صورة حواء.. فى مؤتمر الشخصية المصرية
كتبت - عبلة الساعاتى:
إلي أين نسير؟.. وماذا يحدث لنا علي المستوي الشخصي والأسري والمجتمعي؟.. وهل كل الأمور السلبية التي تحدث في مجتمعنا ترجع للمحيط المجتمعي فقط.. أم ترجع لضعف داخلي في أنفسنا أو لعدم إتخاذ مواقف إيجابية في هذا المجتمع؟
هذه التساؤلات طرحتها الدكتورة نجوي خليل مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية خلال المؤتمر السنوي الثاني للمركز الذي عقد مؤخرا تحت شعار الشخصية المصرية في عالم متغير.. وهي أيضا تساؤلات تدور بين الكثير منا الآن في إطار ما يشهده المجتمع المصري من تغيرات في سمات الشخصية المصرية نلمسها في سلوكيات الشارع المصري, وأخلاق المصريين وطباعهم, وانهيار القيم وطغيان الجوانب السلبية.. وهو ما تعايشه الأسرة المصرية في حياتها اليومية الآن.. وهذا ما أكدته نتائج بحث هموم واهتمامات المواطن المصري الذي أجراه المركز العام الماضي والتي بينت غلبة السمات السلبية علي الشخصية المصرية, في حين أنه في عام2002 أشارت نتائج هذا البحث إلي أن السمات السلبية لا تتجاوز نسبتها20%.. ومن هنا تتضح أهمية موضوعات مؤتمر المركز هذا العام التي تضمنت رصد وتحليل جوانب الشخصية المصرية المختلفة, وأهم ملامح التغيرات التي طرأت عليها وأسبابها, والتي تناولت أيضا موضع المرأة المصرية من كل هذا الجدل الدائر حول الشخصية المصرية.
المرأة المصرية.. في عالم متغير!
تناولت أوراق المؤتمر السمات الشخصية لكل من المرأة البدوية, الريفية, والنوبية وكيفية مواجهتها تحديات التغيرات في مجتمعاتها وهل أثر ذلك علي سماتها الايجابية.. وكانت من أهم نتائجها ما يلي:
فمن خلال دراسة أجرتها د. الشيماء عبدالعزيز خبير العلوم السياسية بالمركز تبين أن الشخصية النوبية وبالذات المرأة تفوقت علي الريفية والبدوية في الحفاظ علي كثير من سماتها الايجابية مثل الترابط والتماسك, وتقدير الذات الذي يظهر في تمسك النوبيين بهوياتهم الفرعية.. ونجحت ايضا الشخصية النوبية, خصوصا المرأة, في تحويل الاحساس بالمعاناة ـ خصوصا بعد التهجيرات المتتالية التي اضطر إليها النوبيون المصريون من موطنهم الأصلي أقصي جنوب الوادي إلي قراهم ومدنهم الجديدة ـ إلي قوة دفع لشق طريقها في المدن التي هاجروا إليها, والحرص علي الاندماج في المجتمعات الجديدة دون الذوبان فيها حتي لا يفقدوا خصوصياتهم.. حيث لعبت تقاليد الزواج من داخلهم, والجمعيات النوبية دورا قويا في ربط المهاجرين بقراهم, وذويهم, والحفاظ علي التراث الثقافي النوبي وذلك علي الرغم من كل الصعوبات والتحديات التي تواجههم لأنهم لا يجدون ذواتهم إلا في هويتهم النوبية.
وبالنسبة للمرأة الريفية فقد أشارت الدراسة التي اعدتها الدكتورة أنعام عبدالجواد المستشار بالمركز بعنوان تأثير الضغوط الاقتصادية علي شخصية المرأة الريفية إلي أنه بالرغم من شيوع ثقافة ذكورية فرضت علي شخصيتها صورة محددة ومحدودة مثل التركيز علي دورها المنزلي, وأن مكانتها وقدرتها أقل من الرجل.. ومثلت هذه الثقافة أحد أهم الضغوط علي شخصيتها.. إلا أنها استطاعت ان تتجاوزها ـ نسبيا ـ حسب خصائص أسرتها وتعليمها وعملها.. أما الضغوط الاقتصادية التي تواجهها وتمثل تحديات تجعلها أحيانا غير قادرة علي تجاوزها مثل عدم ملاءمة الدخل مع الانفاق, التعرض لأزمات مالية ملحة تحول دون أداء بعض الأدوار الاجتماعية كتعليمها, أو تعليم أبنائها, أو زواجها, أو زواج الأبناء, أو تعطلها عن العمل أو تعطل أحد أفراد أسرتها أو أولادها, وهي جميعا تنتج فقر المرأة الريفية وأسرتها.
