الحمد لله الذي وعد من أطاعه بجنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال (ص): «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»([1]). وهي فريضة دائمة مُطلقة، لا تسقط حتى في حال الخوف، قال تعالى:(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون).

 

وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله (ص) أمته عند موته فقال: «الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم»([2]). وهي آخر ما يُفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله، قال (ص): «لتُنقضن عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عُروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحُكم وآخرهن الصلاة»([3]).

وقد ذكرها الله عز وجل من الشروط الأساسية للهداية والتقوى، فقال تعالى: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). واستثنى الله عز وجل المحافظين على الصلاة من الأخلاق الذميمة والصفات السيئة فقال تعالى: (إن الإنسان خُلق هلوعاً إذا مسّه الشّرُّ جزوعاً وإذا مسّهُ الخيرُ منوعاً إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون).

وقال جل وعلا وهو يحكي عن أهل النار: (ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين وتوعد عز وجل تارك الصلاة بقوله: (فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهونوالسهو: تركها حتى يخرج وقتها. وقد جعل الرسول (ص) الحد الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة فقال (ص): «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»([4]).

وتوعد عز وجل من ضيّعها بالعذاب الشديد: (فَخَلَفَ من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً). والغي: وادٍ في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر، جعله الله لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات.

وكان (ص) شديد الحرص على الصلاة والمحافظة عليها، عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي (ص) يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله ـ تعني في خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»([5]).

وبشر النبي (ص) من اهتم بأمر الصلاة وحافظ عليها أن يُظله الله في ظله جل وعلا فقال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم «ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه»([6]).

ومن أوضح صفات المنافقين التخلف عن الصلاة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها ـ أي الصلاة ـ إلا منافق معلوم النفاق.

وقد تساهل أناس في أمر الصلاة في المساجد والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: (وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين).

وهو نص في وجوب صلاة الجماعة ومشاركة المصلين في صلاتهم ولو كان المقصود إقامتها لاكتفى بقوله في أول الآية «وأقيموا الصلاة».

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»([7]).

وفي صحيح مسلم أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله: ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي (ص): «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب».

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): «من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم تقبل منه الصلاة التي صلى» قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: «خوف أو مرض»([8]).

وقال (ص): «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً»([9]). والناس في هذا الزمن تفلَّت منهم أمر الصلاة، فمنهم من يصلي في رمضان فحسب، ومنهم من يُصلي الجمعة فقط، ومنهم من يُصلي لكن بجوار زوجته! ومنهم من يُصلي العصر مع غروب الشمس ويصلي الفجر مع طلوع الشمس! وآخرون يصلون مع الجماعة أربع صلوات فحسب وأسقطوا صلاة الفجر! وآخرون يصلون ويتركون أبناءهم خلفهم في البيت فلا يُؤمرون بصلاة ولا يُنهون عن منكر!!

قالت عائشة رضي الله عنها: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر، لم يجد خيراً ولم يُردَ به، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له.

وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما فقال: رجل يصوم النهار ويقوم الليل، لا يشهد جمعة ولا جماعة؟ قال ابن عباس: هو في النار.

وتأمل في أمر تفويت صلاة واحدة فقط فقد قال (ص): «الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتِر ماله وأهله»([10]). وقال في الحديث الآخر: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»([11]).

ـ وقد سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز السؤال التالي:

أنا شاب حريص على الصلاة غير أنني أنام متأخراً فأركب الساعة (المنبه) على الساعة السابعة صباحاً أي بعد شروق الشمس، ثم أصلي وأذهب للمحاضرات، وأحياناً في يوم الخميس أو الجمعة أستيقظ متأخراً أي قبل الظهر بقليل بساعة أو ساعتين فأصلي الفجر عندما أستيقظ علماً بأني أصلي أغلب الأوقات بغرفتي بالسكن ومسجد السكن الجامعي ليس بعيداً عني وقد نبهني أحد الإخوة إلى أن ذلك لا يجوز.

المرجو من سماحتكم إيضاح الحكم فيما سبق وجزاكم الله خيراً.

فأجاب سماحة الشيخ العلَّامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز:

من يتعمد تركيب الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يُصلي فريضة الفجر في وقتها، هذا قد تعمد تركها وهو كافر بهذا عند جمع من أهل العلم، نسأل الله العافية لتعمده ترك الصلاة، وهكذا إذا تعمد تأخير الصلاة إلى قرب الظهر، ثم صلاها عند الظهر أي صلاة الفجر، أما من غلبه النوم حتى فاته الوقت فهذا لا يضره ذلك وعليه أن يصلي إذا استيقظ، ولا حرج عليه إذا كان غلبه النوم أو تركها نسياناً.

ـ وسُئل أيضاً فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي:

يعيب بعض علماء المسلمين على المسلم الذي يصوم ولا يصلي، فما دخل الصلاة في الصيام، فأنا أريد أن أصوم لأدخل مع الداخلين من باب الريان، ومعلوم أن رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، أرجو التوضيح وفقكم الله.

فأجاب حفظه اللهالذين عابوا عليك أن تصوم ولا تُصلي على صواب فيما عابوه عليك، وذلك لأن الصَّلاة عمود الإسلام، ولا يقوم الإسلام إلا بها، والتارك لها كافرٌ خارج عن ملة الإسلام، والكافر لا يقبل الله منه صياماً، ولا صدقة، ولا حجاً ولا غيرها من الأعمال الصالحة لقول الله تعالى: (وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون). وعلى هذا فإذا كنت تصوم ولا تصلي، فإننا نقول لك إن صيامك باطل غير صحيح، ولا ينفعك عند الله، ولا يقربك إليه. وأما ما وهمته من أن رمضان إلى رمضان مُكفِّر لما بينهما فإننا نقول لك: إنك لم تعرف الحديث الوارد في هذا فإن رسول الله (ص) يقول: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر»([12]). فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام لتكفير رمضان إلى رمضان، اشترط أن تُجتنب الكبائر، وأنت أيها الرجل الذي لا تصلي وتصوم لم تجتنب الكبائر، فأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة بل إن ترك الصلاة كُفرٌ، فكيف يكفر الصيام عنك، فترك الصلاة كفرٌ. ولا يُقبل منك الصيام. فعليك يا أخي أن تتوب إلى ربك، وأن تقوم بما فرض الله عليك من صلاتك ثم بعد ذلك تصوم. ولهذا لما بعث النبي (ص) معاذاً إلى اليمن قال: «ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هُم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات لكل يوم وليلة»([13]). فبدأ بالصلاة ثم الزكاة، بعد ذكر الشهادتين. أ. هـ.

اللهم اهدنا ووفقنا، وأعنا على حسن عبادتك على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم يسر أمورنا، واشف صدورنا، وطهر قلوبنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 


([1]) رواه الترمذي.

([2]) رواه أحمد.

([3]) رواه أحمد.

([4]) رواه الخمسة.

([5]) رواه البخاري.

([6]) متفق عليه.

([7]) متفق عليه.

([8]) رواه أبو داود وصححه الألباني.

([9]) متفق عليه.

([10]) رواه البخاري.

([11]) رواه البخاري.

([12]) رواه مسلم.

([13]) متفق عليه.

المصدر: رابطة شباب مستقبل سوريا
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 99 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,208,373