في تطوير صلب الجسم التعليمي‏(2)‏
بقلم: حامد عمار
نتابع هنا مقالنا السابق حول الأولوية الملحة لاتخاذ بعض الإجراءات الفنية لإنعاش التعليم مرحليا في داخله‏.‏ وينطلق ذلك التنشيط من التأثير المضاعف لها في حركة الجسم التعليمي علي أوسع نطاق ممكن‏.‏

 

وقد شبهنا ذلك التأثير بحركة إلقاء حجر في مجري مائي فيحدث تموجات دائرية في مجال سقوطه‏,‏ تبدأ من دائرة صغيرة إلي أكبر فأكبر‏.‏ وهذا الانتشار الحركي الذي يحدث في الموقع التعليمي هو المأمول في تمكين الإنجاز المطلوب من عوائد التعليم والتعلم‏,‏ وتطوير تفعيلها نحو مزيد من إثراء لساحة المعرفة وداوم نموها‏.‏
ونظرا لمحدودية الأسطر المتاحة في تحرير المقال سوف أشير إلي أربعة مواقع لهذه الاقتراحات التي تتوجه نحو صلب الجسم التعليمي ساعية إلي إحداث تلك الآثار المضاعفة في كفاءة عمليات الإصلاح الداخلية والخارجية‏.‏ وهناك فيض من الآراء والأساليب الأكاديمية والخبرات التعليمية التي يمكن تحديدها وتوظيفها في بلوغ تلك المقاصد‏.‏ وأعني بذلك ما لدي المتخصصين من أساتذة كليات التربية وبخاصة في مجال صياغة المناهج وطرق التدريس‏,‏ ومن الخبرات الإدارية والتنظيمية لدي مدراء المدارس‏,‏ ومن أساتذة الجامعات ومن المعلمين الواعين بممارساتهم فيما يعلمون وكيف يعلمون‏.‏
‏(1)‏ ولعل أول تلك الممارسات والإجراءات في التعليم ما قبل الجامعي توفير الظروف والأوضاع والمعاملات في كيان المدرسة وأجوائها‏,‏ وسلامة التواصل بين أطراف العاملين بها‏,‏ والحرص علي أن تتولد مشاعر المحبة والاحترام لدي التلميذ في الانتماء لبيئة مدرسته‏,‏ والإحساس بالسعادة والاعتزاز بوجوده فيها‏,‏ ومعايشة مطمئنة معها خلال غدوه ورواحه إليها ومنها‏.‏ وهذا هو ما تعني علي الوفاء به معظم مدارس التعليم الخاص في بيئتها وأجوائها‏,‏ والذي لا يتوافر في غالبية المدارس الحكومية‏.‏ وهناك شروط ومتطلبات مادية وبيئية وتعليمية تتيح تنمية مشاعر الانتماء لهذا الوطن المدرسي الصغير لا يتسع المجال لطرحها‏,‏ وكثير منها معروف‏.‏ وعلينا أن نتذكر بأنه لكي يكون الأطفال أو الشباب سعداء في مدارسهم وبمدارسهم وانتظام دوامهم خلال أيامها‏,‏ فإن الأمر يقتضي ـ بالضرورة ـ أن يكون مدرسوهم سعداء أيضا وكثيرا ماننسي هذه الرابطة الحتمية بينهما‏.‏
‏(2)‏ أحسب أن من بين أهم الإجراءات والأساليب التي تتعلق بفاعلية الجسم التعليمي وأهدافه المتواصلة مدي الحياة تمكين المنظومة التعليمية من توليد وتوفير مقومات الرغبة في القراءة بل وعشقها‏.‏ وتبدأ بطبيعة الحال مع تعلم القراءة والكتابة في دروس اللغة العربية من أول سنوات المدرسة الابتدائية‏.‏ وكثيرا ما ألححت في مقالات سابقة علي هذا الهدف‏,‏ عشق الكتاب الذي قال عنه الشاعر‏(‏ وخير جليس في الزمان كتاب‏)‏ ويعني هذا تعويد التلاميذ ومطالبتهم بقراءة أكثر من كتاب ومناقشتهم فيها خلال السنة الدراسية إلي جانب كتاب المطالعة المقرر‏.‏ وربما تكون مبالغة في دلالة أهميتها القصوي إذا رأيت أنه لو اقتصر عائد المرحلة الابتدائية علي حب التلاميذ للكتاب والقراءة الواعية للحرف والرقم الرياضي لكان ذلك عائدا ضخما مثمرا‏,‏ وواعدا بقدرة الطالب علي مواصلة تعليمه ونمو معارفه وخبراته خلال بقية مراحل تعليمه‏.‏
