن‮ ‬يملك شيئاً‮ ‬من متاع الدنيا أو حتي‮ ‬من مقومات الحياة‮. ‬أما عن المفاهيم الصوفية وموضوعات التصوف الشائكة فقد تأثر القشيري‮ ‬تأثراً‮ ‬واضحاً‮ ‬بأستاذيه ويتضح ذلك في‮:‬ مفهوم الفتوة‮:‬ وهي‮ ‬في‮ ‬معناها الصوفي‮ ‬تعني‮ ‬إيثار الآخر علي‮ ‬الذات ويحدد القشيري‮ ‬ذلك المعني‮ ‬في‮ ‬أن‮ ‬يكون العبد ساعياً‮ ‬في‮ ‬أمر‮ ‬غيره فهو هنا متأثر بالقرآن والسنة المطهرة ويشترط للفتي‮ ‬أن‮ ‬يتسم بالأمانة والصدق وحفظ السريرة وهو هنا قد ربطها بالصحبة ونظر لها من زواياها المختلفة ووضع لها دستوراً‮ ‬يجنب الصوفي‮ ‬استثقال الناس له فرأي‮ ‬ضرورة أن‮ ‬ينصهر بين الناس فللصحبة فوائد مثل الذكر وصلاة الجماعة‮. ‬ويدور رأي‮ ‬الطوسي‮ ‬حول نفس المبدأ فيراها صحبة الانسان لأخيه فيقول‮: »‬اذا مرضت عادك واذا أذنبت تبعك‮«. ‬وفي‮ ‬نفس المعني‮ ‬يقول أحمد بن‮ ‬يوسف‮ »‬مثل المصطحبين مثل النورين اذا اجتمعا أبصرا باجتماعهما ما لم‮ ‬يكونا‮ ‬يبصرانه قبل ذلك‮«. ‬ويقول المكي‮ ‬في‮ ‬الفتوة‮ »‬أخلف أخاك اذا‮ ‬غاب عنك بمثل ما تحب أن تخلف‮« ‬ويحدد لها شرط أن تكون في‮ ‬الله تعالي‮ ‬خالصة لوجهه وهو بهذا‮ ‬يتفق مع الطوسي‮ ‬ويتفق مع كليهما القشيري‮. ‬ ‮* ‬السماع‮: ‬ومفهومه عند القشيري‮ ‬لا‮ ‬يختلف عنه عند الطوسي‮ ‬فقد ركز الاول علي‮ ‬المعني‮ ‬النفسي‮ ‬للسماع الذي‮ ‬يثير الوجد ويجعل السماع فيه قادراً‮ ‬علي‮ ‬تحويل الصوفي‮ ‬لشعلة من الشاعر والانفعالات النفسية تحدث فيه نشاطاً‮ ‬نفسياً‮ ‬وعفوياً‮ ‬وتوقظ حبه الدفين وتثير وجده‮. ‬ولم‮ ‬يختلف عن الطوسي‮ ‬مثلما أشرنا فقد ربط بين الفهم والسماع واشترط حضور القلب أثناءه‮. ‬أما المكي‮ ‬فقد ربط أيضاً‮ ‬بين الفهم والسماع وزاد عليهما انه قسم السماع لسماع حرام وآخر حلال وأخير شبهة‮. ‬وقد ارتبط الوجد بالسماع عند ثلاثتهم لكنهم اختلفوا حول حال الوجد التام أيكون بالسكون أم بالحركة فالطوسي‮ ‬يري‮ ‬ان الامر ليس بالسكون أو الحركة ولكن بقوة سلطان نفسه وترجع للشخص ذاته‮. ‬لكنه‮ ‬يري‮ ‬ومعه القشيري‮ ‬ان الواجد المتحرك أقوي‮ ‬بينما اختلف معهما المكي‮ ‬حيث‮ ‬يري‮ ‬ان الواجد الساكن أقوي‮. ‬وقد عرضت الباحثة رسالتها للعديد من المفاهيم والموضوعات الاخري‮ ‬التي‮ ‬تجمع الأئمة الثلاثة مثل مفهوم الملامتية وصفاتها وعلاقتها بالخلوة كذلك تناولت الحب الالهي‮ ‬عند القشيري‮ ‬ومصادره عند أستاذيه وعلاقة الحب بالغناء ثم اختتمت رسالتها بموضوع الولاية والكرامة ومفهوم الولاية وصفة الاولياء وعلاقة الولي‮ ‬بمقام الخوف وصلة الولاية بالنبوة والفرق بين المعجزات والكرامات وموقف الأئمة الثلاثة من المعجزات والولاية والكرامة‮. ‬هكذا قدم لنا هذا البحث ثلاثة من أقطاب التصوف الاسلامي‮ ‬ممن كان لهم دور في‮ ‬ارساء قواعد التصوف السني‮ ‬ومواجهة تيارات الانحراف فكانوا دليلاً‮ ‬علي‮ ‬وجود تصوف‮ ‬يقوم علي‮ ‬مصادر اسلامية خالصة تترسم خطي‮ ‬القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة‮.‬

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 558 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,427