الصوت والدلالة دراسة في ضوء التراث وعلم اللغة الحديث
ـــ الدكتور محمد بو عمامة* منقول
إن اللغة ظاهرة صوتية تختلف اختلافاً كلياً عن سائر الرموز الأخرى غير اللغوية، ومن ثم فإن دراستها دراسة علمية تستوجب البدء بالأصوات بوصفها وحدات مميزة تنتج عنها آلاف الكلمات ذات الدلالات المختلفة.‏
‏ وتجدر الإشارة إلى أن ما نود الحديث عنه في هذا السياق هو القيمة الدلالية للصوت أي الفونيم)، على أساس أن الفونيمات تلعب دوراً فعالاً في تحديد دلالات الكلمات.(1)‏
والفونيم كما يعرفه بعض اللغويين هوصوت نموذجي يحاول المتكلم تقليده. كما يعرفه بعضهم بأنه أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني. والفونيم نوعان: قطعي Segmental، وفوقطعي Suprasgmental. ويشمل النوع الأول الصوامت والصوائت، وأما النوع الثاني فيشمل النبرات والأنغام والفواصل…)).(2)‏
إذن، النوع الأول من الفونيمات يشمل الحروف والحركات، والنوع الثاني يشمل النبر والتنغيم،وهذا ما سنركز عليه في تحليلنا هنا، مع عرض قضايا صوتية أخرى ستأتي في حينها.‏
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن مسألة القيمة الدلالية للصوت مسألة قديمة قدم التفكير اللغوي، غير أن خير من فصل القول فيها- في تقديرنا- هم علماء العربية الذين كانت لهم في ذلك لفتات طريفة، ونظرات بارعة تنم على حسهم المرهف، وذوقهم الموسيقي السليم. وتتمثل القيمة الدلالية للصوت في الجوانب الآتية:‏
أ- التبديل: Substitution‏
نود أن نشير-بادئ ذي بدء- إلى أن التبديل الذي نريد الحديث عنه هنا ليس هو الإبدال بمفهوم القدماء، والذي يعني إقامة حرف مكان حرف آخر في كلمة واحدة والمعنى واحد، والذي يكون في الغالب الأعم إما ضرورة وإما صنعة واستحسانا، ويقابله في اللسانيات الحديثة مصطلح‏
Mutation، بل نعني بالتبديل إحلال صوت مكان صوت آخر بحيث يؤدي ذلك إلى حدوث تغير في دلالة الكلمة، وهذا النوع نجده بكثرة في مؤلفات اللغويين القدماء على الرغم من أنهم لم يشيروا إلى ذلك بتصريح العبارة. ويعد ابن جني)) واحداً من العلماء الذين اشتهروا بالبحث في الأصوات ودورها في تحديد دلالات الكلمات، وذلك نتيجة تعامله المستمر مع هذه الأصوات التي طبعت في ذهنه دلالات مختلفة.‏
فلقد أدرك بعبقريته الفذة أن للفونيمات دوراً كبيرا في تحديد دلالة الكلمات، ناهيك عن أن إبدال الصوامت ينتج عنه تغير في الدلالات، وإن كان ابن جني لم يشر إلى ذلك بصريح العبارة، إلا أن في كلامه ما يوحي بذلك. يقول في كتابه الخصائص)):‏
فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع، ونهج متلئب عند عارفيه مأموم، وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعدلونها بها ويحتذون عليها. وذلك أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره.‏
من ذلك قولهم: خضم، وقضم، فالخضم لأكل الرطب، كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب، والقضم للصلب اليابس، نحو: قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك.. فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث.‏