.. وأشارت الدراسة إلي كيفية مجابهة المرأة الريفية لهذه الضغوط الاقتصادية المتمثلة في الفقر والبطالة ورصدت ثلاثة أنماط من شخصية المرأة الريفية الفقيرة في تعاملها هي:
الاستسلام لهذه الضغوط وهو أسلوب قلة الحيلة, أو نمط المواءمة بين الدخل والاحتياجات لمحاصرة بعض ضغوط الفقر وتهذبها دون القدرة علي تجاوز هذا الفقر وهو أسلوب التحايل علي المعاش والنمط الأخير الذي تتطلع إليه لتجاوز تلك الضغوط الاقتصادية هو ما يوصف بنمط التحدي.
والحقيقة أن أنماط مواجهة المرأة الريفية للضغوط الاقتصادية لا تختلف عن انماط مواجهة المرأة المصرية لهذه الضغوط, خصوصا في الطبقات الفقيرة والوسطي.. فالفقر والبطالة الآن تحولا إلي أزمة اجتماعية تعاني منها غالبية الأسر المصرية..
وتحدثت الدكتورة إحسان سعيد الخبير بالمركز عن شخصية المرأة البدوية بين الثبات والتغير الثقافي فقالت إن البدوية شخصيتها تتمتع بقدر كبير من الحرية الشخصية ليس فقط باعتبارها فردا له قيمته وكيانه في المجتمع ولكن باعتبارها إنسانا مسئولا عن تلك القدرة علي الاختيار, وتحمل تبعية هذا الاختيار من واقع معرفتها بما في صالحها.. إلي جانب أن المرأة البدوية لها شخصيتها الجلية بما يميزها من زي وعادات وتقاليد وقيم خاصة بها وبانتماءاتها العائلية والقبلية في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وإن اعتراها بعض التغيرات بهدف دمجها في المجتمع القومي ككل وبهدف تنميتها لتواكب المتغيرات المجتمعية الحديثة.. لكنها ستظل لها خصوصيتها الثقافية والاجتماعية شأنها شأن مجتمعها البدوي ككل.
الأنامالية والسلبية!
..وفيما يتعلق بالسمات الفردية للشخصية المصرية اتضح انتشار قيم مثل الفردية, الأنانية, المنفعة الخاصة, والتقليل من قيم العطاء للمجتمع, بالإضافة إلي التغيير في قيم الطبقة الوسطي المصرية التي تحولت لمستودع لقيم مختلفة بل ومتناقضة, واتضح أيضا ظهور التناقض في بنية الشخصية المصرية بين نمطين يعيشان في نفس السياق المصري: نمط ايجابي متمثل في النموذج الفاعل للشخصية المصرية, ونمط آخر سلبي تحدث عنه الدكتور محمود عودة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس, وقال إن من أبرز صفاته التالي:
ــ السلبية والأنامالية بمعني أن الايجابية والاقدام مجلبة للمتاعب والمشكلات.. وأن الشخص الأنامالي الذي يعمل ودنا من طين وودنا من عجين هو الشخص المفضل والمرغوب.
ــ الرضا بالواقع والقناعة والبعد عن التطلع والطموح كمحاولة للتكيف واتقاء شرور الكبار تحت مظلة اللي مالوش كبير يشتري له كبير.. المية متطلعش في العالي.. أنا كبير وانت كبير ومين يسوق الحمير..
ــ التحايل علي الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكبت المشاعر والظهور بمظهر البلادة والحياد الوجداني والتخفي والنفاق والتكاسل في العمل.. بل تأتي أنماط أخري من التحايل علي المعايش في أحلك الظروف كالفهلوة.. الشطارة.. الخفة إلي جانب التعبيرات الشعبية التي لا نظير لها في ثقافات مجتمعات أخري مثل إحنا اللي دهنا الهواء دوكو.. وإحنا اللي خرمنا التعريفة.. فتح مخك.. وخف تعوم.. وغيرها..