وإذا انتقلنا إلي التعليم الجامعي الحكومي فسوف نجد أن هناك إجراءات متعددة تنهض بفاعليته حاضرا ومستقبلا‏.‏ ومنها علي سبيل المثال‏:‏
‏1‏ـ استمرار الطالب في تعلم اللغة الأجنبيه التي بدأها في المرحلة الابتدائية أو أي لغة أجنبية غيرها لتكون مادة إجبارية خلال كل سنوات الدراسة ولكل التخصصات في كل كليات الجامعات المصرية‏.‏ ونؤكد علي تعليمها كلغة ـ لا كمجرد مصطلحات فنية ـ حيث يتمكن الطالب من توظيفها قراءة وكتابة وتعبيرا كأداة من أدوات المعرفة والتواصل والبحث‏.‏
وتنطلق هذه الضرورة من تمكين الطالب من القدرة علي توظيف هذه اللغة فيما سوف يواجهه من زخم المعارف والتفاعل مع الثقافات الأجنبية التي لا غني عنها لكي يتعامل مع ثورة المعلومات والذخائر التكنولوجية في عالم اليوم والغد‏.‏
ومن خلال تمكنه من هذه اللغة الأجنبية سوف يتجاوز خريجو الجامعات المصرية الحكومية عقبة من عقبات عند التنافس في سوق العمل‏,‏ مما يتميز به خريجو الجامعات الخاصة والأجنبية‏.‏ وبذلك تقل الفجوة في تكافؤ الفرص الحياتية بين خريجي كل من النظامين الحكومي والخاص‏,‏ ولعلها تؤسس قدرا مما أشار إليه الإمام الشهرستاني من‏(‏ عوامل تعظيم الجوامع وتقليل الفوارق‏).‏
‏2‏ـ السعي إلي إضافة مرتبة جديدة إلي مراتب أعضاء التدريس بعد مرحلة‏(‏ الأستاذية‏)‏ يمكن أن يطلق عليها لقب‏(‏ أستاذ متميز‏,‏ أو أستاذ رائد‏,‏ أو أستاذ قدير‏)‏ مما هو متبع في الجامعات الأمريكية‏.‏ والحكمة في إضافة هذه المرتبة هو خلق حافز لمن حصلوا علي درجة الأستاذية يحرك قناعتهم بما وصلوا إليه‏,‏ وربما من هبوط الهمة في مزيد من عطائهم الثري كتابة وبحثا ونشرا لرسالتهم العلمية الجماعية‏.‏ والحاصل المؤسف أن نلحظ هذا الفتور في المهمة ومواصلة تغذية أنفسهم وطلابهم بكل جديد ورائد في مجالات المعرفة والبحث العلمي‏.‏ كذلك يحقق هذا الحافز في الترقية مبدأ الإيمان لدي الطلاب والمجتمع الجامعي بأنه لا نهاية للمعرفه العلمية وبحورها التي لا نهاية لشواطئها‏.‏ وسوف تؤدي مثل هذه الإضافة إلي استمرار تدفق الأساتذة في مواصلة رسالتهم الجامعية وإسهامها المتجدد في حركة التطوير والتقدم العلمي والمجتمعي‏.‏
عود علي بدء
في كل من هذين النموذجين من المدخلات في التعليم العام والتعليم الجامعي اقتراحان ما بدأنا به في المقال السابق من الالتفات إلي الأولوية في تطوير الجسم التعليمي الرسمي مما يحدث تأثيرا من المضاعفة التي تستمر في التوسع والانتشار في بقية أعضاء الجسم التعليمي وتجعله في حالة من الحركة والنهوض واستواء المسيرة في تحقيق الأهداف المرجوة‏.‏
وهناك عشرات من نماذج هذه المدخلات التي يمكن استثمارها في عمليات تطوير التعليم في مناهجه وأساليب الارتقاء بأحواله‏,‏ وعلينا أن نحاول تحديدها وتوفير متطلباتها‏.‏ هذا مع أهمية التشخيص والتخطيط المرتبط بالسياسات والتمويل وغيرها من المستلزمات العامة لتمكين التعليم من الوفاء بما نعقده عليه من آمال متفائلين ــ لا قانطين شاكين ـ من ثمرات دوره في التنمية وترقية أحوال المجتمع المصري‏.‏

 

المزيد من مقالات حامد عمار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 5 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,512