ومن ذلك قولهم: النضح للماء ونحوه، والنضح أقوى من النضح، قال الله سبحانه: فيهما عينان نضاختان).(3) . فجعلوا الحاء-لرقتها- للماء الضعيف، والخاء-لغلظها- لما هو أقوى منه)).(4)‏
إذن، لقد أدرك ابن جني بحسه المرهف أن الفونيمات تلعب دوراً هاماً في الدلالة، وأن الإبدال الذي يحصل بينها يولد دلالة جديدة. ونلاحظ ذلك في: خضم وقضم، ونضح ونضخ. فالخاء في المثال الأول تدل على الرخاوة، وبالتالي جاء الفعل خضم)) للدلالة على أكل الرطب، والقاف تدل على الشدة ومن ثم جاء الفعل قضم)) للدلالة على أكل اليابس. والشيء نفسه ينسحب على المثال الثاني، فالحاء لرقتها جعلت من الفعل نضح)) يدل على تسرب السائل في تأن وبطء، والخاء لغلظها جعلت من الفعل نضخ)) يدل على فوران السائل في قوة وعنف.‏
ويعزز ابن جني رأيه هذا بقوله: ومن ذلك القد طولا، والقط عرضا. وذلك أن الطاء أحصر للصوت وأسرع قطعا له من الدال. فجعلوا الطاء المناجزة لقطع العرض لقربه وسرعته، والدال المماطلة لما طال من الأثر وهو قطعه طولا)).(5)‏
ومن ذلك أيضاً قوله في المحتسب)): القبض بالضاض معجمة باليد كلها، وبالصاد غير معجمة بأطراف الأصابع. وذلك أن الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها جعلت عبارة عن الأكثر، والصاد لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها جعلت عبارة عن الأقل)).(6)‏
ويورد ابن جني أمثلة كثيرة من هذا القبيل تدعم رأيه هذا، حرصاً منه على اكتشاف المجهول من أسرار اللغة، وإماطة الغطاء عن الحقائق المستورة والعلل الخفية من خصائصها، وهذا كله عن طريق التأمل، وترديد الفكر، وكد النظر.‏
كما نظر ابن جني في الصوائت الحركات) ووجد أنها تلعب هي الأخرى الدور نفسه الذي تلعبه الصوامت، وأن إبدال الصوائت Apophonie يلعب هو الآخر دوراً مهماً في أداء دلالات مختلفة. فمن ذلك قوله: الذّل في الدابة ضد الصعوبة، والذّل للإنسان وهو ضد العز، وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان، والكسرة للدابة، لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدراً مما يلحق الدَّابة)).(7)‏
وبنظرته الفاحصة هذه يكون ابن جني قد حاز شرف السبق إلى مثل هذا التحليل، متقدماً بذلك جميع علماء اللغة المحدثين. فهذا الفيلسوف الهولندي بوص)) Pos يذهب إلى ما ذهب إليه ابن جني بخصوص القيمة الدلالية للصوت الفونيم). فهو يرى أن الانتقال من الفونيم الذي يدل على نفسه بنفسه إلى الكلمة التي تدل على شيء آخر لا يعد انتقالاً كبيراً، وبخاصة إذا وضع الإنسان في اعتباره-ولأول مرة- أن الكلمات تتألف من فونيمات، وأن المعاني الناتجة عن وضع الكلمات في تراكيب معينة تختلف اختلافاً جذرياً عن معاني الكلمات وهي مفردة)).(8)‏
فالذي يعنيه بوص)) بكلامه هذا هو أن الفونيم هو الذي يوحي بدلالة الكلمة، كما أن هذه الأخيرة هي التي توحي بدلالة الجملة.‏
