من بداية المعنى إلى آخر الصوت.. ما الذي يجدر بنا أن نضيفه إلى هذه الهوَّةِ الثقافية؟.. لا أعني الرؤيةَ التي لم يصل إليها أحد, ولا أستحثُّ إلى معرفة من هو بعيد عن الروح ومن هو قريبٌ من الجسد اللُّغوي!!.. الملامسة واضحة للذي عنده علم من العذاب, والعذاب وحده من يشعر بهمزة الوصل بين المعنى والمبنى.. كثيراً ما أقف كالرقيب أمام الأصواتِ المتشابكة داخل الوطن وخارجه, وقليلاً ما أجد الوطنَ يدرك السطر الأول أو الجملة الأولى مما يمرُّ ويمكثُ..
لي أن أقول: أعجبني, ولي أن أقول في نفسي: عليك اللعنة؛ فأنا مُجبرٌ على المرور على الغثِّ والسَّمين والإقامة بين الحشرجةِ والسيمفونيَّة, والنظر إلى الضحك والبكاء بنصفِ عينٍ, تارةً من باب المجاملة وتارةً من نافذةِ الدَّهشة..
لعلَّ الكتابة مصابة بفيروس الانزياح ولعلَّ الانزياح أصاب الكثيرين بالمسِّ/ المسِّ الغير كهربائي, ولكن المعنى مازال متخذاً عضداً من اللغة وعضلاتٍ من التقديم والتأخير في أكثر من عنوان وأكثر من مقدمة وخاتمة,مع أنَّ المحموم من ذلك هو الجدير بالذكر والبكاء عليه.. ما معنى البكاء عليه؟ هل أنه جنازةٌ على أكتاف الموسيقى؟ أم أنه احتضار في زاوية مقبرة لم تصلْ إليها الفاتحة من يوم الفتح الأكبر؟ هل لها أن تصل بعدُ, وإن كانت عبر البريد الإلكتروني للعولمة؟!..
قد لا أستطيع الإجابة على سؤال الموت وقد لا أجيد حضور وليمة العزاء كما أرى العبارةَ متعبةً من كلام المنصرفين والعابرين إلى رزايا لا تشبه بعضها ..
هل هناك في الصفحة ما يشبه ذلك؟ وهل المنشور اليتيم كالمنشور المُتَّصل بالورثة المتخاصمين على الدين؟ أم أن المنشور كفيلٌ -بجدارة الروح- بيوم النشور؟؟..
عليَّ أن أتفحص جيداً ملامح العابرين, وأحدق مذعوراً في وجوه (الغبرة القترة) لا؛ لأيقظ اللغة أو أستفَّز المعنى في مثل هذا المشهد العبثي, ولا لأرى جماجم الموتى تتقافز من قبرٍ إلى قبرٍ ككُرةِ السَّلَّةِ؛فالإشارات عاطلةٌ عن الوضوح ومشغولةٌ بالفوضى العابثة بكلِّ تضاريس السَّكينةِ وأنا مذعورٌ من مدلولاتي..
ربما لا أقتفي أثراً في هذه المسافة الملساء ولا أجد آثار أقدام الصداع التي مللت الاستدلال بها على اللحظة العابرة, وربما يستفزني البكاء عليَّ أولاً, وأخيراً على بلد شتائيَّ الكلمة.. الكلمة التي لا تؤمن إلاَّ بالفصول ومواسم الزراعة.. لا أدري إن كان المؤلف مركوناً بالصحارى الفكرية ولا أثق أنه – المثقف- يقطن في التربة الصاخبة/ التربة التي لا تُجيد إلا هجاء الغيم ومخاصمة المشيئة!!.. فمن منا يشاء إلا أن يكون ربيعاً من الصدى, وخريفاً من الموسيقى وإن تكن متقطعة كأحلام اليقظة؟؟ ومن منا شاء أن يحلم بماهيِّةٍ مُمطرة دون أن يصعد سلالم الدعاء؟!.. لا أريد أن أجزم أن المحراب -كيفما كانت قبلته-هو السراط المستقيم؛ فجزئيةُ النَّصِّ المجزوم بالعثرات الانسانية -في اللافتة الغير متواصلة مع قاعدة اليقين الكتابي- لكأنها لا تبصر إلاَّ نصف وجه الماء في ساعة الظمأ..
أيُّنا قال: تعبت من كلِّ شيء ولي أن أستفزَّ نفسيتي للرجوع إلى أول السَّطر وقراءة بعضي؟!..
أيُّنا كان جديراً برثاء صلاته الغير متصلة به؟..
أيُّنا استطاع التماهي في حضرة الجليد دون أن يستعين بنظريَّةِ الانصهار؟.. كل ذلك غير مُجازٍ لمشهدٍ مُراءٍ في عاطفته الكتابية التي عليها اتخاذ الروح والنفس ماهيَّةً لذاتها السماوية والأرضية.. مُراءٍ أمام البوصلة الروحية التي تؤدي الى حيث المكان المنتظر والتَّلةِ المُطلَّة والإطلالة الواضحة!! قد يكون أن الطرق لا تؤدي إلاَّ إلى غير الطريق, وقد تكون المسافات بين الانسان والشاعر شاسعة كما بين النعاس واليقظة وبعيدة كالطمأنينة, وقد لا تكون الأشعة ممتلئةً بقوانينها حتى تكون الصورة واضحة كما يجب.. تبدلتِ الأرواح؟! أم استُنسِختْ من جسد الغابة الى جسد المسرحية البشرية؟!.. إلى أين تسير بنا المتاهة؟ وهل المتاهة إلاَّ ضلال النفس الإنسانية المنهكة نتاجاً لخطايا ماثلة, ومثولاً لانتهاك الروح البريئة من التَّشرُّد؟.. من أين لي بوطنٍ خالٍ
من الثَّورات, وبثوراتٍ شهيدةٍ من أجل الوطن الإنسان, وبحلمٍ يتَّسع لكلِّ ذلك؟؟؟..
//
بلدٌ مستطيرٌ,
وأمنيةٌ خارج النص,
وامرأة انهكت نفسها كي تلوذ بأغنيِّةٍ تحمل اسمي,
وترسم في عينها صورتي,
وأنا مُتعبٌ/
مُتعبٌ من كثير الصدى
مُنهكٌ بالكثير من الرَّحلاتِ
التي لا تؤدي الى امرأةٍأو بلادٍ تقابلني كالقصيدة ..
حتى متى -يا قصيدة- أمشي الهوينا؟!
ولا أجد الصوتَ في مسمعي؟..
شعراءُ المدينة مُستوحشون كقافيةِ الشِّين!
والقريةُ الشَّاعريَّةُمشغولةٌ بالتَّغزُّل بالكهرباء,
وبيتُ القصيد كعادته
دون مأوىً,
ولا فرق بين البلاد وبين البلاستيك,
لا فرق بين اليتامى وبين الكلام المجفف..
حتى متى؟!
كُلُّهُ:شارعٌ لم يجد عابراً
كُلُّهُ:عابرٌ لم يجد شارعاً
كُلُّهُ:بلدٌ مستطير.
ـــــــــــــــــــــــــ
محمد المهدِّي
ـــــــــــــــــــــــــ
ساحة النقاش