الجن الذي يشعل الحرائق في القري
بقلم: د. ممدوح عشرى
تندلع في قري مصر خاصة في فصل الصيف حرائق مجهولة الأسباب‏,‏ كان أحدثها ولن يكون آخرها الحريق الذي شب نهاية شهر يونيو المنصرم في عزبة أبو شويق التابعة لقرية الصالحية مركز الفيوم.

 

 واستمر عشرة أيام‏.‏ وبطبيعة الحال فإن الغموض المحيط بتلك الحرائق يقدم مادة خصبة لوسائل الإعلام لكي تتباري في نشرها تحت عناوين مثيرة‏,‏ وتطلق العنان لخيال القارئ أن يجول ويصول في آفاق المجهول واللامعقول‏.‏ فقد تميز الانسان عن بقية المخلوقات بسعيه الغريزي إلي فك الألغاز ومعرفة الأسباب‏.‏ فإذا تعذر عليه ذلك بالعقل والمنطق انطلق إلي عالم الغيبيات يسبح فيه بالفرضيات والتصورات والأوهام ويلجأ فيه إلي الدجل والشعوذة‏.‏ وهذا ما حدث بالفعل عندما عجز الناس عن تحديد أسباب تلك الحرائق‏,‏ فمنهم من حمل الجن مسئولية إضرام النيران مستندين في ذلك إلي انها غالبا ما كانت تندلع وتشتد ضراوتها في الوقت بين صلاتي الظهر والعصر يوميا‏,‏ وبالتالي أثناء صلاة الجمعة أيضا‏.‏ ومنهم من أرجعها إلي لعنة الفراعنة‏,‏ ويري بعضهم أن الحرائق غضب من أولياء الله‏.‏
إذا استعرضنا روايات أهالي القري المختلفة التي تضررت في السنوات الماضية من تلك الحرائق الغامضة نستخلص منها أوصافا مشتركة لتلك النيران‏.‏ فكلها حرائق مجهولة المصدر تخرج فيها ألسنة اللهب من باطن الأرض وتشتعل أيضا داخل المياه‏.‏ لا يقتصر الحريق علي منزل واحد في القرية بل يشب في منزل آخر علي نفس المنوال دون تلامس بينهما‏.‏ الأرض التي تخرج منها ألسنة اللهب طينية مليئة بالمواد العضوية من روث وقش أو قد تكون حقولا لقصب السكر‏.‏
جميع هذه الشواهد تشير علميا إلي أن الجن الخفي الذي ينبعث من الأرض ويخرج للناس في قري مصر ألسنته النارية ما هو إلا‏'‏ غاز الميثان‏'.‏ وهو غاز عضوي يتولد طبيعيا من تفسخ المواد العضوية النباتية والحيوانية التي تعج بها الأرض في بيوت وحقول الريف‏.‏ وتتولي عملية التفسخ أنواع شتي من الكائنات الحية المجهرية وحيدة الخلية تسمي‏'‏ مولـدات الميثان‏'‏ وتصنف بيولوجيا تحت مجال واسع من الكائنات الأولية أسمه أركيا‏Archaea‏ أي‏'‏ القـدائم‏',‏ إشارة إلي كونها أدني صور الحياة تطورا وأقدمها أصلا‏,‏ إذ يعتبرها علماء الجيولوجيا أول ما نشأ علي كوكب الأرض من كائنات حية‏.‏ وتتمثل خطورة غاز الميثان في أنه شديد الاشتعال وعديم اللون والرائحة وأخف من الهواء ولايكاد يذوب في الماء‏.‏ يتجمع غاز الميثان الذي يتولد في أعماق التربة العضوية داخل مكامن بالأرض لكي ينطلق بعد ذلك إلي الجو مشتعلا إذا ارتفعت الحرارة في فصل الصيف وفي فترة الظهيرة بالذات‏.‏ ولانعدام لونه ورائحته فإنه يباغت الإنسان دون أن يشعر به فيحتاط لنفسه‏.‏ وتؤدي صعوبة ذوبانه في الماء إلي استمرار اشتعاله داخل المياه‏.‏ أما ظاهرة اللهب الذي لايلسع من يلمسه فهو وهج ضوئي تسببه الشحنات الكهربية الناجمة عن تأين غاز الميثان عندما يندفع إلي الجو‏.‏

 

المزيد من مقالات د. ممدوح عشرى<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,744