جمال قاسم الجعفري
حينما يكون في عقيدة المؤسسات أن الإرتقاء بمهارات وكفاءات الموظفين جزء أساسي من مهامها وتترجم ذلك في خططها التنفيذية فقد ضمنت لنفسها أساساً قوياً تستطيع أن تنافس به سواءاً كان محلياً أو أقليمياً أو دولياً ، ومن الصعوبة على المؤسسات أن تضمن لنفسها تخطيطاً ناجحاً لمسيرتها إذا كان التخطيط الشخصي غائب من ثقافة العاملين فيها وخاصة من يتولى أمر القيادة .
إن الحياة يمكن أن تكون روضة غناء باهية الجمال إذا دخلها الإنسان من بوابة التخطيط والترتيب والتنظيم ، ويمكن أن تكون أرق وقلق ومشاكل وطوارئ إذا دخلها الإنسان من باب الفوضى والتخبيط وبينهما أبواب أخرى .
لقد أجريت دراسات في عام 1970م في جامعة هارفارد فوجدوا فيها أن 3% فقط قد وضعوا لهم خطط تفصيلية للمستقبل وبعد المتابعة لمدة 20 عام وجدوا أنهم يملكون أكثر من 90% من ممتلكات المائة كلهم .
o ما هو التخطيط الشخصي ؟
هو النشاط الذي ينقلك من وضعك الحالي إلى ما تطمح في الوصول إليه وذلك من خلال الاستعانة بالخطط و الاستراتيجيات المختلفة و هو تحويل الأمنيات والأحلام إلى أهداف وانجازات حقيقية على أرض الواقع .
o ما هي مزايا التخطيط ؟
- طريقة عقلانية ومنتظمة لصنع القرارات وحل المشكلات .
- يجمع بين الخبرة والمعرفة والمهارة، مع توفير الأدوات الملائمة .
- يساعدك في رسم الصورة المستقبلية بما في ذلك المخاطر والمشاكل .
- يعينك في معرفة فرص النجاح ومصادر الخطر.
- يساعدك على وصول محطات ناجحة في حياتك .
- يحفزك على التفكير في المستقبل بلغة الحقائق والبراهين .
- يجعلك تتحكم بالمستقبل بشكل قوي .
- يعينك لتصبح الشخص الذي تتمناه .
فالتخطيط إذاً عمل مرن ومتفتح الذهن يحث على التغيير بشكل مستمر، كما أنه يعطيك انطباعاً عن الصورة المستقبلية .
o فوائد التخطيط :
- يحدد الاتجاه : يحفزك على التفكير المستقبلي .
- ينسق الجهود: يعمل وسيلة ربط بين المجهودات والتطلعات .
- يوفر المعايير: يحدد معايير وأدوات يمكنها قياس التقدم الذي تحرزه .
- يوضح معالم الطريق: يساعدك التخطيط على تحديد ما تريد فعله والوصول إليه .
- يجهز المرء: يجعلك على أهبة الاستعداد للتعامل مع الظروف والمشكلات الطارئة .
- يكشف الوضع: يعطيك صورة واضحة لكيفية التفاعل مع المهام، والأنشطة المختلفة
- يحفز المرء: يدفعك التخطيط إلى الأمام، ويقود خطاك إلى أعلى، ويرفع روحك المعنوية، يحسن رؤاك وعلاقاتك مع الآخرين .
o خطوات التخطيط :
- تحليل الوضع الحالي: هل تريد أن تمر عليك الأيام والشهور والسنون بشكل عادي!؟ تندم على الأوقات الثمينة التي ضاعت بين لهو و كسل و ضعف في الهمة... قم بجلسة مصارحة مع النفس واسأل نفسك أين أنا من كل الأشياء التي تهم حقا في الحياة؟
- تحديد أهدافك: يجب أن تكون لديك أهداف واضحة و محددة و طموحة أيضا حتى في العبادة...انظر إلى عمر بن عبد العزيز و هو يقول إن لي نفسا تواقة..فقد طمح في الزواج من ابنة عمه و تزوجها ..و راوده حلم إمارة المسلمين فصار أميرا عليهم وحين تحققت كل أحلامه قال والآن نفسي تاقت إلى الله...و هذا مثال لطموح غير العالم...
