<!--<!--<!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}
</style>
<![endif]-->مارتن لوثر كنج" يقول المجتمع هو الذي يشكل التربية لا العكس وفقاً لمصالح أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة، ولكن وفي ظل حركات التغير الذي يشهدها عالمنا العربي في الآونة الأخيرة، لابد أن تكون التربية عنصراً جوهرياً من عناصر حركة التغيير والتحرر من الحكم الغير ديمقراطي الذي يحتمل تعدد الآراء لما فيه الخير بعيداً عن التفرد بالقرار وبالتالي يحصل توزع للمسؤوليات.. وهذا يقتضي وفقاً لقناعاتنا تحرر التربية والتعليم من الطابع السياسي وينصرف للعمل بالمبادئ والمثل العليا لثقافة المجتمع وأعرافه، إضافة إلى التركيز على استغلال القدرات المختلفة للناشئة إلى ما تسمح به ظروف التعليم واستعدادات هؤلاء الناشئة.
إن مشكلة العمل التربوي في كثير من بلداننا هي مشكلة معرفة: ماذا وكيف ومع من وضد من ولمصلحة من يعملون؟؟. لهذا حركة التربية التي لابد أن يعمل لتكون مبنية على أسس علم النفس الحديث لكي تستطيع القيام بدورها المأمول الرافد والحاضن لحركة التغيير الاجتماعي.. التربية الحديثة أميل للأخذ بوجهة النظر القائلة بأن ما يثير اهتمام الطفل فحسب هو الذي يمكن أن يكون تعلمه مفيداً ومثيراً، كما أن من أبرز ما تهدف إليه التربية الحديثة أن يكون تدريبها من خلال الحياة أكثر منه من أجل الحياة.. وأنه لا يمكن أن تحدث أخطاء كثيرة طالما أن الطفل يحب ما يتعلمه. وهم يعلنون أن الإصرار على أداء الأعمال غير المشوقة يجفف ينابيع الطاقة العقلية ويسبب نوعاً من الحقد الكئيب الذي يمتد حتى إلى الموضوعات التي قد تثبت جاذبيتها تماماً، حيث أن مؤسسو ومديرو المدارس الحديثة يؤكدون وجود الكثير من عناصر الكراهية والسادية في النظم المدرسية التقليدية وطبقوا ما يبدو بمثابة النتائج العملية لنظرية التحليل النفسي، إن الإغفال والإرغام يعوضه التركيز على إثارة الاهتمام.
فلا يمكن أن تقام تنمية بإنسان مقهور، لأن التنمية أيّاً كان ميدانها فهي تمس تغيير الإنسان ونظرته إلى الأمور في المقام الأول من خلال وضع الأمور في نصابها الصحيح، بحيث تؤخذ خصائص الفئة السكانية التي يراد تطوير نمط حياتها بعين الاعتبار ودراسة الخصائص السكانية ومعرفة بنيتها وديناميتها.. كما أن وضعية القهر التي مورست على شعوب المنطقة العربية لاشك كان لها آثار مدمرة على التكوين النفسي والعقلي للإنسان، ولعل أبرز أثار هذا القهر هو الميل إلى التخلي عن استغلال النفس الفردية ودمج النفس في شخص آخر خارج النفس للحصول على القوة التي تنقص النفس الفردية (مصطفى حجازي، ص8).
كما أن أشد أشكال التكوين النفسي والعقلي للإنسان هي الرغبة في الخضوع والهيمنة "الرغبات المازوشية والسادية" الموجودة بدرجات متفاوتة في الأشخاص السويين والعصابيين على حد سواء.. حيث أن أشد الأشكال تكراراً التي تظهر فيها الرغبات المازوشية، هي مشاعر الدونية والعجز واللا جدوى الفردية، كما أن تحليل سيكولوجية هؤلاء الأشخاص تظهر وجود صراع بين الشكوى من هذه المشاعر السيئة وإرادتهم في التخلص منها من جهة، وقوة أخرى تدفعهم لاشعورياً إلى الشعور بالعجز والدونية وبالتالي اللا جدوى من جهة ثانية.. وبذلك نجدهم يظهرون ميلاً إلى التقليل من أنفسهم بالنسبة للقوى التي هي خارج أنفسهم بحيث تكون تبعيتهم للشخص أو المؤسسة الحاكمة، فهم لا يميلون إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون، بل يميلون إلى الخضوع لأوامر هذه القوى الخارجية سواء كانت هذه الأوامر واقعية أو مختلفة.. مقابل الميول المازوشية هناك الميول السادية، حيث توجد أحياناً مترافقة عند نفس الشخص.
