الموجز في تاريخ السينما  عدنان مدانات

في عام 1962 وأثناء انعقاد مهرجان اوبرهاوزن للأفلام القصيرة في ألمانيا أصدر 26 مخرجا وفنانا وكاتبا سينمائيا ألمانيا بيانا عبروا فيه عن رغبتهم في خلق سينما روائية ألمانية ضمن حركة سينمائية جديدة تعكس قضايا الواقع الاجتماعي، متحررة من الاعتبارات التجارية وسيطرة كبار الممولين. من أجل تحقيق أهدافها ساعدت هذهالمبادرة  على إيجاد مؤسسات جديدة للتمويل تتجاوب مع أهدافها. من اشهر مخرجي هذه الحركة راينر فاسبندر و فولكر شلندروف وويرنر هيرتزغ والذين صنعوا أفلاما تنتقد الروح البرجوازية التي بدأت تسود في المجتمع بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومن غرائب الأمور أن أفلام هذه الحركة لاقت صدى عالميا ونجحت خارج ألمانيا ولكن استقبالها من قبل الجمهور الألماني لم يكن بحجم استقبالها في الخارج.
منذ أواخر الخمسينات والستينات انطلقت من فرنسا "موجة السينما الجديدة " التي ضمت مخرجين، بعضهم جاء إلى الإخراج من حقل النظرية، ولكل منهم أسلوبه الخاص، لكن يجمعهم هاجس الحداثة والتجديد. وهذا ما أوضحه الناقد والمخرج فرانسوا تروفو في مقالة له بعنوان " اتجاهات واضحة في السينما الفرنسية " نشرها في مجلة " دفاتر السينما " التي كان يشرف عليها الباحث السينمائي أندري بازان، الأب الروحي لمخرجي الموجة الجديدة الفرنسية. لكن هذه الموجة أفرزت أهم تيارين في السينما الفرنسية والعالمية في تلك الأوقات، أولهما تيار "سينما المؤلف" و يعود الفضل لانتشاره للمخرج والكاتب الروائي والناقد السينمائي ألكسندر أستروك، الذي اعتبر في مقالة شهيرة له نشرها عام 1948 بعنوان " الكاميرا – القلم" أن: " المخرج المؤلف يكتب بالكاميرا مثلما يكتب الكاتب بالقلم".
إضافة إلى "سينما المؤلف" أفرزت موجة السينما الجديدة مصطلح "سينما الحقيقة" أو "السينما المباشرة"، وهما مصطلحان استخدمهما النقاد لتفسير الاتجاه نحو المنهج التسجيلي عند بعض المخرجين الفرنسيين في تلك الفترة، وهو اتجاه يستخدم الكاميرا المحمولة الخفيفة الوزن وتقنيات تسجيل الصوت المباشر المتزامن، لتصوير الأحداث لحظة حصولها في مكانها الطبيعي بدون سيناريو مسبق. كانت نظرية المخرج السوفييتي التسجيلي دزيغا فيرتوف حول تصوير الحياة على حين غرة، التي أعلنها في أواسط عشرينات القرن العشرين هي الملهم لهذا الاتجاه.
أحدث التيارات السينمائية الأوروبية جماعة سينمائية تأسست في الدانمارك في العام 1995 أعلنت عن نفسها عبر بيان سينمائي هام تضمن قسما مميزا يلتزم به أعضاء الحركة. هذه الجماعة هي " دوغما 95 " والتي لفتت أنظار العالم إليها بعد فوز اثنين من أفلام مخرجيها بجائزة مهرجان كان لعامين متتالين. الوجه الأبرز من بين أعضاء هذه الجماعة هو المخرج لارس فون تراير، والذي ابهر الناس بعد فوز فيلمه " راقصة في الظلام " بجائزة مهرجان كان السينمائي.

 

