بقلم: د. محمود حمدى زقزوق |
يعيش في ألمانيا حاليا أكثر من أربعة ملايين مسلم أصبحوا جزءا من الشعب الألماني، يعملون في مختلف الأعمال، وينضوي بعضهم تحت مظلة حزب من الأحزاب. وقد وصلت سيدة مسلمة تركية الأصل منذ أسابيع قليلة إلي منصب وزيرة لشئون المجتمع والاندماج في ولاية ساكسونيا السفلي. والأطفال المسلمون يلتحقون بالمدارس الألمانية العامة. ونظرا لأن غالبية المسلمين في ألمانيا من الأتراك فإن تركيا ترسل أئمة للمساجد التي يؤمها الأتراك وترسل أيضا مدرسين لتدريس الدين الإسلامي للأطفال المسلمين في المدارس الألمانية.ولكن مشكلة الأئمة والمدرسين الأتراك أن الغالبية العظمي منهم لا يعرفون اللغة الألمانية. وتسعي الحكومة الألمانية إلي ادماج المسلمين في المجتمع الألماني. ومن أجل ذلك تبذل محاولات منذ سنوات للتغلب علي العقبات في هذا السبيل. وتدريس الدين الاسلامي للأطفال المسلمين في المدارس وخطب الجمعة في المساجد بلغة غير الألمانية يشكل واحدة من هذه العقبات.ومنذ ما يقرب من عشرين عاما كانت هناك مبادرة إسلامية جادة لإنشاء معهد للدراسات الإسلامية يكون ملحقا بجامعة هامبورج ويشرف عليه الأزهر من الناحية العلمية، ويخضع للوائح والأنظمة المعمول بها في الجامعة التي ستمنح شهادتها للخريجين. وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد تكوين أئمة للمساجد ومدرسين للإسلام للتلاميذ المسلمين في المدارس الألمانية، وذلك فضلا عن كونه مركزا بحثيا يتوافر علي الاهتمام ببحث كل ما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين في أوروبا.<<<وجاءت هذه المبادرة من أستاذ مسلم كان يعمل بالجامعة وهو الأستاذ فلاتوري الذي قام بإعداد التصور المبدئي للمشروع وعرضه علي فضيلة الإمام الأكبر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي تحمس للمشروع، وكلفني حينذاك وكنت وقتها عميدا لكلية أصول الدين ان أناقش هذا الموضوع مع رئيس جامعة هامبورج. وفي احدي زياراتي لألمانيا التقيت برئيس الجامعة، وناقشت معه تفاصيل المشروع وقد رحب بلا تحفظ لما سمعه عن اعتدال الأزهر ووسطيته. ولكن كان له شرط وحيد لضمان استمرار المعهد وعدم توقفه مستقبلا، وذلك بضرورة إنشاء وقفية في حدود عشرة ملايين مارك ألماني، أي ما يعادل حاليا خمسة ملايين يورو تقريبا، للانفاق من ريعها علي المعهد.وقد عرض الامام الأكبر الأمر علي بعض المؤسسات الخيرية في بعض دول الخليج للاسهام بهذا المبلغ لتنفيذ المشروع. وبعد اتصالات ومشاورات كنت طرفا في بعضها اعتذرت المؤسسة الخيرية عن عدم الاسهام في هذا المشروع. وقد كانت هذه فرصة ذهبية لن تتكرر مطلقا وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002، وبروز الاتجاه المعادي للإسلام والمسلمين في الغرب. وقد توفي الأستاذ فلاتوري قبل أن يري المشروع يخرج إلي النور.ولكن مشكلة اندماج الجاليات الإسلامية في أوروبا في المجتمعات الأوروبية ظلت تؤرق هذه البلاد، وتخشي أوروبا اذا استمر الحال علي استقدام مدرسين وأئمة من خارج البلاد الأوروبية لا يعرفون لغة هذه البلاد ولا أحوال المجتمعات الأوروبية أن تنشأ لديها أجيال اسلامية جديدة تكون متأثرة بتيارات متشددة ينعكس أثرها سلبا علي المجتمع الأوروبي، وتزداد عزلتها عن المجتمع الذي تعيش فيه.