الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن كلمة لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص، وهي أول ركن من أركان الإسلام وأعلى شعبة من شعب الإيمان، وهي أول وأعظم واجب على المكلَّف وآخر واجب عليه، فلا أعظم على المكلَّف منها علماً وعملاً.

ومعناهالا معبود بحق إلا الله، ولهذا عرف مشركو قريش معناها فقالوا كما ذكر الله عز وجل عنهم: (أَجَعَلَ الآلهة إلهاً واحداً إنَّ هذا لشيءٌ عُجابٌوإلا فهم يعلمون بأن الله عز وجل هو الخالق والرازق: (ولئن سألتهم من خَلَقَ السّماوات والأرض ليقُولُنَّ اللهُ).

 

ومن قال هذه الكلمة عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته والعمل به فهو المسلم حقاً، ومن عمل بها من غير اعتقاد فهو المنافق، ومن عمل بخلافها من الشرك فهو المشرك الكافر وإن قالها بلسانه.

ولا إله إلا الله كلمة عظيمة، وهي العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وكلمة الإخلاص، وهي التي قامت بها السماوات والأرض، وشُرعت لتكميلها السنة والفرض، ولأجلها جُرِّدت السيوف، فمن قالها وعمل بها صدقاً وإخلاصاً وقبولاً ومحبة أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. قال (ص): «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»([1]).

وقد ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ شروطاً سبعة لا تصح إلا إذا اجتمعت واستكملها العبد وهي:

الأولالعلم:

والمراد به العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن الله ـ عز وجل ـ هو المعبود وحده لا شريك له، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم ـ فهو عالم بمعناها.

وضد العلم الجهل؛ بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله).

الثانياليقين:

وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين جازم يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك، ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله تعالى، وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصرف لغيره شيءٌ من أنواع التألُّه والتعبد، فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله؛ كأن يقول: أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره؛ بطلت شهادتُه ولم تنفعه، قال تعالى مثنياً على المؤمنين: (والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنونوقد مدح الله المؤمنين أيضاً بقوله: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابواوذم المنافقين بقوله: (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون).

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيهما إلا دخل الجنة».

وعنه رضي الله عنه أيضاً أن النبي (ص) قال: «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة»([2]).

ثالثاًالقبول:

والقبول يعني أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق بالأخبار، ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله (ص)، ويقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئاً، ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد والتحريف الذي نهى الله عنه.

وضد القبول: الرد، فإن هناك من يعلم معنى الشهادة ويوقن بمدلولها، ولكنه يردها كبراً وحسداً، وهذه حال علماء اليهود والنصارى كما قال تعالى عنهم: (الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنَّ فريقاً منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون).

ويدخل في الرد وعدم القبول من يعترض على بعض الأحكام الشرعية أو الحدود أو يردها، كالذين يعترضون على حد السرقة، أو الزنا، أو على تعدد الزوجات. فهذا كله داخل في الرد وعدم القبول.

رابعاًالانقياد المنافي للترك:

وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص، ولعل الفرق بين الانقياد والقبول، أن القبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، أما الانقياد فهو الاتباع بالأفعال، ويلزم منهما جميعاً الاتباع، فالانقياد هو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له).

ومن الانقياد أيضاً لما جاء به النبي (ص) الرضى به والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله، وأيقن بها، وقبلها، ولكنه لم ينقد، ويذعن، ويستسلم ويعمل بمقتضى ما علم؛ فإن ذلك لا ينفعه.

ومن عدم الانقياد ترك التحاكم لشريعة الله عز وجل، واستبدالها بالقوانين الوضعية.

خامساًالصدق:

وهو الصدق مع الله، وذلك بأن يكون صادقاً في إيمانه صادقاً في عقيدته، ومتى كان ذلك فإنه سيكون مصدقاً لما جاء من كتاب ربه وسنة نبيه (ص)، فالصدق أساس الأقوال، ومن الصدق أن يصدق في دعوته، وأن يبذل الجهد في طاعة الله، وحفظ حدوده، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).

وقد ورد اشتراط الصدق في الحديث الصحيح عنه (ص): «من قال لا إله إلا الله صادقاً من قلبه دخل الجنة»([3]).

وضد الصدق الكذب، فإن كان العبد كاذباً في إيمانه فإنه لا يُعدُّ مؤمناً بل هو منافق؛ وإن نطق بالشهادة بلسانه، وحاله هذه أشد من حال الكافر الذي يظهر كفره، فإن قال الشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عداد المنافقين، قال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين).

ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول (ص) أو تكذيب بعض ما جاء به؛ لأن الله سبحانه أمرنا بطاعته وتصديقه، وقرن ذلك بطاعته سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

سادساًالإخلاص:

وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، وذلك بأن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء، أو سمعة، أو قصد نفع، أو غرض شخصي أو شهوة ظاهرة أو خفية، قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص)وقال: (وما أمروا إلّا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه»([4]).

وفي الصحيحين من حديث عتبان «فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([5]). وقال عز وجل محبطاً لأعمال أهل الشرك: (إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً).

سابعاًالمحبة:

أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة، ولما دلت عليه واقتضته، فيحب الله ورسوله (ص) ويقدم محبتهما على كل محبة، ويقوم بشروط المحبة ولوازمها؛ فيحب الله محبة مقرونة بالإجلال والتعظيم والخوف والرجاء، ويحب ما يحبه الله من الأمكنة: كمكة المكرمة والمدينة النبوية والمساجد عموماً، والأزمنة كرمضان وعشر ذي الحجة وغيرها، والأشخاص كالأنبياء والرسل والملائكة والصديقين والشهداء والصالحين، والأفعال كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والأقوال كالذكر وقراءة القرآن. ومن المحبة ـ أيضاً ـ تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها، وذلك لأن النار حُفَّت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره.

ومن المحبة أيضاً أن يكره ما يكرهه الله؛ فيكره الكفار، ويبغضهم، ويعاديهم، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يُحُبُّهُم ويُحبُّونَهُ أذلةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمٍوقال تعالى: (لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).

وقال (ص): «ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمانأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..»([6]).

وضد المحبة الكراهية لهذه الكلمة ولما دلت عليه وما اقتضته، أو محبة غير الله مع الله.

قال تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).

وقال الله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يُحبُّونهم كحب الله والذين آمنوا أشدُّ حُبَّاً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أنَّ القوة لله جميعاً وأنَّ الله شديدُ العذابفهؤلاء الذين بيَّن الله جل وعلا شأنهم في هذه الآية يحبون الله ولكنهم يحبون غيره مثل محبته، ومع ذلك سماهم الله ظالمين، والظلم هنا بمعنى الشرك بدليل قوله تعالى: (وما هم بخارجين من النار).

ومما ينافي المحبة أيضاً بغض الرسول (ص)، ومما ينافيها موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى وسائر الكفار والمشركين، ومما ينافيها أيضاً معاداة أولياء الله المؤمنين.

ومما ينافي كمالها ـ المعاصي والذنوب.

اللهم طهر قلوبنا من الشرك والنفاق، واجعل أعمالنا صواباً خالصة لوجهك الكريم، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين([7]).

 


([1])    متفق عليه.

([2])    رواه مسلم.

([3])    رواه أحمد.

([4])    رواه البخاري.

([5])    رواه البخاري.

([6])    رواه البخاري ومسلم.

([7])    أصل الموضوع: من كتاب لا إله إلا الله، للشيخ محمد الحمد.

المصدر: رابطة شباب مستقبل سوريا
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 91 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,180,042