فريق أمريكي يشيد أول خلية حية اصطناعية من البكتريا
حسن فتحي
أثار اكتشاف علمي جديد الجدل في الولايات المتحدة بشأن تخليق الخلايا, وذلك بعد أن نجح علماء أمريكيون في تطوير أول خلية حية اصطناعية قابلة للتكاثر الذاتي في المعمل أو المختبر, بعد ابحاث استمرت15 عاما.
كان الهدف منها تركيب سلسلة موروثات جينية' كروموزومات' مستقلة. وقال العاملون علي مشروع تخليق خلايا اصطناعية, ان استخداماته المستقبلية اكبر من ان تعد, لأنها تمتد من تخليق مكونات مجهرية مفيدة في المجال الطبي الي توفير وسائل لإنتاج طاقة بديلة او تنظيف البيئة. وعمل فريق من العلماء يقودهم كريج فنتر في مركزه العلمي الخاص في ميرلاند بالولايات المتحدة علي اخذ موروثات بكتيريا سريعة التكاثر, مكونة من مليون جين, ومن ثم تفكيكها واضافة مكونات جديدة اليها, في مشروع بدأ في عام1995, وبعد بناء المنظومة الجينية الجديدة, جري تثبيت مكوناتها باستخدام مادة مستخلصة من الخميرة, ومن ثم زرعها في خلية بكتريا افرغت من جيناتها القديمة, وقد تقبلت الخلية الجينات الجديدة وبدأت في التكاثر الطبيعي, وانفق العلماء40 مليون دولار حتي الآن علي المشروع.
ويشرح فنتر طبيعة المشروع قائلا ان:' هذه الخلايا حية, ولكن الفارق الوحيد بينها وبين سائر الخلايا هي انها لا تمتلك تاريخا طبيعيا, بل ان الكمبيوتر هو والدها'.
وأضاف قائلا: ان فريقه ترك بصمته الخاصة داخل الجينات المصنعة للبكتريا, وذلك عبر اربع سلاسل من السمات الوراثية التي تحمل شفرة تضم اسماء العلماء المشاركين في البحث وثلاثة اقوال تاريخية معروفة, الي جانب عنوان بريد الكتروني, وشرح العالم الامريكي اسباب ذلك بالقول انه قرر تحدي العلماء لمعرفة قدرتهم علي تفكيك جينات البكتريا التي ولدها في المختبر, داعيا كل من يتمكن من فك الأسرار الي مراسلته علي بريده الالكتروني الذي وضعه ضمن الجينات.
وتحدث فنتر عن خطواته المستقبلية لاستخدام هذه التكنولوجيا التي تسمح بتخليق خلايا تؤدي كل الوظائف الممكنة, وقال انه عقد شراكة مع إحدي الشركات للتلاعب بجينات طحالب بحرية بشكل يجعلها قادرة علي امتصاص الكربون من الهواء وتحويله الي وقود, وكذلك باشر في تطوير لقاحات بالتعاون مع شركة أخري بالاعتماد علي هذه التقنية, وقد تظهر تلك اللقاحات في الاسواق خلال عام.
لكن بعض الجماعات تخشي من احتمال ان تستخدم التكنولوجيا الجديدة في صنع اسلحة بيولوجية, لذا سارعت لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الامريكي الي ترتيب جلسة هذا الاسبوع لمناقشة عواقب هذه الخطوة ما لها وما عليها, بينما هون آخرون من شأن مدي ما بلغه العلماء في مسعاهم لاصطناع الحياة.
وتعقيبا علي هذه النتائج, يؤكد في البداية الدكتور عبدالفتاح عطاالله أستاذ الوراثة بجامعة جورج واشنطن أن ما أنجزه كريج فنتر وفريقه يعد إنجازا كبيرا علي طريق العلم, وذلك بتمكنه من تصنيع الجينوم معمليا وإدخاله في البكتريا الجاهزة, وما عدا ذلك فهو مبالغة, لذا فإنه يسجل مجموعة من النقاط لمزيد من التوضيح, هي كما يلي:
* أن لهذا العالم معهدين الأول في ميرلاند باسم معهد كريك فنتر, والثاني في سان دييجو بكاليفورنيا, وأن العلماء استطاعوا منذ حوالي25 عاما عمل ترتيب جيني لأي خلية, وقد بدأ ذلك سنجر وزملاؤه عام1977, وبعد ذلك بنحو15 ـ18 عاما استطاع العلماء عمل ترتيب جيني للبكتيريا, وهي أكبر من الفيروس, وكان ذلك عام1995 وكان من بينهم كريج نفسه.
* وكانت البدايات هي الإمساك بجينوم البكتريا وتقطيعه إلي قطع صغيرة باستعمال إنزيمات معينة, ثم تؤخذ الأجزاء التي تم تقطيعها وتوضع في مكان آخر, من هنا اكتسبت الهندسة الوراثية تسميتها, حيث يتم ـ مثلا ـ أخذ جين معين من جينوم الإنسان ووضعه في البكتريا حتي نصنع الأنسولين, وقد أحدث ذلك رد فعل كبيرا آنذاك قبل25 عاما.
*منذ نحو25 عاما تم صنع جهاز أو ماكينة لتصنيع الجينوم, فلو كان الترتيب الجيني معروفا لأمكن تصنيع الجين بالماكينة, فالتصنيع في حد ذاته معروف من خلال ماكينة الجينوم, واليوم يمكن تقطيع الجين الطبيعي وأخذ أجزاء منه, ثم تصنيع الجين الذي نريده.
* الجديد الذي جاء به كريج أنه بدأ يأخذ أجزاء طبيعية من جينوم البكتريا, وأجزاء هو صنعها ووضعها في البكتريا' بنفس فكرة الاستنساخ' وأجري تجارب عديدة علي أساس أن البكتريا تنقسم وتنمو, لكن تجدر الإشارة إلي أن كل هذه الأبحاث أجريت علي بكتريا, وهي صغيرة جدا, ولايمكن مقارنتها بنفس الدرجة البالغة من التعقيد التي تتمتع بها الخلية البشرية.
* ووفقا للدكتور عطا الله فإن عنوان هذا البحث مبالغ فيه, لأنه لم يحدث تخليق, كما يقول, بل مازالت هناك نواقص في البحث يجب حلها, وما فعله كريج أنه أخذ الجينوم المصنع ووضعه في خلية بكتيرية جاهزة ثم انقسمت بعد ذلك, لكنه لم يخلق جدارا للخلية الذي سيحوي الجينوم من الداخل, واعتمد علي أن هذه الخلية التي نقل فيها الجينوم بعد فترة ستختفي بروتيناتها الأصلية وأن الجينوم الذي وضعه هو الذي سيكون مسيطرا علي كل شئ, بمعني أنه يمكن إطلاق مصطلح التخليق حين يكون هذا العالم قد استطاع أن يصنع سيتوبلازم الخلية وجدارها, لكن هذا لم يحدث.
* القول بأن هذا الإنجاز سيمكن العلم من تصنيع وقود, مبالغ فيه لأن ذلك يتم حاليا بالهندسة الوراثية.
ساحة النقاش