<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

إنّ التطور الذي يشهده العالم، بما في ذلك التطور المهني دفع بالمرأة إلى خوض تجربة العمل في كافة الحقول المهنية، رغم عدم تجانس بعضها مع طبيعتها كأنثى تعجز عن تحمل ما تتطلبه هذه الأعمال من إجهاد جسدي، وضعها في موضع منافسة مع الرجل، لكنها وبالرغم من ذلك أثبتت جدارتها في أكثر من ميدان مهني، حتى في المجتمعات التي لا تزال لا تعترف كلياً بحقوق المرأة وقدرتها الذهنية والجسدية على الإنجاز، وقد جاء ذلك من باب تحجيم دورها وثنيها عن الاستمرار في المنافسة، كونها أثبتت تفوقها على الرجل في أكثر من مجال خولها ترأس أعلى المراتب داخل المؤسسات، وهذا لم يرق للرجال الذين يرفضون الخضوع لأوامر امرأة تترأسهم.

فظاهرة عمالة المرأة ما زالت تسير بقوة نحو حصد مزيد من النجاح، رغم معارضة الرجال، ساعدها على ذلك تحررها من القيود الأسرية والاجتماعية، وتسلط الزوج، فأصبحت عنصراً مساوٍ للرجل في سوق العمل بعد أن حصر دورها في التدبير المنزلي ورعاية الأسرة بالقمع والقهر الذي مارسه ويمارسه عليها الرجل للحد من طموحاتها وكسر كبرياءها وتدمير ثقتها بذاتها كوسيلة لردعها عن فكرة خوض ولعب دور المنافس له.

ولعل الغاية المادية هي التي دفعت بالمرأة للعمل في الخارج، ما حول من فكرة انخراطها في مجالات العمل مع الرجل، إلى إيجابية لدى بعض الأزواج الذين دفعوا بنسائهم لخوض هذه التجربة، لتكون المرأة ممولاً أضافياً ينعش العائلة ويرفع من المستوى المادي داخل الأسرة، ويخفف من الأعباء الاقصادية عن كاهل الشريك، فعمل المرأة قد يمكنها من ادخار المال لتعليم الأولاد بشكل أفضل، وتأمين كل ما يلزم للمنزل، بحيث تعيش الأسرة حياة كريمة دون الإحساس بالحرمان، أما الدافع الثاني لخوض المرأة تجربة العمل، خروجها من دائرة المحدودية التي فرضت عليها التزام المنزل ورعاية الأسرة، لتكون هذه التجربة عاملاً يبدد مللها ويساعدها على افراغ شحناتها الابداعية، ويساعدها في بناء شخصيتها كبداية لتقدير الذات، وبذلك سوف تتمكن هذه المرأة من كسر قيود الخمول بحيث يُفتح أمامها باباً للإنخراط الاجتماعي والتعرف على الأنماط البشرية، يمكنها من التعامل معها، وهذا بالطبع سيشعرها بدورها الأساسي البناء داخل المجتمع، يزيد من دأبها وجهدها لمضاعفة دورها داخل الأسرة، على أسس وقواعد تقوم على الوعي والإدراك. فخبرتها في سوق العمل فعَّلت من خبرتها في الحياة عامة، عرفت من خلالها طباع الأشخاص وكيفية التعاطي معهم، والمحافظة على حقوقها التي قد يختلسها بعض هؤلاء الطامعين بانتاجيتها، كأنّ ينكروا عليها أتعابها، فأصبحت قادرة على المواجهة كما أصبحت بحكمتها ووعيها تواكب خطوات الأفراد داخل الأسرة، وتبحث عن الحل بصبر وتؤدة حتى تحفظ استقرارها، وتحول دون تفككها بسبب تيار الانحرافات الذي بات يجرف الأجيال تحت تأثير مغريات اجتماعية فاسدة. ومما لا شك فيه أنّ المرأة العاملة من خلال عملها تمكنت من تطبيق نظرية الاكتفاء الذاتي في تأمين مستلزمات حياتها فأصبحت تكتفي بمدخولها الشخصي من عملها دون زيادة الأعباء على الزوج الذي يواجه صعوبة في تأمين مستلزمات حياة الأولاد، فمن باب المحبة والمودة التي تكنها تلك المرأة لزوجها تحاول قدر استطاعتها إعفائه من تأمين المستلزمات الخاصة بها، كأن تشتري أغراضها الخاصة على نفقتها، أو تساهم في تسديد إجارة المنزل، فهذا سيعزز من مكانتها عند الشريك، ويساعدها على الوقوف بثبات أمام الآخرين ممن سبق وتكفلوا بمدها بالمال إذا ما كانت غير متزوجة، وبذلك تجد المرأة أو الفتاة العاملة نفسها أمام فرصة تمكنها من تكوين الذات والإحساس بالاستقلالية دون خوف أو تردد في أثبات الدور واتخاذ القرار بشأن خصوصياتها، ناهيك عن تمكنها من اكتناز المال للمستقبل، فاكتناز هذا المال قد يكون له أثره في اجتذاب الشريك، إذ أنّ المعاناة من الأوضاع الاقتصادية المتردية يوماً بعد يوم، والتي يشكو منها الشباب المعاصر، تدفعهم إلى البحث عن فتاة تساعدهم في تمويل المؤسسة الزوجية، فأصبح زواج الشاب في هذه الأيام قائم على المصلحة أكثر من قيامه على الحب والعاطفة، فبالمال سيأتي الحب والعواطف ما دام التفاهم والاحترام متوافرين

- ميادين العمل ومشاكله:

لم تعد المرأة تخجل أمام أي وظيفة تعرض عليها ما دامت تدر عليها مدخولاً مادياً يكفيها ويكفي أسرتها، لدرجة أنها ترضى بقطاعات مهنية خاصة بالرجال، كتصليح السيارات وقيادة حافلات الركاب، غيرها من المهن ذات الطابع الخشن، إلى جانب وظائف تخصصية كالمحاماة والصيدلة والتطبيب، وإدارة الفنادق.