كما نجد أن نظرة ابن جني هذه قد سبقت نظرة اللغوي الإنجليزي الشهير فيرث)) Firth الذي تحدث عما أسماه الوظيفة الفوناستيتيكية))، Phonaesthetic Function، ويعني بذلك تلك العلاقة القائمة بين الكلمات التي تبدأ بحرفين، مثل: ST أو SN أو SL وذلك في مثل: (9)‏
Stack: كومة، ركام، مقدار معين.‏
Stick: عصا، عود، قضيب.‏
‏ Stub: أصل الشجرة الباقي بعد قطع جذعها.‏
Stud: خشبة تسمر عليها الألواح المستخدمة في تشييد جدران المنازل.‏
‏ Slim: ينحل، يهزل… الخ.‏
Slit : يلوز، يضيق… الخ.‏
‏قلت، يذهب فيرث)) إلى أن الكلمات التي تبدأ بحرفي ST أو SN أو SL تنتمي كل مجموعة منها إلى معنى عام. وهي نظرة نجدها كذلك عند ابن جني حين قال:‏
واستعملوا تركيب ج ب ل) وج ب ن) و ج ب ر) لتقاربها في موضع واحد، وهو الالتئام والتماسك. منه: الجبل لقوته وتماسكه، وجبن إذا استمسك وتوقف وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه إذا قويته)).(10)‏
وإذا أمعنا النظر في هذه الكلمات فإننا سنجد ما يلي:‏
في أمثلة فيرث)) نلاحظ أنه حصل في الفئة أ)) إبدال بين الصائتين Voyelles "a" و"I" وفي الفئة ب)) حصل إبدال بين الصامتين Consonnes "b" و"d"، وفي الفئة ج)) حصل إبدال بين الصامتين "m" و"t".‏
الشيء نفسه يصدق على أمثلة ابن جني، فلقد حصل إبدال بين حروف اللام والنون والراء، مع الاحتفاظ بالجذر ج ب). وفي كل هذه الأحوال تنتج دلالات جديدة كلما أبدل صائت بصائت أو صامت بصامت.‏
ومن علماء العربية الذين أدركوا هذه الظاهرة الصوتية العالم اللغوي ابن فارس)) في معجمه مقاييس اللغة)). فهو يورد كمّا كبيراً من الكلمات التي حصل فيها مثل هذا الإبدال، فأدى كل صامت دلالة تختلف عن الدلالة التي أداها صامت آخر، ومن هذه الأمثلة ما يلي
11) .‏
فر: الفاء والراء يدلان على معان ثلاثة. الأول: الانكشاف، في قولهم: فرّ عن أسنانه إذا تبسم أي كشف عنها). والثاني: جنس من الحيوان في مثل: الفرير وهو ولد البقرة. والثالث: الخفة والطيش. يقال: رجل فرفار بمعنى طائش.‏
فز: يدل على الخفة.‏
فش: يدل على الانتشار وقلة التماسك.‏
فض: يدل على التفريق والتجزئة.‏
فظ: يدل على الكراهة.‏
فغ: يدل على محاكاة الصوت. يقولون: الفغفغة.‏
كما أورد ابن فارس في مقاييسه جملة من الألفاظ الأخرى التي تتألف من مادة واحدة وهي الفاء والراء ف. ر) وفونيم ثالث يغير معنى هذه المادة كلما حصل إبدال، ومن هذه الألفاظ
12)‏
فرز، فرس، فرش، فرص، فرض، فرط، فرع، فرغ، فرق، فرك، فرم، فره، فري، فرت، فرث، فرج، فرح، فرخ، فرد، الخ… وكذلك مادة ق. ط) مع فونيم ثالث، في مثل: قطع، قطف، قطل، قطم، قطن، قطو، قطب، الخ…(13) .‏
ومن العلماء الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة كذلك: ابن دريد)) والثعالبي)) والفارابي)). وقد أورد السيوطي في المزهر)) كماً كبيراً من الألفاظ التي أتى بها هؤلاء، وكلها تدور في فلك الإبدال وما تلعبه الفونيمات المبدلة من أدوار في تغيير دلالات الكلمات، ومن هذه الألفاظ
14)‏
الجَمْجَمة: أن يخفي الرجل في صدره شيئاً ولا يبديه.‏
الحَمْحَمة: أن يردد الفرس صوته ولا يصهل.‏
الدحداح: الرجل القصير.‏
الرحراح: الإناء القصير الواسع.‏

