بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة ، والسلام ، على قائد الغر المحجلين ، نبينا محمد ، وآله ، وصحبه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، أما بعد:

فإن العلامة أبا محمد علي ابن حزم الظاهري (1) الأندلسي المتوفى عام (456) هـ علم من أشهر أعلام هذه الأمة له في العلم مكانة عظمى ، ومنزلة عليا لا تخفى .

وقد برع رحمه الله في علوم شتى : كالفقه ، والحديث ، والأصول ، والأدب ، والبلاغة ، والشعر ، والتأريخ والأخبار ، والنسب ، والمنطق ، والطب ..

وقد أوتي جدلا و حجة ، وبلاغة ، يأسر من اطلع على كلامه ، ويملك قبله ، وتقنعه ،
أو تفحمه حججه .

وهو مع ذلك أديب وشاعر مرهف الحس.. له قصائد سارت بها الركبان.

وهو أيضا حكيم مجرب له نظر ثاقب ، وذهن يتوقد ، وقوة ملاحظة ، وسبر ، وتقسيم عجيب
لأخلاق الناس ، وآدابهم .

وقد حصلت له خطوب وحروب مع أهل زمانه جرت عليه محن ، وفتن ، وابتلاءات كثيرة أثرت
في نفسه ، وخلقه ، وطبعه ، وكشفت له من أمور الناس ، وما تنطوي عليه أخلاقهم وصفاتهم
شيئا كثيرا .

فكان نتاج ذلك أن دون ، وكتب كل ما تحصل له من ذلك في كتاب .. محاولة منه في معالجة
أخلاق الناس ، وحثهم على الجميل ، وكَفِّهِم عن القبيح .


وهذا الكتاب اسمه : (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) أو (مداواة النفوس)



يقول في مقدمة كتابه :


.. جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة ، أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام وتعاقب
الأحوال ، بما منحني عز وجل من التهمم بتصاريف الزمان ، والإشراف على أحواله ، حتى
أنفقت في ذلك أكثر عمري ، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له ، والفكرة فيه على جميع اللذات
التي تميل إليها أكثر النفوس ، وعلى الازدياد من فضول المال ، وزممت كل ما سبرت من ذلك
بهذا الكتاب ، لينفع الله تعالى به من يشاء من عباده ممن يصل إليه بما أتعبت فيه نفسي ، وأجهدتها فيه ، وأطلت فيه فكري ، فيأخذه عفواً ، وأهديته إليه هنيئاً ، فيكون ذلك أفضل
له من كنوز المال ، وعقد الأملاك ، إذا تدبره ويسره الله تعالى لاستعماله ، وأنا راج في ذلك
من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده ، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم ، ومداواة علل نفوسهم ، وبالله أستعين .اهـ

وعزمت أن أنتقي من هذا الكتاب ما استحسنه مع نصيحتي للجميع بقراءته كاملا ، فهو بحر
مليء بالدرر .. لا غنى للمسلم عنه .

والآن وقت الشروع في المقصود :



قال رحمه الله ص 2 :

لذة العاقل بتمييزه ، ولذة العالم بعلمه ، ولذة الحكيم بحكمته ، ولذة المجتهد لله عز وجل
باجتهاده = أعظم من لذة الآكل بأكله ، والشارب بشربه ، والواطيء بوطئه ، والكاسب
بكسبه ، واللاعب بلعبه ، والآمر بأمره ، وبرهان ذلك أن الحكيم العاقل والعالم والعامل
واجدون لسائر اللذات التي سمينا ، كما يجدها المنهمك فيها ، ويحسونها كما يحسها
المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها، وآثروا طلب الفضائل عليها، وإنما يحكم
في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.

ثم قال :

إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك ، وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال
الدنيا ، إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط ، لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن ،

إما بذهابه عنك ،

وإما بذهابك عنه ،

ولا بد من أحد هذين الشيئين ،

إلا العمل لله عز وجل ؛ فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل،

أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس ، وإنك به معظم من الصديق والعدو ،

وأما في الآجل فالجنة.

و قال :

لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها ، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء
إلى حق ، وفي حماية الحريم ، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى ، وفي
نصر مظلوم. وباذل نفسه في عَرَض دنيا ، كبائع الياقوت بالحصى!

لا مروءة لمن لا دين له.

العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.

لإبليس في ذم الرياء حبالة ، وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير خوف أن يظن به الرياء.

العقل والراحة هو اطراح المبالاة بكلام الناس ، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل
بل هذا باب العقل ، والراحة كلها.

من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون.

من حقق النظر، وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان
اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه ؛ لأن مدحهم إياه ، إن كان
بحق وبلغه مدحهم له = أسرى ذلك فيه العجب = فأفسد بذلك فضائله .

وإن كان بباطل فبلغه فَسَرَّه ، فقد صار مسروراً بالكذب ، وهذا نقص شديد.

وأما ذم الناس إياه ، فإن كان بحق فبلغه ، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه
، وهذا حظ عظيم ، لا يزهد فيه إلا ناقص .

وإن كان بباطل وبلغه فصبر = اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر ، وكان مع ذلك غانماً ؛
لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل = فيحظى بها في دار الجزاء ، أحوج ما يكون إلى
النجاة بأعمالٍ لم يتعب فيها ، ولا تكلفها ، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون.

وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه ، فكلامهم ، وسكوتهم سواء ، وليس كذلك ذمهم إياه ؛
لأنه غانم للأجر على كل حال بلغه ذمهم ، أو لم يبلغه.

ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن ذلك عاجل بشرى المؤمن =
لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل ، أكثر من رغبته في المدح بالحق ، ولكن إذا
جاء هذا القول ، فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل ، فإنما تجب البشرى بما في
الممدوح لا بنفس المدح.

-------------


(1) لابن حزم رحمه الله مخالفات لأهل السنة في العقيدة ، وله منهج معروف في الفقه ، والحديث .

عبدالرحمن السديس / الرياض

http://www.qassimy.com/vb/attachment.php?attachmentid=5467&d=1129675874

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,825,320