وهذه الميول يمكن تصنيفها بثلاثة أنواع:
1- ميول تجعل الآخرين يعتمدون على الشخص وتكون قوته مطلقة غير مقيدة، حتى أنها لا تجعل منهم سوى آلات، تجعل منهم صلصالاً في يد صانع الآنية.
2- ميول تدفع لاستغلال الآخرين والسرقة منهم واستنزافهم.
3- الرغبة في جعل الآخرين يعانون أو يرون أنفسهم هم يعانون، إذ يمكن لهذه المعاناة أن تكون جسمية، ولكن في غالب الحال تكون معاناتهم نفسية ذهنية، هدفها إذلال الآخرين وإرباكهم... (فروم ، 119)
وهنا أجد ضرورة الوقوف عند أسباب الانحراف المازوشي ومعالم الشخصية المازوشية والجذر المشترك لكل من الرغبات المازوشية والسادية، حيث أن هذه الرغبات تميل بالفرد إلى الهرب من شعوره الذي لا يطاق بالوحدة والعجز، فيجد نفسه حراً بالمعنى السلبي أي يجد نفسه وحيداً مع نفسه وهو يواجه عالم مغترب ومعادي، وهنا يجب الإشارة إلى أن الحديث عن الطابع (المازو- سادي) ليس مطابقاً للمازوشية – السادية عندما تكون عصابية، بل ما أقصده هنا الكلام عنها كشخصية تسلطية استبدادية، حيث أن المازوشي–سادي يتميز دائماً بموقفه الحاني نحو السلطة وميله للخضوع لها، على حين أن شعوره الداخلي بأنه هو نفسه سلطة ويكون عنده آخرون يخضعون له (فروم، 125)؛
فالسادية تهدف إلى تجسيد الموضوع كما تميل إلى تدعيم الفرد بالهيمنة على الآخرين، أما المازوشية فتميل إلى تدمير الشخص من خلال إمحائه والإقلال من شأنه، حيث أن هذا الشعور بتدمير النفس متناسب مع القدر الذي يتقلص عند توسع الرؤية في النظر إلى الحياة. والإحباط الفردي ليس متمثل برغبة غريزية أو رغبة معنوية بل هو انحراف الحياة كلها وانغلاق باب تلقائية النمو والتعبير عن قدرات الإنسان الحسية والانفعالية والعقلية، إذ نجد أن الدافع للحياة والدافع للعداء ليسا عاملين مستقلين بل هما في تبعية متداخلة معكوسة.. فكلما ازداد الدافع نحو الحياة انجرافاً ازداد الدافع نحو التدمير قوة، وكلما تحققت الحياة قلت قوة التدمير، لأن الطاقة التدميرية عند الأشخاص هي نتاج الحياة غير المعاشة الناتجة عن الظروف الفردية والجماعية التي تسهم في كبح الحياة مما يؤدي إلى انفعالات كبيرة تغذي الميول العدوانية الخاصة إما ضد الآخرين أو ضد النفس (فروم، 148).
صحيح في هذه الحالة الوحدة بين الأنا والعالم تختفي ويختفي معها الشعور بالوحدة والعجز لكن هذه الذات تصبح كآلة متطابقة مع ملايين الآخرين من الآلات المحيطة بالفرد، فلا يشعر أنه وحيد وقلق وبنفس الوقت لا يحس بذاته كوحدة مستقلة، وقد بات من الحقائق التربوية لدى كل العاملين في الحقل النفسي التربوي أن كبت المشاعر وكبت تطور الفردية الأصلية يبدأ مبكراً من خلال التدريب المبكر للطفل على الاستقلالية وبدء النمو الاجتماعي، ولا يعني هذا أن التدريب يجب أن يفضي بشكل حتمي إلى كبت التلقائية، فإذا كان هدف التربية الحقيقي هو تدعيم استقلال الطفل الداخلي مع تكامل نموه.