الجَفْجَفة: هزيز الموكب وحفيفه في السير.‏
الحَفْحفة: حفيف جناحي الطائر.‏

الجرجرة: صوت جرع الماء في جوف الشارب‏
الخرخرة: صوت تردد النفس في الصدر.‏

الكهكهة: صوت ترديد البعير هديره.‏
القهقهة: حكاية استغراب الضحك.‏

الوعوعة: صوت نباح الكلب إذا ردده.‏
الوقوقة: اختلاط أصوات الطير.‏
الوكوكة: هديل الحمام.‏

الجف: وعاء الطلعة إذا جف.‏
الخف: الملبوس.‏

الشازب: الضامر من الإبر وغيرها.‏
الشاصب: أشد ضمراً من الشازب.‏

ومن ذلك أيضاً:‏
النقش في الحائط.‏
الرقش في القرطاس.‏

الوشم في اليد.‏
الوسم في الجلد.‏

- الضرب على مقدم الرأس صقعٌ‏
- وعلى القفا صفعٌ‏
- وعلى الخد ببسط الكف لطمٌ‏
- وبقبض الكف لكمٌ‏
- وبكلتا اليدين لدمٌ‏
- وعلى الجنب بالإصبع وخزٌ‏
- وعلى الصدر والجنب وكز ولكزٌ‏
- وعلى الحنك والذقن وهز ولهزٌ‏
ويقال أيضاً:‏
- خذفه بالحصى‏
- حذفه بالعصا‏
- قذفه بالحجر‏
ومنه أيضاً:‏
- إذا أخرج المريض صوتاً رقيقاً فهو: الرنين‏
- فإذا أخفاه فهو: الهنين‏
- فإذا أظهره فخرج خافتاً فهو: الحنين‏
- فإذا زاد فيه فهو: الأنين‏
- فإذا زاد في دفعه فهو: الخنين‏
ولقد كان لعلماء اللغة العرب المحدثين آراء متباينة بخصوص هذه القضية. فلقد انطلقوا من فكرة المناسبة الطبيعية بين الألفاظ ومعانيها))، وحصروا أنفسهم داخل هذه القضية، لينتهوا في الأخير إما إلى إنكار هذه المناسبة الطبيعية، وأما إلى الإقرار بها عن اقتناع كامل.‏
ولعل السيوطي هو الذي صرح بفكرة المناسبة هذه، وذلك عندما علق على الألفاظ التي أوردها في مزهره في باب مناسبة الألفاظ للمعاني)) قائلاً: فانظر إلى بديع مناسبة الألفاظ لمعانيها، وكيف فاوتت العرب في هذه الألفاظ المقترنة المتقاربة في المعاني، فجعلت الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس لما هو أدنى وأقل وأخف عملاً أو صوتاً، وجعلت الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر لما هو أقوى عملاً وأعظم حساً…)).(15)‏
أقول إن السيوطي هو الذي صرح بفكرة المناسبة هذه، وذلك بعدما جمع مادته من مؤلفات سابقيه كسيبويه، وابن جني، والثعالبي، وابن دريد، ثم تابعه علماء عرب محدثون في هذه القضية، إلى أن انتهى أحدهم-وهو الدكتور إبراهيم أنيس- إلى وصف ما قاله ابن جني والثعالبي بتخيلات وتأملات تشبه أحلام اليقظة، وذلك في قوله: وهكذا نرى أن ابن جني كان ممن يؤمنون إيماناً قوياً بوجود الرابطة العقلية المنطقية بين الأصوات والمدلولات أو ما يسميه بعض المحدثين بالرمزية الصوتية، بل لقد غالى ابن جني في هذا ومعه الثعالبي صاحب فقه اللغة إذ جعل مجرد الاشتراك في أصلين فقط من الأصول الثلاثية دليلاً على الاشتراك في معنى عام لبعض الكلمات، فيقرر أن المعنى العام للتفرقة يكون بين صوتي الفاء والراء، والمعنى العام للقطع يكون بالقاف والطاء، إلى غير ذلك من تخيلات وتأملات تشبه أحلام اليقظة عند رجل اشتد ولعه باللغة العربية فتصور فيها ما ليس فيها، وأضفى عليها من مظاهر السحر ما لا يصح في الأذهان ولا تتصف به لغة من لغات البشر)).(16)‏
ويستمر الدكتور إبراهيم أنيس في إصراره على أن هؤلاء العلماء قد اشتد ولعهم بالبحث في المناسبة الطبيعية بين الألفاظ ومعانيها، لينتهي في الأخير إلى إنكار هذه القضية.‏