ــ اللجوء إلي الطرق الصوفية والاندماج في الممارسات الدينية الشعبية والاعتقاد في الأولياء والأضرحة.. كبعض منفسات أو مسكنات تلجأ إليها الشخصية المصرية إزاء تحمل الضغوط والتعايش معها من ناحية ومقاومتها من ناحية أخري.
قضايا الأسرة وعلاقتها بسمات الشخصية
ومن الموضوعات المهمة التي ناقشها المؤتمر قضية الشخصية المصرية وثقافة التغيير من خلال ورقة عمل أعدتها الدكتورة نادية حليم المستشار بالمركز ومنسق برنامج بحوث المرأة, الدكتور حسن سلامة الخبير الأول بقسم بحوث واستطلاعات الرأي العام والتي عرضت ما أشارت إليه دراسة سابقة حول الشخصية المصرية والتي انتقينا منها عدم قبول التغيير السريع, والميل إلي التمسك بالتراث وعدم التجديد بسهولة, والازدواجية بين ما تقول وما تعتقد وما تفعل, والاستكانة والصبر.. وذلك مع الإقرار باحتمالات وجود هذه السمات في الشخصية المصرية ولكن بنسب متباينة بين الفئات المختلفة..
وعن تأثيرات هذه الصفات السلبية علي قضايا المرأة والأسرة تشير الدراسة علي سبيل المثال إلي مسألة الزواج العرفي والفارق بينه وبين الزواج الرسمي, الذي يعكس تناقضا بين الرأي والسلوك الفعلي, حيث إن المعرفة بأركان الزواج الرسمي, ومشكلات الزواج العرفي( السري) لم تمنع الاقبال عليه ـ كما تشير العديد من الدراسات.. وأيضا فيما يتصل بتعدد الزوجات يبقي الجدل مثارا دائما حول ما إذا كان هذا الأمر حقا مطلقا للرجل يمارسه متي شاء علي الرغم من علمه بالضرر المحتمل وقوعه علي الزوجة الأولي.. أم يمكن تقييده بشروط؟ كما يثور الجدل أيضا حول كيفية التقنين.. وما إذا كان الطريق إلي تحقيق ذلك يتعين أن يتم من خلال قواعد قانونية أم من خلال ثقافة دينية تتبني تفسيرا معينا في هذا الإطار؟؟
وأيضا تحدثت ورقة العمل عند قضايا أحوال شخصية أخري مثل الطلاق وضوابطه وإثبات النسب, ووثيقة الزواج, والرؤية.. ثم تعرضت لجزئية خاصة بقضايا الزواج والطلاق والحضانة في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.. ومعظم هذه القضايا تظهر التمسك بالتراث وتعبر عن تصلب ثقافي من الزوجين, واستكانة من جانب المرأة تحديدا, وعدم رغبة في تغيير وضعها, واستجداء البحث عن مشروعية للسلوك تحت مظلة الدين والدين منها براء..
ثقافة التحايل.. وسن الزواج
وطرحت د. هالة غالب خبير أول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تساؤلا مهما وهو: هل أصبح التحايل علي القانون إحدي سمات الشخصية المصرية في وقتنا الراهن؟
** وتحدثت عن أبرز صور التحايل انتشارا الآن موضوع سن الزواج والزواج المبكر والذي تلجأ إليه الأسرة المصرية في ظل الفقر والبطالة والأمية حتي أصبح إحدي المشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري, خاصة مع تعدد صوره وأشكاله..
الأمل موجود..!
كلمة أخيرة: إذا كانت موضوعات هذا المؤتمر رصدت وعرضت الكثير من السلبيات التي طرأت علي الشخصية المصرية فإن المتأمل للشخصية المصرية ـ كما قالت رئيس المؤتمر د. نجوي خليل ـ سيجد أنها تتميز بالعديد من السمات الايجابية عبر التاريخ.. ومن سمات هذه الشخصية أيضا التفرد, كما تحمل العديد من الميزات والسمات الايجابية والمرونة مما يجعلها قادرة علي التكيف مع كل المتغيرات المجتمعية المحلية والعالمية, والسبب في ذلك ـ كما يقول الدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة المركز ـ قد يرجع إلي وجود جينات مميزة في الشخصية المصرية تدفعها باستمرار نحو الايجابية.
ساحة النقاش