"فروم" يؤكد أن معظم الأطفال لديهم قدر معين من العداوة والتمرد نتيجة صراعاتهم مع العالم المحيط الذي يميل إلى سد الطريق في وجه تطلعاتهم، ومن ثم يميل الأضعف منهم إلى هذين الشعورين، ولذا فإن الهدف الجوهري للعملية التربوية هو استئصال رد الفعل المعادي هذا، إذ في البداية يجري تعليم الطفل إما أن يكون لديه مشاعر ليست على الإطلاق مشاعره هو، من مثل أن يحب الناس وأن يكون ودود معهم بشكل غير نقدي، أن يبتسم وهو يدار كأنه مفتاح كهربائي، يغلق ويفتح لتنظيم استجاباته (فروم، 195). لأجل هذا التحليل الفكري لبنية الشخصية في طور النمو والتشكل المعرفي، لأجل كل ذلك لابد من النظر في آليات التعليم في بلادنا حتى يتكامل التغير في الذهنية التربوية مع التغير السياسي–النفس الاجتماعي، الحاصل في منطقتنا العربية، وأن يتم التعامل مع العلم كمنهجية حياة وليس كقميص يلبس أو أكلة تؤكل، يلبسه حين يقرأ كتاباً أو يدخل مختبراً أو يلقي محاضرة ويخلعه في سائر الأوقات، وبذلك تكون الآلية التي نعرفها جميعا من سوء التكيف والصراع الداخلي الذي يعيشه أغلب المتعلمين والمثقفين في صعوبة أن يعيش ثقافته وعلمه كسلوك فعال في حياته اليومية.
هذه الازدواجية في فصل العلم عن الحياة هي السائدة في النظم التربوية في بلادنا وهذه السمات تؤخر الإنسان من ممارسة حياته بشكل فعال، كما أننا لا نزال نرى في الحياة اليومية التقليد وانتشار الخرافات والنظرة المتخلفة للوجود، أما في المناسبات العلمية فنرى الشخص يحلق في الأجواء العليا ولو للحظات وهذا هو انفصال الفكر عن الواقع.. لذا التعليم لابد أن يبدأ من الأم بتحريرها من جهلها ومساندتها ضد قهر الزوج والأعراف السائدة حتى يبدأ التفكير العلمي العقلاني يتسرب إلى حياتها، لأن الأمهات إذا بقينا على التفكير الخرافي وتسليط المعتقدات اللاعلمية على حياتهم مثل / الجن والشعوذة والشياطين، فهي بذلك سوف تنقل هذه الأفكار إلى طفلها، مما يجعل نظرته للعالم منذ البداية خرافية لا علمية، لذا تثقيف الأم بالمعرفة الصحيحة لوقت البدء بالتجاوب مع الطفل منطقياً والرد على أسئلته بوضوح ومصداقية وباختصار من عمر الثالثة عندما ينشأ لديه الفضول والتساؤل حول أسرار الوجود وقوانين وظواهر مختلفة، لا أن يجاب بالكذب والتخويف والخجل، فكم نجد لغاية اليوم الكثير من الأمهات تكذب على طفلها حتى لا تجشم عناء الشرح أو حتى تغطي جهلها أو تخوفه بالأشباح حتى تقيد حركته من خلال الوهم وترتاح من أعبائه؛
ونجد هذه الأم بذات الوقت تفرض على أطفالها هيمنتها العاطفية كوسيلة تعويضية، إذ تغرس في نفوسهم التبعية من خلال الحب وتشل عندهم رغبات الاستقلال بحيث يظلوا ملكية خاصة لها وتحيطهم بعالم من الخرافات والمخاوف، فينشأ الطفل انفعالياً خرافياً عاجزاً عن التصدي للواقع من خلال الحس النقدي والتفكير العقلاني، كما يأتي الأب بما يفرضه من قهر على الأسرة من خلال قانون التسلط والخضوع الذي يحكم علاقتها ليكمل عمل الأم فيغرس الخوف والطاعة في نفس الطفل ويحرم عليه الموقف النقدي مما يجري في الأسرة من الوالدين وما يمثلانه من سلطة تحت شعار قدسية الأبوة وحرمة الأمومة وبذلك الطفل ينشأ على سيل من الأوامر والنواهي بذريعة التربية الخلقية وبذريعة معرفة مصلحته وتحت شعار قصوره عن إدراك هذه المصلحة (حجازي، 82).
