الشاعر و الاديب علي الفشني

<< الحروف تبني صرحا إذا أوقدتها مشاعر صادقة >>

يا عجب في جلسة لاسيما عند النيل حيث الجنان..فثم الأزهار تنثر المسك ريا و يؤخذ الوحي منها عطية.

فبينما أنا ذا إذا بعقلي يذهب صاعدا إلى السماء اللهم إلا من فتافيت عقل قد بقيت فوطأها النعاس فوضع الغمام على عيني و أرخى جميع عضلات جسدي و ساقني إلى حيث لا أدري .. ساقني إلى دنيا  الأحلام ...و إذا أنا بدنيا الأحلام إذا بصرح لا يرام على صفحة الماء يقام..ليس بناد للغرام بل هو مدعاة للسؤال ..فتسألت و ما سكت و سرت للأمام..سرت يصاحبني فضولي ..سرت لأنظر في المجهول ..ما هذا ؟ و لما وكيف؟ كل هذه تساؤلات طرحتها على نفسي فأفصحت لي عن حكايات من حكايات ألف ليله وليله.

وتسللت عبر الظلام الممدود وشققت طريقي نحو المجهول..فأبصرت شيخا قد ضربه المشيب فأثنى ظهره ينتحب تارة وينشج تارة أخرى..ملامحه ليست مميزة غير أنني سمعته ينادي علي بقوة لا تتطابق مع ذاته ويصيح :

ـ ادنوا .. مني و لا تخف .

انتابني الخوف و الرعب و هرولت أتعثر في خطايا صوب الشيخ الكبير و لم أستطع أن أخفي اضطرابي و حيرتي و رعشة يدي و قلقي عنه و لما اقتربت منه و جدته غارقا في دموعه كأنه غمامة تمطر وابلا .. فغطني بعباءته و همس في أذني و هو لم يفتر يتوقف عن البكاء :

ـ أي الكائنات أنت..؟

ـ ولد آدم .

سدد إلي نظرات حادة متوعدة :

ـ بئس المولود عدو لدود

ـ إبليس أنت إذن

ـ نعم

ـ أعوز بالله من الشيطان الرجيم.. أعوز بالله من الشيطان الرجيم

فهب إبليس واقفا وهو يقول منفعلا :

ـ حسبك أكاد أحترق

فتجهمت للحظة و ازدادت نبضات قلبي و نظرت إليه مقتطبا:

ـ كيف تحترق و أنت باق إلى يوم القيامة

فأجابني بلسان ملئه الثقة :

ـ اقتربت الساعة و انشق القمر .. اقتربت الساعة و دنى الأجل

قل ذالك ثم جلس على كرسي ضخم بجواره قد امتزج ضوءه الساطع بأنفاس البحر الرطبة و تلاطمت أمواج البحر فبدت رقراقة مزعجة تدق البحر فتفجر خلاله عيونا تمتد منها أصابع شيطانية ترتفع و تحوم حولنا .. تأملت :" لم يكن هذا سوى ملكه يأذن فيه فيأتيه طوعا في الحال " ثم أمسك إبليس بيديه الاثنتين تاج ملكه و بكى قليلا ثم واراه خلف ظهره و صاح في جنوده :

" أن اسعوا بين الناس بالفضيلة و أصلحوا ذات البين "

فتنفست الصعداء عندما سمعت ذالك و ما لبثت أن انفرجت شفتاي

عن ابتسامة واسعة و أردفت أقول له في تجلد :

ـ إصلاح ذات البين.. و تدعوا إلى الفضيلة

ثم استطردت :

ـ شيطان يدعوا إلى الفضيلة .. إنها إذن حيلة جديدة .. أو ربما تحنث في عهدك مع الله لأقعدن لهم صراطك المستقيم

فوجم هنيهة ثم صرخ في وجهي :

ـ كفى .. كفى .. كيف أحنث و قد أقسمت بعزته و جلاله لأغوينكم ما دامت أرواحكم في أبدانكم

ـ و من قبل أنت قد عصيت

ـ حسبك يا لعين إن كنت إلا من الصالحين و لولا آدم ما كنت من الفاسقين .. ما كنت من الفاسقين

ـ بل هو جهلك و غرورك

ـ أنا من نار و هو من طين كيف .. كيف ؟

ثم رمقني بنظرات تمؤ بالسخرية و أطلق حنجرته ترسل الضحكات كزلزال تلاحقه توابعه و ما لبثت أن سلبته إياها عندما قلت له في هدوء و سكينة تامتين :

ـ أمسك عليك حيلتك .. فإن لكل أجل كتاب و أجلك هو قيام الساعة و إنها لآتية آتية و والله الذي لا إله إلا هو لن تستطيع أن تمنع أشرا طها فلن تمنع حدوث المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود ولن تمنع خروج المسيخ الدجال برغم أنه على شاكلتك

ـ صدقت

ثم تأملني للحظة و قال بلا اكتراث :

ـ لمست فيك ذكاء و فطنة أظنها فطنة المؤمن

ـ قل أعوز برب الفرق .. هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر و من شكر فإنما يشكر لنفسه و من كفر فإن ربي غني كريم

فهمهم إبليس متألما.."آه..آه" و أمسك برأسي بيد مرتعشة تصب عرقا و ضمني إليه و حدق بصره في عيني وسألني مستشيرا :

ـ ماذا أفعل .. دلني كيف السبيل إلى الخلاص من هذا

أجبته بكل ثقة :

ـ التوبة

ألجمته الدهشة في حين ظللت ارددها :

ـ التوبة .. التوبة ..

ـ التوبة .. أتأمرني بالسجود لك و قد أبيت قبل

فأجبته بحدة :

ـ بل تمنع عنا شرك فحسب

ـ إن كان الأمر كذالك سأفعل

ثذت   فأخذت عليه العهد و بينما نحن كذالك إذا بفتى و جارية يتعاشقان

        و تحت ستار الدجى يتلاعبان فتركني إبليس و هرول إليهما يدلهما

        بغرور إلى الرذيلة فأسرعت وراءه أذكره بعهده معي فتجاهلني و

        ما تكاد أقدامهما تنزلق في الرذيلة حتى ظهرت لهما فتولى مدبرين

        ثم التفت إلى إبليس فرماني بنظرات حداد ثم دفعني و هرول خلفهم

       محلقا في السماء بجناحيه و هو يصرخ مفتخرا :

       ـ أنا إبليس .. إبليس و سأظل إبليس

       و سرعان ما اختفى و اختفى على إثره قصره و سقطت أنا في الماء

       و كلما أريد الصعود نحو اليابسة أمسك بالهواء فأسقط في الماء ثانية

       و هكذا حتى استيقظت من غفلتي على ذراع مد إلى فانتزعني من

       متاهات الغرق و سألني في تعجب :

       ـ من الذي صنع بك هذا ؟

       فأجبته بلا اكتراث :

       ـ إبليس

       فما لبثت أن انفرجت شفتاه عن ابتسامة واسعة لما سمع مني هذا ثم

       انصرف .

 

 

alihamed

علي الفشني

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 240 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2014 بواسطة alihamed

ساحة النقاش

علي محمد حامد

alihamed
أنا قلم متصل بالوجدان مداده سيل العواطف المتدفق من منابعه و الجاري على صفحات الحياة طابعا عليها بواعث الأمل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

175,364