انتهت مناسك وشعائر الحج، وتتوصل عودة الحجيج إلى أهاليهم وبلادهم، وقد امتلأت قلوبهم حباً وعطفاً ورقة تجعلهم مؤهلين لفتح صفحة جديدة مع الله تعالى وأنفسهم، ولاسيما إذا ما التزموا بأخلاقيات الحج التي اكتسبوها من الرحلة المقدسة. ودعا علماء الدين إلى ضرورة أن يكون الحج نقطة تحول في حياة الحاج عند عودته إلى أهله ووطنه، وفيها يحاسب المسلم نفسه، ويراقب الله تعالى في سلوكه وأقواله وأفعاله حتى يداوم على العمل الصالح، موضحين أن استمرار المسلم على التقوى والاستقامة بعد العودة يعد دلالة على الحج المبرور.

أحمد مراد - من علامات الحج المبرور، أن يستقيم حال المسلم بعد حجه، ويكون بعد الحج أحسن حالا من قبله، أو كما قال الحسن البصري «الحج المبرور أن يرجع الحاج زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة»، حيث قال الدكتور الأحمدي أبوالنور وزير الأوقاف المصري الأسبق إن الحج عبادة إسلامية لها حكم ومقاصد عديدة، أهمها تربية المسلم على عبودية الله وحده، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمور لا ترتبط بموسم واحد، بل يجب على المسلم أن يلتزم بها طوال حياته، ومن ثم، فإن أخلاقيات الحج يجب أن يتعود عليها الحاج بعد عودته من رحلة الحج، ويجعلها منهاج حياة يحيا بها، ويتعامل بها مع غيره، ولهذا فإنه مطلوب من كل حاج أن يعود الى بلده وأهله وقد امتلأ قلبه حباً لله ولدين الله أن يحيا طيباً، ويعيش طيباً، ويعمل طيباً، ويأكل طيباً، ويموت طيباً.

الإحسان والتقوى

 

ويضيف، الهدف من العبادات في الإسلام ليس العبادة فقط، ولكن ما بعدها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا، والصيام شرع لغرس تقوى الله في القلوب، والزكاة والصدقة تطهر المؤمن من البخل والشح وتطفئ غضب الله تعالى، والحج كذلك هدفه أن يتعود المسلم على أخلاق البر والإحسان والتقوى، فعلامة قبول العبادة ما بعدها، وعلامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن ثم يجب أن يحرص الحاج على أن يكون حجه نقطة تحول في حياته، ويحاسب نفسه، وينظر ما هي آثار الحج على قلبه وسلوكه وأقواله وأفعاله حتى يداوم على العمل الصالح ولو كان قليلا، فالمداومة على الأعمال الصالحة لها فوائد لا تحصى، حيث تنهي صاحبها عن الفواحش، وبها دوام اتصال القلب بالخالق، كما أنها سبب لمحبة الله للعبد، وسبب النجاة من الشدائد.

 

المحافظة على الفرائض

ويخاطب الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، الحاج العائد إلى اهله وبلده بقوله: ينبغي عليك إذا أردت أن يكون حجك مبرورا أن تلزم طاعة ربك، وذلك بالمحافظة على الفرائض، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله جل وعلا من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك.

ويقول مفتي مصر الاسبق: من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه، ويكون بعد الحج أحسن حالا من قبله، وقد قال بعض السلف: “علامة بر الحج أن يزداد المسلم بعده خيرا، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه”، وقال الحسن البصري: “الحج المبرور أن يرجع الحاج زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة”، ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً، أن يستشعر حكم الحج وأسراره، فهناك فرق كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله، وأن هذه المواقف قد وقفها قبله الأنبياء والعلماء والصالحون، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض على الله، وبين من يحج على سبيل العادة، أو للسياحة والنزهة، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه، أو ليقال الحاج فلان.

طعم التوبة

ويشير إلى أنه بعد انتهاء موسم الحج وعودة الحجيج إلى بلادهم، فإنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يبدأ حياة جديدة، حيث عاهد الله عز وجل على الاستقامة، وعزم على عدم العودة إلى ما كان عليه قبل الحج من غفلة وعصيان، وذلك بعد أن ذاق طعم التوبة، وفاز بالمغفرة، وانطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”، والقسم الثاني هو من كان حجه فضلا على فضل، وزاده إيمانا على إيمان، وهؤلاء هم خير الحجيج، والقسم الثالث من الحجيج هم الذين اتخذوا من حجهم مجرد صحوة إيمانية أعقبتها غفوة، وعند عودتهم يعودوا لما كانوا عليه من ذنوب ومعاص.

التمسك بالقيم

وعن الأمور التي يتبعها المسلم عقب عودته، أوضح الدكتور عبدالفتاح إدريس استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن التمسك بالقيم الإسلامية أهم المبادئ التي يجب على الحاج المواظبة عليها بعد رجوعه إلى بلده وأهله، بعد أن أدى مناسك وشعائر فريضة الحج.

ويقول: الحج فريضة وقيمة عليا أمر الله بها، وليست هناك أفعال محددة مطلوبة أو منبوذة للحاج بعد عودته، لكن عليه المواظبة على الفضائل لأن فلسفة الإيمان هي المواظبة والمداومة، وعليه أن يكون حاله بعد الحج كحال الذين وصفهم الله جل وعلا بقوله: “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون”، فهم وإن كانوا يتقربون إلى الله بصنوف العبادات وألوان القربات، إلا أنهم مع ذلك خائفون وجلون أن ترد عليهم أعمالهم.

وكان الإمام علي رضي الله عنه يقول: “كونوا لِقَبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: “إنما يتقبل الله من المتقين”.

ويتابع: على الحاج بعد أن وقف بعرفات وأظهر الندم على ما فات أن يعقد النية على أن يفتح صفحة جديدة من حياته مع الله سبحانه وتعالى، فالمســلم الذي لبى لله في الحج مســتجيبا لندائه كيف يلبي بعد ذلك لدعوة أو مبدأ أو نداء يناهض قيم ومبادئ دين الله؟، ومن لبى لله في الحج كيــف يتحاكم بعد ذلك إلى غير شريعته أو ينقاد لغير حكمه، أو يرضى بغير رسالته؟، فعلى الحاج أن يسعى إلى مزيد من التقرب إلى الله عز وجل، كأنه حصل على منحة إيمانية في الحج، لا يكتفي بعد العودة بما تزود به في رحلته، إنما يكافح من أجل المزيد من التقرب إلى الله تعالى.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,278,359