هذه التنشئة وما يستتبعها من ممارسات علمية يحملها الطفل معه إلى المدرسة، وهنا تتفاقم المشكلة لأن المدرسة بأساليبها التقليدية غير المشجعة على التفكير الابتكاري للأطفال، لا تستطيع أن تقتلع الأفكار والممارسات التي غرزت عند الطفل من أسرته، وبذلك ينشأ الطفل على التمازج بين الخرافة والمعلومات الملقنة بما يفقده اكتساب العقلية العلمية المنهجية (فروم، 78).
وهنا لابد من الإشارة والتأكيد أن التعليم التلقيني من أخطر الصور التربوية التي تشبع وتدعم القهر، حيث أن أهم ما يميز هذا التعليم هي اللهجة المتعالية وعدم قدرته على مجاراة عقل الناشئة في رغباتهم وحاجاتهم للتغيير المتناسب مع حركة نمو جسمهم السريعة التبدل.
وأضرب مثال على التعليم التلقيني المقتصر على الحفظ والتذكر دون التعمق في المضمون مثال: 3x5، أو عاصمة كذا هي كذا. إذ يصبح التعليم وكأنه ضرب من الإيداع وبذلك يتحول الطلاب إلى بنك معلومات والمدرسون هم المودعون، المفهوم البنكي للتعليم لاشك هو نموذج سيء بأن يملأ رأس الطفل ويخزن المعلومات دون وعي، فالعقل الإنساني الذي يحرم من فرص الإبداع والتطوير كيف له أن يمارس وجوده الحقيقي بدون أن يتساءل ودون أن يعمل (سعيد إسماعيل علي، 204) وبذلك التعليم البنكي يقلل القدرة الإبداعية بل يلغيها تماما من أجل خدمة أغراض القاهرين الذين لا يرغبون في أن يصبح العالم مكشوفاً لهؤلاء الناشئة وأن يصبحوا موضوعاً للتعبير فالقاهرون يتصرفون بغرائزهم ضد أي محاولة في التعليم تستهدف تنمية القدرة النقدية وترفض النظرة الجزئية للعالم بحقائقه، ومن مزايا التعليم البنكي كذلك:
- فرض السيطرة الأبوية على النظام الاجتماعي الذي يتلقى فيه المقهور تعليمه ويغدو التعليم البنكي كأنه مجرد قيمة ينفصل بها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مالكين للمعرفة عن أولئك الذين يفترضون أنهم لا يعرفونها وإضفاء صفة الجهل على الآخرين هو في حقيقته من مخلفات فلسفة القهر التي تجرد التعليم والمعرفة كليهما من خاصيتهما كعمليتي بحث مستمر من أجل اكتساب الحرب.
- من سمات التعليم البنكي بأنه يقدم المعلم نفسه للتلاميذ على أنه الصورة المضادة لهم حيث بإضفائه عليهم صفة الجهل يبرر وجوده كأستاذ لهم وعند هذه المرحلة يتم تقريب التلاميذ واستبعادهم يحسب مزاج المدرس المتسلط وغير المنفتح والمؤمن بقدرات تلامذته وبحسب المنظور الهيجلي للدياليكتيك فإن اعتراف التلاميذ بجهلهم هو تبرير لوجود الأستاذ بينهم، هذه سلطة السيد والعبد. (باولو فرير، 52).
