الحركة الإسفنجية للشعوب
بقلم: د. على رأفت
الشعوب الخاملة كقطع الاسفنج إذا ما تركت مشبعة بالماء الآسن سرعان ما تفسد‏,‏ وإذا ما انقبضت بالأزمات والحروب والاحتكاكات تتخلص من الماء الآسن ماصة للمياه النقية والصافية من وعاء جديد‏.

 

‏ وبعد عدة انقباضات وانفراجات قدرية نجد أن الإسفنج قد صفي وازدهر واكتسب لونه الطبيعي‏.‏ كما أن استمرار هذا التتابع الحتمي يضمن استمرار حالات النقاء للاسفنجة ولمحيطها‏.‏ وقد ثبت من التاريخ والجغرافيا أن الشعوب التي تعيش في عزلة أرضية وهدوء دائم بعيدة عن صخب العالم هي شعوب استاتيكية لا تتقدم ولا تنهض‏.‏ الجزر المنعزلة في وسط المحيطات هي شعوب بدائية تعيش علي استقبال ضيوف لترقص وتغني لهم اغان ورقصات شعبية خاصة كما تجذبهم منتجاتهم البدائية‏,‏ وهي تعيش علي ما يجود به السائح من عطاء‏.‏
ويذهب السائح اليها سعيا وراء الغريب والملفت والممتع ليعود بذكريات جديدة علي صور وفيديوهات تختلف عما يجده في بلده الأم‏.‏
وإذا عدنا للشعوب الديناميكية المصدرة للسياحة والتي لدي أهلها من الوقت والمال لينفقوه لزيارة مثل هذه المناطق النائية‏,‏ نجد أنهم لا ينتهوا من حل مشكلة الا ليجدوا أخري‏.‏ وقد مرت جميعها كانجلترا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان وروسيا والولايات المتحدة وغيرها بمثل هذه الفترات التي طالت في القرن الماضي بين حربين عالميتين لأكثر من خمس سنوات لكل‏.‏
وقد اضطرت شعوبها إلي اجتياز فترات تقشف متفاوتة في الغذاء والكساء والترفيه‏,‏ وحرموا بمعدلات متصلة ولسنين عديدة تحت الغارات أو الحصار من النوم الهادي ليلا بدون صفارات إنذار أو هجمات صاروخية أو هدم حي أو مدينة بكاملها كما لم تخل أسرة من شهيد أو معاق أو مفقود‏.‏
فترات الحروب والصراعات فترات توقف للمشاريع المدنية وفيما بينها فترات استعادة نشاط وبناء وتطبيق تخطيطات وتصميمات‏.‏ الحروب تسرع بالتقدم في الأبحاث التكنولوجية في المواد والآلات المطورة للمصنوعات الحربية‏.‏ هي فترات تتطور وتنهض فيها إمكانيات الاتصالات السلكية واللاسلكية والالكترونيات الأرضية والفضائية ووسائل النقل علي الأرض وفي المياه وفي الجو‏.‏ كما تتطور في الحروب إمكانيات الإدارة والبرمجة مع الاقتصاد في الوقت والتكلفة والمجهود البشري والميكانيكي‏.‏ كل هذا ينعكس علي تقدم هائل في المنتجات المناظرة المدنية في أوقات السلام‏.‏ كما تزداد الحاجة في السلام اللاحق لموارد وصناعة البناء بالمواد والاسكان سابق التصنيع الثابت والمتحرك ولمهمات الرفع والحفر والنقل وماكينات النقل الافقي والرأسي من مصاعد وروافع وسلالم وأرصفة متحركة‏.‏ كما تتطور خدمات العلاج والراحة الفسيولوجية في التهوية وتكييف الهواء والتدفئة والاضاءة والعزل الصوتي ووسائل الاتصالات المتعددة والإمكانيات الذكية في التحكم في استهلاك الطاقة الكهربائية للاضاءة والتهوية والتبريد‏.‏
جميع الشعوب تتلاشي الحروب الداخلية والانقسام في الرأي الخامل أو النشيط بين الحكومات والمعارضة‏,‏ ومع ذلك فإن مثل هذه الاحتكاكات تسبب شرارات النهضة والتقدم والإبداع والأخيرة كالنار تنتج عن احتكاك الأجسام الصلبة لينتج لهيبا حراريا للتسخين وضوئيا للرؤية‏.‏ وبدون ذلك يبقي الماء ساكنا والهواء راكدا والبرودة قارصة والظلام دامسا‏.‏
الحكومات الديمقراطية لا تخشي علي شعوبها أن يتراجع مستوي المعيشة خلال أزمات داخلية أو خارجية‏,‏ وهي واثقة من التكاتف ووحدة الصف في جميع الأحوال‏.‏ وفي الحرب العالمية الأخيرة كان نصيب الأسرة الانجليزية ولمدة خمس سنوات بيضة لكل فرد في الأسبوع وكمية محدودة من الخضراوات‏.‏ وعلي العكس فهناك حكومات لا تخاطر بدخولها في صراع عالمي أو محلي قد ينتج عنه شد الأحزمة علي البطون‏.‏ لقد تلافت حكومة قبل الثورة دخول مصر في الحرب العالمية الثانية كما دللت شعبها غذائيا ومنعت عنه أخبار الصراعات إعلاميا‏.‏ حكومات هذه الشعوب تدخل الحروب القصيرة مضطرة ومخازنها الغذائية مملوءة حيث إن من الصعب علي شعوبها تقبل نقص أي من المواد أو الخدمات الاساسية‏.‏
وعلاوة علي الخبرات المكتسبة تمر الشعوب في الحروب بفترات تأمل وجداني داخلي وتفكير في خطط تعمير وبناء للمستقبل‏.‏ بعد الحرب‏,‏ يعود المحارب تواقا للتعليم الجامعي إذا لم يكن قد استكمله ـ متطلعا للمنافسة في الرياضة ولخوض مجالات الثقافة بوجه عام ليعوض ما فاته من فرص للحياة في سنين الحرب‏.‏ بعد الحرب تبدأ نهضات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية‏,‏ فترات تنهمر فيها تجارب الحروب المأساوية وتنفجر عنها إبداعات العواطف والدراما الانسانية في التعبير الفني في السينما والمسرح والشعر والأدب والموسيقي والغناء‏.‏
والآن وقد تعودنا علي الكثرة المفرطة نرفع الأصوات بالشكوي إذا ما اختفت سلعة من السلع والإقلال من التعدد النوعي والكمي في الأكل والكسوة استعدادا لأي صراعات أو شدائد قادمة‏.‏ لقد وجهتنا جميع الأديان والفلسفات إلي الصوم كفريضة من الفرائض‏.‏ ومن الصوم ما حرم الغذاء والشراب لعدة ساعات ومنه ما حرم اللحوم والدواجن لفترات‏.‏
جميع الأديان توجه إلي عصر الاسفنجة لتنظيفها استعدادا لامتصاص الماء النقي بما يتبعه من صحة واقتصاد أفضل‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. على رأفت<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 10 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,624,214