عمرو أبوالفضل - الامام محمد عبده أحد الأعلام من أئمة الإسلام، ومن الرواد المجددين في الفقه الإسلامي وأحد دعاة الإصلاح، وحقق مكانة علمية فريدة، وشهرة واسعة جعلته محط الانظار، وأمضى حياته في الدفاع عن صحيح الدين، ومقاومة المحتل والقوى الغاشمة، فطاردوه وحرضوا عليه وحكموا عليه بالنفى، وآذوه حتى مات.
طلب العلم
وعن حياة الإمام، يقول الدكتور منتصر مجاهد أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة قناة السويس، إنه ولد الإمام محمد عبده في قرية محلة نصر إحدى قرى محافظة البحيرة بمصر في سنة 1849، ونشأ في عائلة بسيطة الحال تعرضت لقسوة الجباة واضطرت الى التنقل والعيش في حالة من البؤس في أمكنة متعددة هربا من الضرائب الباهظة، ودفعه ابوه الى طلب العلم فأتم حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، وأرسله إلى الجامع الأحمدي بطنطا ليتعلم التجويد ويدرس علوم الفقه واللغة العربية، وبعد فترة تعثر أمام المقررات الدراسية العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح وتفتقد الوضوح في العرض فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة ولكن أباه أصر على تعليمه فهرب إلى بلدة قريبة فيها أخوال أبيه، حيث التقى هناك بالشيخ الصوفي درويش الخضر الذي استطاع أن يعيد إليه الثقة بنفسه وأن يخرجه من أزمته النفسية وبعدها عاد إلى الجامع الأحمدي حتى صار شيخا ومعلما، والتحق بالجامع الأزهر عام 1866، وعكف على دروسه حتى نال شهادة العالمية في عام 1877.
مدرس للتاريخ
وأضاف، لم يكتف بالتدريس في الأزهر وإنما أصبح مدرسا للتاريخ في مدرسة دار العلوم ومدرسا للأدب في مدرسة الألسن، وكتب في عدد من الصحف عن الاصلاح والنهضة حتى غضبت عليه سلطات الاحتلال الانجليزي وامرت باقالته من مدرستي دار العلوم والألسن وبالاقامة في قريته محلة نصر في أغسطس عام 1879 وظل بها حتى عفا عنه الخديوي توفيق في عام 1880، وأسند اليه مهمة إصلاح صحيفة الوقائع المصرية وهي الجريدة الرسمية التي أسسها محمد علي في عام 1828، فنهض بها نهضة عظيمة، وامضى وقته في الدفاع عن حقوق الناس وكشف تردي احوال مصر الاجتماعية والسياسية ونشر الدعوة الاسلامية فترصدته قوى الاحتلال، وفي عام 1881 تعرض لمحنة قاسية عندما اشترك في الثورة العرابية ضد الاحتلال الانجليزي، فقد ألقي القبض عليه وسيق الى السجن، حيث اتهموه بالتآمر لخلع الخديوي وسجن ثلاثة أشهر ثم حكم عليه بالنفي ثلاث سنوات.
وأشار الدكتور منتصر مجاهد إلى أن الإمام خرج في 24 ديسمبر 1882 إلى بيروت التي استقبله أهلها بحفاوة بالغة ومكث بها نحو العام، وراح يلقي دروسه في الاصلاح وزار بيت المقـدس ودمشق وبعلبك وطرابلس، واستجاب الى طلب أستاذه جمال الدين الافغاني الذي دعاه الى زيارة باريس، واشترك معه في اصدار جريدة العروة الوثقى، التي جعلت التجديد والإصلاح ومكافحة الاستعمار شاغلها الاول، وتخوفت القوى الاوروبية من التأثير المتزايد لهذه الجريدة في اوساط المجتمعات الاسلامية وعملت على وقفها وعدم دخولها مصر والهند ومصادرتها وشددت في مطاردة واضطهاد من يقرؤها وفرضت غرامات قاسية عليهم، واضطر الى السفر الى تونس، ثم عاد الى بيروت في عام 1885، وعكف على التأليف والتدريس ونشر الدعوة وبلغ صيته الآفاق ودعي لالقاء دروس التفسير والتوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه بمساحد بيروت، وللتدريس بالمدرسة السلطانية هناك فعمل على النهوض بها وأصلح برامجها، ومكث في منفاه نحو ست سنوات، وسعى عدد من كبار الساسة والزعماء للتوسط لاصدر العفو عنه، ولكن اشترط عليه الحاكم الانجليزي اللورد كرومر ألا يعمل بالسياسة.
مفتي البلاد
وعن حياة الإمام العملية أوضح أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة قناة السويس، أنه بعد عودته انشغل باصلاح الازهر والاوقاف والمحاكم الشرعية وتمكن من اقناع الخديوي عباس بخطته للاصلاح، فأصدر قرارا بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ حسونة النواوي وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وفي 3 يونيه عام 1899 تم تعيينه مفتيا للبلاد، وأصبح أول مفت مستقل لمصر. وعندما اراد الخديوي عباس استبدال بعض الاوقاف بأخرى اعترض الامام واشترط أن يدفع الخديوي للوقف عشرين ألفا، فغضب الخديوي من موقفه وحرض عليه اتباعه، فبدأت المؤامرات والدسائس تحاك ضد الإمام وشنت الصحف هجوما قاسيا عليه لتحقيره والنيل منه ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في عام 1905، تعرض بعدها لأزمة صحية حادة واشتدت عليه وطأة المرض وما لبث أن توفى بالإسكندرية في 8 جمادي الأولى 1323هـ.
عن مؤلفات الامام قال إن محمد عبده ترك مصنفات فريدة في علوم الشريعة والفقه والتفسير أهمها “رسالة التوحيد”، و”شرح البصائر للطوسي”، و”دلائل الاعجاز”، و”اسرار البلاغة”، و”الاسلام والنصرانية بين العلم والمدنية”، و”شرح نهج البلاغة”، ومقالات بديع الزمان الهمذاني.
ساحة النقاش