والتي أفرزت لنا ظاهرة اجتماعية أخري يتم بحثها حاليا وهي تأنيث الجريمة ضد كبار السن. فمن خلال ورقة عمل بحثية أعدها كل من د. عزت حجازي الأستاذ غير المتفرغ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية, ود. عزة عبدالكريم بقسم علم النفس ــ آداب القاهرة وتناولت ظاهرة العنف ضد كبار السن, تبين أن النساء كبيرات السن يعانين من ظاهرة العنف بدرجة أكبر من الرجال كبار السن, لأنهن يعشن أطول, ويتسمن بالوهن العضوي مما يجعلهن أضعف, ويترملن ويعشن بمفردهن بنسبة أكبر من الرجال. هذه الأسباب مهدت إلي ظاهرة تأنيث الجريمة ضد كبار السن.. لأن الظروف التي يعش فيها تجعلهن هدفا سهلا, وموضوعا مغريا للجريمة.. وهذا يخلق فيهن شعورا بالخوف المبالغ فيه من إمكانية استهدافهن بالجرائم.. وهو شعور يساعد في ترسيخه لديهن نقص الثقة في كفاية ما يتوافر لهن من حماية وأمن, خاصة أنهن مضطرات إلي الاعتماد علي غيرهن في تصريف بعض شئون الحياة اليومية وقضاء الحاجات الضرورية, مما يتطلب تردد كثيرين عليهن في بيوتهن مثل كشاف الكهرباء, والغاز, السباك, الكهربائي, صبي البقال.. وغيرهم, ومنهم الطيب الأمين في معاملة المسنة ومنهم أيضا من ليس كذلك. وأشارت الدراسة إلي أن أكثر ما يغري في المسنة الثروة المالية, والمقتنيات الثمينة داخل البيت.. ولهذا تأتي السرقة علي قمة الجرائم التي ترتكب في حقهن, وقد يصحبها أحيانا عنف كالضرب.. وأحيانا حين يكون الجاني معروفا لدي المجني عليها, فإنه في محاولة لتفادي افتضاح أمره قد يصل عنفه إلي درجة التورط في القتل. وذكرت الدراسة أن الطمع عند النزاع علي الميراث.. والذي شمل المسكن أيضا.. أفرز جرائم أخري أبرزها النصب والتزوير والطرد من السكن. وقد اتضح أن أبرز فئات الجناة غالبا ــ كما تشير الدراسة ــ هم: الأقارب, الخدم, الجيران, الحرفيون, مقدمو الخدمات وغيرهم من الأشخاص الأقرب إليهن أو الأكثر تعاملا معهن وترددا علي بيوتهن. وهذا يؤكد اتساع الهوة بين ما تحض عليه التعاليم الدينية والقيم, وبين واقع حياة كبار السن خصوصا الإناث. وعلي الرغم من أن العنف ضد كبار السن هو من أقدم صور العنف, وأكثرها, وأنه قد برز منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي كأحد أكبر الهموم القومية وأكثرها إثارة للشجن كما ترصدها وسائل الاتصال, إلا أن إعمال قاعدة البيانات الحديثة لكبار السن لم تتضمن سوي دراسات قليلة لموضوع العنف ضد كبار السن في مصر, وبصورة غير مباشرة.. والسبب في ذلك أننا نريد أن نصدق, ويصدق غيرنا أننا نتعامل مع كبار السن حسب ما تقضي به التعاليم الدينية والقيم الاخلاقية. ولكن يبدو أن تعرض كبار السن للعنف بدأ يتجه إلي بلوغ حد الخطورة.. بالرغم من أن نسبة ما يكشف عنه من حالات لاتزال صغيرة بالقياس الي ما يحدث فعلا, فما يكشف عنه ليس سوي قمة جبل جليد تغمره المياه كما يقال.. فحتي وقت غير بعيد كما يشير د. عزت حجازي كان ينظر الي هذه المشكلة علي أنها تدخل فيما يعد من الشئون العائلية وليست قضية عامة.. لذلك لابد من السعي لاحتواء العنف ضد كبار السن, وحماية الأشخاص الأكثر تعرضا له, والتخفيف من وقعه عليهم.. ويحتاج هذا الي وعي عام ودراسات وبحوث ميدانية وغير ميدانية حتي يمكن أن نكشف عن طبيعة الظاهرة, وأبعادها الحقيقية, والدوافع إليها, والأساليب المؤثرة للتعامل معها.. ويعرض د. عزت حجازي فكرة الخط الساخن لمساعدة ورعاية كبار السن في مصر, الذي يمكن أن يوفر الرد السريع علي استغاثة من يتعرض لعنف ينطوي علي احتمال حدوث ضرر, أو وجود خطر علي صحته أو ماله, كما يمكن أن يوفر هذا الخط أيضا قناة اتصال للإفادة من المساعدة القانونية من جهة, والشكوي إلي الجهة المختصة من جهة ثانية.. خاصة أن كبار السن سيصل عددهم بمصر سنة2025 إلي11 مليون نسمة ليشكلوا1.5% من إجمالي السكان, وذلك في الوقت الذي ستنخفض فيه نسبة الأطفال أقل من15 سنة ليصلوا إلي24% من الإجمالي في نفس السنة حسب ما كشفت عنه دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ــ والتي أضافت نتائجها أيضا أن نسبة كبار السن ستستمر بعد ذلك في الارتفاع, وفي نفس الوقت ستواصل نسبة الاطفال انخفاضها لتقترب نسبة كبار السن سنة2050 من ربع إجمالي السكان حيث سيصل عددهم إلـي23.8 مليون نسمة, بينما تنخفض نسبة الاطفال إلي20.2%. فهل يمكن أن يري هذا الاقتراح الطريق الي التنفيذ؟.
|
ساحة النقاش