جمال قاسم الجعفري

 

 قديماً قالوا "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت" ، و نقول اليوم: قل لي ماذا تفكر أقول لك من تكون  ، وفي المثل الهندي "نحن اليوم حيث أوصلتنا أفكارنا بالأمس وسنكون غداً حيث توصلنا أفكارنا اليوم " ، ويؤكد خبراء التنمية البشرية بأن : "كل ما يستطيع عقلك تصوره تستطيع تنفيذه ، وعندما تصر على شيء تحصل علية، و أن الحياة مليئة بالأحجار فلا تتعثر بها بل اجمعها لتبني بها سلماً تصعد به نحو النجاح  " .

يمكن أن يكون الإنسان أنيقاً مهندماً وربما ذو قامة يظنه بعض الناس حينما يراه عظيماً من العظماء لكنه في الحقيقة قزماً من الأقزام ، قد يستغرب البعض كيف ؟ ولماذا ؟

نقول له بكل بساطة : لأنه يرى نفسه كذلك ، وفي المقابل قد يكون الإنسان متواضعاً يعيش كواحد من الناس البسطاء يظنه من يراه بأنه إنساناً عادياً لكنه في الحقيقة عظيماً من العظماء والسبب طبعاً : لأنه يرى نفسه كذلك ، قد رسم لنفسه هدفاً كبيراً ويسعى متوكلاً على الله ثم بمجهوده وإصراره وثقته بنفسه على تحقيق ما رسمه من أهداف ، وما هي إلا مسألة وقت ويتم الفرز فلاناً في مركز متقدم وآخر كما هو بنفس وضعه .

ولعل أقدس مثال في هذا المقام هو النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يدرك تماماً الهدف المرسوم أمامه بأنه رسول للأمة جمعاء وكان يعي قول الله سبحانه وتعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وركز جهوده وعاش لهذا الهدف العظيم وبتوفيق الله سبحانه وتعالى استطاع أن يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها شاهد على هذا.

وليس هذا فحسب فلقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم جيلاً فريداً ، من ذوي الأفكار الإيجابية ، الذين عرفوا أسرارا الله العظيمة في أنفسهم ، لقد  أدرك هذا الجيل بأن على عاتقه مسؤولية كبيرة وبالتالي كانت القناعات الأكيدة بأن عليهم أن يعيشوا في هذه الحياة كباراً ولعل المتأمل في السيرة النبوية يلحظ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رسم الصورة الذهنية لبعض الصحابة فعاشوها واقعاً عملياً فخالد ابن الوليد سيف الله المسلول ، وأبو عبيد ابن الجراح أمين هذه الأمة ، وعبد الله ابن عباس حبر الأمة و ترجمان القرآن ، ومعاذ ابن جبل أعلمهم بالحلال والحرام...الخ

 ولعلنا نعرف جميعاً الصحابي الجليل ربعي بن عامر الذي سجل لنا موقفاً خالداً أصبحت تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل وذلك بمقولته الخالدة "نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"

هكذا كانوا يرون أنفسهم ذوي مسؤولية كبيرة وعلى هذا الأساس كانوا يتحركون في الحياة فصنعوا أنصع تأريخ عرفته البشرية .

قد رشحوك لأمر لو فطنت له  ³³³فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

يخطئ الكثير من الناس حينما يظنون أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً في هذه الحياة أو أن يكون من ذوي التأثير ، وأكبر خطأ في هذه المسألة أنهم يقنعون أنفسهم بذلك فلا يتحركون للعمل بالأسباب ويكونون من القاعدين ، ويتصورون أن نجاحات الناجحين وإبداعات المبدعين مجرد إلهام أو صدفة أو ضربة حظ وبالتالي فهم يريدون أن يغتنوا وأن تتحسن أوضاعهم المعيشية وأن يكتسبوا مهارات متقدمة وأن يرتقوا في المراتب الإدارية وأن يواصلوا دراسات عليا ...الخ ، لكنهم لم يفعلوا شيئاً لتحقيق ذلك في الواقع العملي ، وفي الحقيقة كما يؤكد الخبراء بأن نجاحات الناجحين وإبداعات المبدعين 99% منها جد واجتهاد و 1% فقط منها إلهام .

دعهم وانطلق ...فليس لديك الوقت الذي تضيعه :

عندما ترسم لنفسك هدفاً نبيلاً ، وتسعى لتحقيقه بعزيمة وإصرار خلال مدة زمنية محددة ، فقد تجد من يسخر منك ، وربما يطعن فيك ، ويحقِّرك أمام الآخرين ، و يضع أمامك العقبات والعراقيل لأنه يرى في إنجازك وتفوقك هزيمة له - وفي الحقيقة هذه أنفس مريضة قد توجد هنا وهناك – فالعاقل النبيل لن يضيع وقته بالالتفات لمثل هؤلاء لأنه يعلم تماماً بأنه جلوسه إلى هؤلاء أو حتى انشغاله في الرد عليهم مضيعة للوقت وملهاة عن تحقيق الهدف الحقيقي فوقته نفيس وجهده ذو قيمة لا ينبغي أن يصرف إلا في النافع المفيد ، ولهذا ما يؤيده في الأمثال الشعبية (لا يضر نباح الكلاب ما دامت القافلة تسير ) ، رقم تحفضنا على الكلمات الواردة في هذا المثل إلا أن المعنى يوحي بأن السائق العاقل لا يمكن أن يوقف سير قافلته ليسكت أو يضارب هذه الكلاب والسبب أن لديه هدف ولابد أن يصل إليه في وقت محدد وأن هذا النباح لن يوقف هذه المسيرة.

وتقول العرب : (لا تجادل السفيه فيخطأ الناس في التفريق بينكما) فإن الناس الكبار لا يقبلون لأنفسهم أن يجاروا في مواقفهم وإنجازاتهم المنتقدين الذين ينتقدون لمجرد الانتقاد ، وحتى يربأون بأنفسهم أن ينفعلوا أو أن يكون لهم حتى مجرد موقف مع هذه الترهات .

تفكيرك السلبي خطر حقيقي على صحتك :

لقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة التي تؤكد على أهمية حسن الظن و التفكير الإيجابي والالتفات إلى ما بثه الله عزوجل من أسرار عظيمة في النفس البشرية ، وكما أن التفكير السلبي يؤثر تأثيراً بالغاً على الناحية السلبية للإنسان فقد وجد الباحثون أنه يؤثر على الناحية العضوية فقد أجريت تجارب حيث تم سحب بعض الأنزيمات من معدة شخص أثناء تفكيره السلبي وتم حقنها لفأر فمات الفأر من شدة السم وتم إعادة التجربة عدة مرات وكانت النتيجة تتكرر في كل مرة، وهذا ما يؤكد الأثر الخطير للتفكير السلبي على حياة الإنسان .

وأخيراً وبعد أن عرفت خطورة التفكير السلبي وأهمية التفكير الإيجابي لك الخيار أن تقرر  ماذا تفكر وبالتالي كيف تكون حياتك ودعاؤنا لك بالحياة السعيد في الدنيا والآخرة.

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 184 مشاهدة
نشرت فى 18 ديسمبر 2010 بواسطة aljafary

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

10,546