<<<وقد كانت النمسا من أولي البلاد الأوروبية التي أقدمت علي حل لهذه المشكلة، فقد وافقت علي إنشاء أكاديمية إسلامية تربوية تعمل منذ حوالي عشر سنوات لتخريج مدرسين وأئمة يجيدون لغة البلاد ويتلقون برنامجا تربويا في الجامعة، بالاضافة إلي البرنامج الاسلامي في الأكاديمية. وقد اشتركت في هذه الأكاديمية مع الدكتور مصطفي الفقي حينما كان سفيرا لمصر في النمسا. وهناك مبادرات في هذا الصدد من كل من هولندا وبلجيكا. وقد وجدت البلاد الأوروبية الأخري وبخاصة التي لديها جاليات إسلامية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا أن هناك حاجة ملحة لعلاج هذه المشكلة في كل منها.<<<وقد عكف العلماء المتخصصون في ألمانيا علي دراسة هذا الموضوع وتوصلوا إلي ضرورة تطوير الدراسات الإسلامية في عدد من الجامعات الألمانية لتتولي الأقسام المتخصصة في هذه الجامعات تكوين مدرسين لتدريس الاسلام لأطفال المسلمين في المدارس الألمانية، وتخريج أئمة للمساجد هناك. وسوف يعقد في منتصف شهر يوليو القادم مؤتمر دولي لمناقشة هذا الموضوع دعت إليه الوزارة الاتحادية للبحث العلمي في ألمانيا. وقد تلقيت دعوة مشتركة من المجلس العلمي ومن الوزير الاتحادي للتعليم والبحث العلمي للمشاركة في هذا المؤتمر لمناقشة التقرير التفصيلي الذي قدمه المجلس العلمي الاتحادي. ومن المنتظر أن يتقرر في المؤتمر اختيار عدد من الجامعات لإنشاء الأقسام المطلوبة فيها للقيام بهذه المهمة، وقد رحب عدد من الولايات الألمانية بافتتاح هذه الأقسام واحتضانها في جامعاتها. وهذه خطوة بالغة الأهمية في الاتجاه الصحيح.واتصالا بهذا الموضوع كانت جامعة مونستر بألمانيا من أولي الجامعات التي أنشأت قسما للدراسات الإسلامية عام 4002م وعينت له أستاذا ألمانيا مسلما للمرة الأولي، وأسندت إليه مهمة تكوين أئمة ومدرسين مسلمين للقيام بالمهام المشار إليها. واستبشر المسلمون في ألمانيا خيرا بتعيين أستاذ مسلم لتدريب الأئمة والمدرسين المسلمين ليمارسوا مهامهم المستقبلية في أوساط المسلمين.ولكن هذا الأستاذ الجديد فاجأ الجميع بعد فترة قصيرة بمقولات خطيرة يشكك فيها في الوجود التاريخي للنبي محمد وفي الوحي القرآني. وهذا يعني الانهيار الكامل للاسلام بعد افراغه من أي مضمون حقيقي، الأمر الذي يعني ان المسلمين يعيشون منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان في ظل وهم كبير. فالاسلام كما هو معلوم لكل مسلم لا يمكن تصوره دون محمد والقرآن، كما ان المسيحية لا يمكن تصورها دون المسيح، واليهودية لا يمكن تصورها دون موسي عليهم جميعا أفضل الصلاة والتسليم.وقد استشعرت الاتحادات الإسلامية في ألمانيا مدي الخطورة التي تمثلها هذه الأفكار التخريبية علي الاسلام والمسلمين، وبناء علي ذلك انسحبت من الاتفاق بينها وبين هذا الأستاذ، وقررت عدم التعامل معه، والامتناع عن إرسال طلاب يدرسون لديه. أما الطلاب أنفسهم الذين يدرسون لديه فقد تقدموا بمذكرة إلي رئيس الجامعة يطلبون فيها ابعاد الأستاد المذكور عن مهمة تدريب مدرسين لتدريس الدين الاسلامي، ويعلنون مقاطعتهم لجميع البرامج التي يتولاها هذا الأستاذ.<<<وقد استجابت جامعة مونستر لهذه النداءات بعد أن تأكدت من حقيقة الأمر وقررت سحب مهمة التدريب المشار إليها من الأستاذ المذكور، ولكنها أبقت عليه أستاذا للدراسات الاسلامية بها انطلاقا من مبدأ الحرية الأكاديمية في الجامعات الألمانية. وقد وقع اختيار الجامعة علي أستاذ مسلم جديد بدلا منه ليتولي تكوين مدرسي وأئمة المستقبل المسلمين ليمارسوا عملهم في ألمانيا ويسهموا في ادماج المسلمين في المجتمع الألماني |
نشرت فى 23 يونيو 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,797,297
ساحة النقاش