- تصميم وكتابة سيناريو الحياة :يجب أن تتعامل مع أهدافك بالورقة والقلم ..لا فائدة من خطة بدون ورق...تلك ليست خطة بل فكرة..ابن القيم الجوزي له كتاب رائع (صيد الخاطر) قام فيه بتسجيل كل أفكاره القيمة ...حاول أن تسجل كل فكرة تراودك..فكل فكرة هدية من الله.
التخطيط سر النجاح و أهم من التخطيط أن تكون لك رسالة, أن تحدد وتعرف دورك الحقيقي في هذه الحياة ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون )...!!
وإذا كانت أول مرة تكتب فيها خطتك الشخصية فليس من العيب (والله) أن تستشير من لديه المعرفة بذلك ليأخذ بيدك في هذا الطريق ويرشدك سواءاً من المتخصصين في الإدارة أو حتى من زملاء العمل الممارسين فليس لدينا الإستعداد بأن نعيش على هامش الحياة .
لقد آن الأوان أن ننتقل من مربع الكلام عن التخطيط إلى مربع الفعل (ممارسة التخطيط ) في الواقع العملي والحياتي المعاش .
كم هو محروم الذي يعيش في هذه الحياة بدون رسالة يتفانى في سبيل تحقيقها و أهداف يسعى لتطبيقها ليورِّث أثراً طيباً يُذكر به
وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرَّ وهذا الأثر
من الناس من يصنع الحياة بنفسه ويتلذذ بذلك حينماً يحفر مجاري الحياة بيديه لتجري ينابيعها وفق ما أراد و خطط لتنمو الزروع والثمار ، ومن الناس من يسعى لاهثاً وراء أحداث الحياة فإنها تصنعه. وتشكله وفق أحداثها ومجرياتها وبالتالي تراه كل يوم في وادي
إن العلماء النفسانيون يرون أن الذين لا يحملون رسالة أكثر عرضة للمشاكل والصدمات النفسية والاجتماعية وكما قيل فإن العالم كله يفسح الطريق للذي يعرف إلى أين هو متجه ، و إن السعداء هم أصحاب الرسالة والناجحون هم أصحاب الرؤية ، وإذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل وإذا لم تخطط أصبحت ضمن مخططات الآخرين
إن هذا الخطاب ليس لعمر معين أو فئة معينة فطالب المدرسة يحتاجه والبرفسور لا يستطيع الاستغناء عنه ولذلك نطمح أن يكون التخطيط ثقافة في مجتمعنا للصغير والكبير ، والذكر والأنثى .
وكما يجب على من يدخل سباق السيارات أن يعد سيارته ويتفاقدها ويحدثها (لماذا ياترى؟؟؟) والجواب واضح جداً لأن أي خلل في هذه السيارة مهما كان بسيطاً يمكن أن يعيقه عن تحقيق أهدافه في هذا السباق وكذلك فإن المؤسسات لا يمكن أن تحافظ على تميزها على منافسيها ما لم تعمل على تنمية مهارات وكفاءات موظفيها ومن هذه المهارات التخطيط الشخصي التي أصبحت من المسلمات عند كثير من الناس في المجتمعات المتقدمة وخاصة بأن ديننا الإسلامي دين الترتيب والنظام وهذا ما يبدوا جلياً للمتأمل فالصلوات لها وقتها المحدد ولها شروطها وأركانها التي لا تقبل بدونها وكذلك الحج له وقته المحدود وكيفيته وللمتأمل أن يستقرأ ذلك فسيجد الكثير الكثير مما يدل على أهمية التنظيم والترتيب في الحياة العملية في الدين الإسلامي .
والله الموفق لما فيه الخير والصواب
ساحة النقاش