ففي هذا العصر أصبحت المرأة لا سيّما تلك التي لم تنل تحصيلاً علمياً يؤهلها إلى احتلال مراكز عمل تخصصي، أوفر حظاً في إيجاد فرص عمل تناسبها وتؤمن لها العيش الكريم، من خلال التوجه المهني الذي احتل أوليات ما جذبها لا سيّما قطاع مهنة خياطة والتطريز وما إلى ذلك من أعمال حرفية تعتمد على الخبرة اليدوية في ظل انفتاح الأسر التي سبق ورفضت خوض هذه التجربة من باب الاكتفاء بدور التدبير المنزلي، لأن خروج المرأة إلى العمل من منظور هؤلاء أمر معيب يحط من قدر العائلة، وفق مفهوم خاطئ لدى شريحة منهم، أنّ العمل سوف يفتح أمام المرأة أو الفتاة باب الانفلات والتسيب وعدم الالتزام بالأخلاقيات، وهذا سيكون له أثر على شخصية المرأة التي ستتحول إلى أكثر قوة من ذي قبل وأكثر جرأة على المواجهة، وهذا بالطبع لن يدفعها مجدداً للخضوع لسلطة الأهل أو الشريك. وهناك جانب آخر تعاني منه المرأة العاملة، القبول بوظيفة بمرتب أدنى من الأدنى، في هذه الظروف الاقتصادية المتردية على الصعيد المحلي والعالمي وهذا بالطبع يأتي لمصلحة أرباب العمل ممن تستهويهم فكرة استنزاف طاقة الموظف مقابل القليل من المال، إلى جانب اجتزاء حقوقها داخل المؤسسة، إن لم تغب كلياً كالضمان والطبابة. وهذا جو شائع في القطاع الخاص، حين يبادر رب العمل إلى مساومة المرأة العاملة واجبارها على الخروج عن مبادئها مقابل تحسين وضعها داخل المؤسسة، ما يضعها في موقف حرج جدّاً يأتي على حساب كرامتها، فارتفاع مرتبها وتعزيز رتبتها داخل المؤسسة ونيل حقوقها القانونية لابدّ وأن يأتي على حساب شيء ما تملكه، والمرأة الضعيفة هي التي تقع تحت تأثير المغريات، وإن رفضت القبول والخضوع، فإنّ البديل عنها جاهز بسبب ما تعانيه المجتمعات من بطالة.

إنّ أكثر ما يؤلم المرأة العاملة ويحد من نشاطها مطالبتها بزيادة انتاجيتها دون مقابل مادي إضافي، فهي بالكاد تستطيع الإنجاز لعدة ساعات حتى تحقق مطلب مادي يرضيها، فيكون ذلك على حساب صحتها الجسدية واستقرارها النفسي، يرافقه ضغوط نفسية تنتج عن طريقة التعاطي والتراتبية وإيجاد التمايزات بين الموظفات، تتجلى بتمييز واحدة عن الأخرى، حين يخلط رب العمل بين التعاطي الشخصي وبين التعاطي ضمن إطار العمل، بمعنى أن عدم انسجام طبيعة الموظفة مع طبيعة رب العمل، تدفعه إلى اتخاذ موقف منها وكأنه عقاب لها، كان يرهقها بالعمل ويقلص من الأتعاب، وإن حاول منحها إياها بعد صراع طويل، يكون مجتزأ بحيث لا تحصل الموظفة إلا على الجزء اليسير، ما يدفعها إلى الاستدانة من الآخرين وعندها يكون عملها لا معنى له، فهي لا تعمل لكي تسد ديونها فقد، بل تعمل لكي تعيش ميسورة الحال تحصل على كل ما تريد وبذلك تجد المرأة أنها تعمل دون أن تتقاضى أتعابها المادية كما يجب، ما يثنيها عن مضاعفة إنتاجها، الذي يجد فيه رب العمل وسيلة لدفعها نحو الإنتاج، بمعنى أنّ المرأة حين لا تحصل على الأتعاب التي تتمناها، لا سيما التي تتقاضى الأتعاب مقابل كل إنجاز، دون أن يكون لها راتباً شهرياً ثابتاً، سوف يدفعها إلى مضاعفت إنتاجها مقابل الوصول إلى ما يرضيها، وهذا منظور خاطئ، لأنّ الوضع القائم على هذه الرؤية سيدفعها إلى التقاعس ما لم تلمس تحسناً في عملها من ناحية زيادة الأتعاب، أو تحسين الرتبة تصل لدرجة ترك العمل نهائياً.

فلو توفرت للمرأة ظروف مهنية إيجابية من حيث توفير المدخول المادي والراحة النفسية داخل المؤسسة لما فكرت تلك المرأة بترك العمل.

المصدر: هيام رزق كتاب (عالم المرأة)

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,285,085