تحدثت أسطورة في منتصف القرن الماضي عن منطقة تقع في المحيط الأطلسي، ظلت محل حيرة وارتباك العلماء بعد فشلهم في حل لغز اختفاء السفن في قاع البحر دون مقدمات بعد الوقوع في منطقة بعنيها، أسموها فيما بعد "مثلث برمودا"، وبعد فترة من البحث والاستدلال أعلنوا أن كل ماقيل عن تلك المنطقة محض افتراضات، إلا أنه ما لايمكن انكاره أننا جميعا وقعنا في برمودا وبلاهوادة.
كل منا هو ربان سفينة حياته، هو المتحكم الوحيد ببوصلتها، أو يمكن القول أنه كان كذلك قبل أن يتم التشويش علي اتجاهات سفننا جميعا من قِبل مثلث تكونت أضلاعه من النزاعات السياسية والتطرف وتسارع نمط الحياة، تلتهم الواحد منا تلو الآخر، حتي ازدادت الفجوة بيننا وبين واقعنا بعد أن أحكم المثلث قبضته وأخذنا نحو الهاوية بعيدا عن بر الأمان.
لقد صنعنا وهما وتصارعنا عليه، وتصور كل منا أنه الأحق بالقيادة، وظللنا ندور وراء أنفسنا داخل الدوامات منتظرين أخطاء الآخر لنشبعه جلدا بسوط المثالية بدعوي أننا الأفضل مادمنا الأعلي صوتا .
يومًا بعد يوم تزداد حالة التخبط بين أضلاع المثلث متعايشين علي وضع التيه بداخله، متناسين أننا وقعنا في مصيدة تحكم قبضتها علينا حد الموت، ونصبح كالفراش الذي ظن النار نورا يضئ طريقه ليكتشف أنها مشيعُها إلي مثواها الأخير، ويحاول كل ربان تزعم طريق العودة، لنكتشف أنه لا يكون سوي عثرةجديدة في رحلة الصعود إلي القمة.
وبعد مرور السنين، لازلنا ننتظر منقذ يمد لنا يده ليُخرجنا مما أوقعنا أنفسنا بداخله، وتناسينا أن ما يجمعنا أكبر من مجرد مصالح مشتركة، فصانع الماضي هو نفسه صانع حاضره ومستقبله، ومن ضل طريقه يمكنه العودة ان أراد ذلك بصدق، ومن مد يده بالخير الصادق وجد من يفيض عليه، ومن انحرف عن طريقه وجد من يصحح مساره، فقط ان نحينا الخلافات جانبا واستطعنا الخروج من بين براثن الوهم الذي أسميناه "برمودا".
ساحة النقاش