مما يذكر عن ابن الجوزي - رحمه الله - قوله: "خلق قلبك صافياً في الأصل، وإنما كدرته الخطايا، وفي الخلوة يركد الكدر، تلمح سبب هذا التكدير، فما يخفى الحال على متلمح، كنت مقيماً في دار الإنابة نظيفاً، فسافرت في الهوى، فعلاك وسخ، أفلا تحن إلى النظافة؟! ألا يحرك البدوي ذكر نجد؟!
في الأصل كان الصفاء...
ثم كانت الخطايا تحمل الأوساخ والأكدار..
وقليل من الوقت، تخلو به مع نفسك، ترى حجم ما علا قلبك من الران.. فينتفض الأصل في أبناء الأصول انتصاراً للصفاء، وذوداً عن حياض النظافة.
عجيب حال قوم يفزعهم اتساخ أنعلتهم، أو بقعة غريبة على ثيابهم، قد تحدث خصومة مع الزوجة، أو ضجة يستيقظ عليها الجيران.. فترى حرصاً عجيباً - نحبه - على نظافة الثوب، ولمعان الحذاء، وبريق السيارة ووهجها.. ونرى بالمقابل إهمالاً محزناً مؤلماً للقلب، حين تتداعى عليه البقع، ويتكاثر عليه الران، حتى يصبح شديد السواد.. دون أن يحرك ذلك ساكناً، أو أن يبعث نخوة، أو أن ينزل نجدة، تجلو همومه، وتمسح أحزانه، وتبيض سواده، وتحيي مواته.
أيها البدوي الكريم، ألا يحركك ذكر نجد؟!
ألا تحن إلى نقاء الفطرة، وصفاء السريرة، ونظافة الدخيلة؟!
هذه هي فرصتك..
" رمضان "..
فلا تُضِع الفرصة.. فإنها خلسة قد لا تكرر.. فانهض وبادر.. وعن ساعد الجدّ شمّر.. وفي ميادين الخير، وساحات البذل.. كن سهماً انطلق إلى رميته..
انتبه.. الأصل في القلب..
الأصل في القلب، فـ "إن أفسدته فسد الكل، وإن أصلحته صلح الكل، إذ هو الشجرة، وسائر الأعضاء أغصان، ومن الشجرة تشرب الأغصان، وتصلح وتفسد، وإنه الملك، وسائر الأعضاء له تبع وأركان، وإذا صلح الملك صلحت الرعية، وإذا فسد فسدت، فإن صلاح العين واللسان والبطن وغيره دليل على صلاح القلب وعمرانه، وإذا رأيت فيها خللاً وفساداً، فاعلم أن ذلك من خلل في القلب، وفساد وقع، بل الفساد فيه أكثر، فاصرف عنايتك إليه، فأصلحه يصلح الكل وتستريح "..
ساحة النقاش