الواقع أن ما ذهب إليه الدكتور أنيس لا يعد بدعاً في الدرس اللغوي الحديث، بل سبقه إلى ذلك علماء لهم قدرهم في مجال البحث اللغوي. فهذا سوسير)) رائد علم اللغة الحديث يتحدث عما يسمى باعتباطية العلامة اللغوية L,arbitraire du signe linguisique، ويذهب إلى أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية، ويضرب لذلك مثلاً بكلمة Soeur، ويرى أنه لا توجد أية رابطة بين الفونيمات S.O.R وبين مدلولها، بل أنه يمكننا أن نعبر عن هذا المدلول بأي تتابع صوتي آخر مشابه، هذا بالإضافة إلى أن جميع لغات العالم تستعمل في التعبير عن هذا المفهوم كلمات تختلف اختلافاً جذرياً.(17)‏
وإذا كان الدكتور إبراهيم أنيس قد ذهب مذهب كثير من علماء اللغة الغربيين في رفض مثل هذه المناسبة الطبيعية، فإن محمد المبارك من الذين ناصروا هذه القضية ودافعوا عنها دفاعاً شديداً. ولقد خصص في كتابه فقه اللغة وخصائص العربية)) مبحثين خص بهما: القيمة التعبيرية للحرف الواحد في اللغة العربية، والوظيفة البيانية والقيمة التعبيرية للحروف في اللغة العربية. فهو بعد أن يستعرض كثيراً من أقوال ابن جني وغيره، يخلص إلى القول بأن ثمة أمثلة كثيرة في العربية تدل على التناسب الصوتي والتقابل الموسيقي في تركيب الكلمات وحروفها، ولكن هذه الملاحظات والأمثلة التي أوردها بعض اللغويين قديماً وحديثاً لا تكفي لإقامة نظرة عامة واستنباط قانون عام قبل توسيع أفق الملاحظة والاستقراء، وهي على كل حال تدل على ما في اللغة العربية من الخصائص الموسيقية في تركيب كلماتها، وعلى ما بينها وبين الطبيعة من تقابل صوتي وتوافق في الجرس، وذلك أول دليل تقدمه لنا العربية من خاصتها الطبيعية وعلى أنها بنت الفطرة والطبيعة)).(18)‏
ونظرة الأستاذ محمد المبارك هذه قد سبقت هي الأخرى بنظرات علمية لغوية غربية، تؤيد هذه العلاقة وتناصرها. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر العالم اللغوي يسبرسن)) الذي يذهب إلى أن مثل هذه العلاقة ليست مطردة في جميع كلمات اللغة، وأن الكثير من هذه الكلمات التي تتمثل فيها هذه الظاهرة تزول منها مع مرور الزمن، وأن كلمات أخرى تكتسب هذه السمة ثم تزول منها، وهكذا…(19)‏
والحقيقة أن ما ذهب إليه علماء العربية-على نحو ما بيناه- لا يعني المناسبة الطبيعية فحسب- لأن هذه الظاهرة ليست مطردة بالشكل الذي يجعلنا نجزم بأنهم مولعون بها على حد تعبير الدكتور أنيس- إنما هم يتحدثون عن نظرية الفونيم بمفهومها الحديث، وهي أن الفونيم هو أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني. فكثير من ألفاظ اللغة تتحد من حيث مكوناتها وتختلف في وحدة صوتية صغرى يتغير بموجبها معنى هذه الكلمات.‏
فابن جني-كما أوضحنا ذلك من قبل- يتحدث عن مراحل معينة في نظرية الفونيم، إنه يركز على الثنائيات الصوتية التي تختلف من ناحية المخرج أو الصفات، ويرى أن تقارب معنى الكلمتين يكون نتيجة تقارب الصوتين. ولكن هذا لا يعني أن الكلمتين تحملان معنى واحداً، بل إن لكل كلمة معنى مخالفاً، ونلاحظ ذلك في مثل: الخضم والقضم، والأز والهز، والعسف والأسف… إلى غير ذلك من الأمثلة.‏
أما مسألة محاكاة أصوات الطبيعة أو ما يعرف بالأنوماتوبيا Onomatopée وعلاقتها بمناسبة اللفظ للمعنى، فتلك قضية تتعلق بنشأة اللغة الإنسانية، وكان لعلماء العربية القدامى كما لعلماء اللغة المحدثين آراء ونظريات خاصة بهذا المجال.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 52/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
18 تصويتات / 522 مشاهدة
نشرت فى 18 مايو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,450