لارس فون تراير

برر مؤسسو الجماعة حركتهم التي تهدف إلى إنتاج أفلام بميزانيات منخفضة التكاليف وبكاميرات الفيديو الرقمية، بأنها عملية إنقاذ للسينما عن طريق مقاومة التوجهات المهيمنة على السينما السائدة المعاصرة. وتميز هذه الجماعة نفسها عن حركة الموجة الجديدة التي برزت في فرنسا في الستينات بأنها تملك، بفضل الكاميرات الرقمية، الوسائل التي تساعدها على تحقيق أهدافها، في حين أن حركة الموجة الفرنسية الجديدة وضعت أهدافا صحيحة لها ولكن بدون توفر الوسائل الملائمة لتحقيق تلك الأهداف. وبعكس حركة الموجة الجديدة والتي دعت لسينما المؤلف وأفلام التعبير الذاتي، تسعى جماعة " دوغما 95 " للابتعاد عن الروح الفردية في السينما بل وتشترط أن لا تضم عناوين الفيلم أسم مخرج. وتعتبر الجماعة أن شعارات الحرية والفردية التي انطلقت منها الموجة الجديدة الفرنسية أنتجت بعض الأعمال الجيدة ولكنها لم تتمكن من الاستمرار. أما جماعة " دوغما 95 " فقد حاولت الاستفادة مما سمته العاصفة التقنية الهائجة للوصول إلى سينما ديموقراطية، معتبرة أن التقنيات الحديثة باتت، ولأول مرة في التاريخ، تتيح الإمكانية لأي إنسان لكي يصنع فيلما. وتعتبر الجماعة أن السينما السائدة اكتسبت خلال مائة عام من عمر السينما الخبرة في خداع الجمهور عن طريق استخدام التأثيرات العاطفية من اجل جعل الجمهور يعيش في الوهم، في حين أن الجماعة تريد أن تخلص السينما من الخداع والوهم، وبدلا من استخدام التقنيات الرقمية الحديثة في مزيد من الخداع والوهم، كما تفعل السينما السائدة، تسعى الجماعة للاستفادة من هذه التقنيات لإنتاج سينما مختلفة.

لم يقتصر ظهور الحركات والتيارات والمدارس السينمائية ذات الخلفية الجمالية والفكرية على السينما في أوروبا، ففي ستينات القرن العشرين، و بعيدا عن هموم وتطلعات سينمائيي القارة الأوروبية،  ظهرت في البرازيل حركة سينمائية شابة بدت متميزة في طروحاتها ذات الطابع الثوري وانتشرت عدوى أفكارها بسرعة بين سينمائيي العالم الثالث. تلك كانت حركة السينما البرازيلية الجديدة، المعروفة باسم " سينما نوفو "، ومن أبرز مخرجيها عالميا غلوبير روشا، وهي كانت الأكثر تعبيرا عن تطلعات سينمائيي الدول النامية اليسارية النزعة والأكثر استيعابا للظروف والشروط الإنتاجية التي تحيط بسينمائيي الدول الفقيرة أو النامية. نشأت حركة" سينما نوفو" نتيجة اهتمام عدد من المخرجين اليساريين البرازيليين من الجيل الشاب بالتعبير عن مشاكل التخلف في وطنهم نتيجة هيمنة الكولونيالية الجديدة واهتمامهم بتنمية ثقافة وطنية وبالتزامن مع انتشار حركات المقاومة الشعبية الفلاحية المسلحة في العديد من أقطار أمريكا اللاتينية. وقد طالب أولئك السينمائيين في بيان لهم لاقى اهتماما واسعا في حينه بين سينمائيي العلم الثالث من الجيل الشاب بتأسيس سينما برازيلية ذات هوية وطنية تستطيع أن تلغي الطابع الكولونيالي عن" لغة الفيلم"، وتسعى للتعبير عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للأمة، عن تاريخها وعن ثقافتها.

 

غلوبير روشا

وتحت تأثير الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الجديدة الفرنسية، رفض المخرجون البرازيليون نموذج الأفلام المنتجة داخل الأستوديو والتي تعتمد على التقنيات المتطورة المرتفعة الكلفة، وهو كان النموذج المتبع في الأفلام الهوليودية، كما رفعوا شعار " السينما الفقيرة "، أي السينما التي لا تعتمد على الإنتاج الضخم والتقنيات المتطورة للمؤثرات البصرية وغيرها. استمد مخرجو تلك الحركة مواضيع أفلامهم من الأحياء الفقيرة والأرياف وصوروا في الأماكن الحقيقية. كانت أفلامهم تنتج بشكل مستقل من منطلق فكري وسياسي وفني وليس لغرض تجاري. في عام 1965 أصدر الناقد والمخرج غلوبير روشا بيانه الشهير المعنون " جماليات الجوع، دعا فيه زملاءه لصنع أفلام" بشعة، حزينة ومحبطة "، أفلام تضحي باللمعان التقني وتلتزم بكشف بؤس وفقر الشعب البرازيلي.

المصدر: الجزيرة الوثائقية http://doc.aljazeera.net/followup/2010/11/20101122104248583778.html
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 346 مشاهدة
نشرت فى 18 مارس 2011 بواسطة artsfilms

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

15,517