- هذا النوع من التعليم يمارس ليس بالضرورة من خلال علاقة تسلطية هي سلطة المعلم التي لا تناقش حتى أخطاؤه ولا يسمح بإثارتها وليس من الوارد الاعتراف بها، بل على الطالب أن يطيع ويمتثل لسلطة المعلم، فبهذه العلاقة اللاعقلانية تعزز النظرة الانفعالية للعالم، لأنها تمنع الطالب من التدرب على الاستقلالية على شؤونه ومصيره بل تجعله مستمر بعقلية متخلفة تشكل سلسلة من حلقات القهر الذي يمارس على مختلف المستويات في حياة الإنسان المتخلف.
- إضافة لهذا الأسلوب المتردي في التعليم لابد من وقفة عند محتوى التعليم، حيث أغلب محتويات المنهاج تكاد تكون مستوردة من خارج المجتمع، أو لا تمت بصلة لواقع الطفل من التراث الشعبي مثلاً وبذلك ينشأ الطفل وكأنه يلبس ثوب العلم في المدرسة ويخلعه خارجها فنجد أغلب تلاميذنا يتعاملون بشكل لفظي مع العلم وقوانينه، ويتعاملون مع واقعهم بأسلوب انفعالي خرافي تقليدي (سعيد إسماعيل علي، 206)
- التربية المنفتحة وكيفية تفعيلها:
هناك سؤال جوهري بتقديري يطرح لكل العاملين في الحقل التربوي والنفسانيين القريبين من هذا الوسط مفاده "كيف يكون التعليم هو عملية لتحرر الفكر؟ وكيف نبعده عن أن يكون عملية محايدة أي العلم لمجرد العلم وليس كضرورة إنسانية، تربط الإنسان بتاريخه؟؟؟...........
لذلك ليس أمامنا من مهرب من أن يكون التعليم أو العمل الثقافي يعملان بندية وليسا منفصلين متضادين، بل يعملان بترابط منطقي، حيث أن ممارسة نظرية المعرفة والمنطق في العمل التعليمي أو العمل الثقافي من أجل التطويع واستعادة المعلومات الموجودة وليس خلق معلومات ومفاهيم جديدة لتصبح المعرفة ليست تكديس للمعلومات، بل هي عملية من أجل إنتاج المعرفة من خلال المعلومات الموجودة فعلاً في محيطه إلى تنمية القدرة على ابتكار معلومات جديدة وجعل التعليم من أجل التحرير وليس من أجل التطويع (باولو فرير ،مستقبل التربية، ص195) بهذا النوع من التعليم الذي يتناول قضايا الإنسان مع العالم، القضايا العقلية لعلاقة الإنسان بالعالم، ويرفض أسلوب البيانات ليستعيض عنها بأسلوب الحوار، وبذلك يكون التعليم الذي يعالج المشكلات هو وحده القادر على حل المتناقضات التي تحول دون تحقيق الحرية؛
وفقاً لمبادئ عدد من علماء النفس التربويين الشهيرين "من أمثال برغسون وجون ديوي وجان بياجيه" فبرغسون يرى أنه لكي يكون التعليم عملية إعادة صنع من أجل تحويل الكينونة إلى صيرورة، وليكون التعليم وسيلة من أجل تطوير نفسه استناداً لحقيقة عدم كمال الإنسان مما يدعوه ليتخذ التعليم وسيلة من أجل تطوير نفسه، وبذلك يصبح التعليم المؤهل للتحرير، هو التعليم القائم على والحوار وحرية الكلمة، والكلمة المقصودة هنا هي التي تسعى لحرية الفكر والعقل..
أما "جون ديوي" ومن خلال نظريته المنطقية التي تتسم بأنها تحليل لمفاهيم العلم وطرائقه تحليلاً يبرر صورها، وكما أن تغيير الأساس الذي يقوم عليه العلم في العصر الحديث يستوجب أن يتغير معه منطق التفكير، كما يؤكد "ديوي" على أنه لا انفصال ولا اختلاف بين مجال الأمور الإنسانية ومجال الأمور الطبيعية، وإن كان هناك اختلاف فهو في الدرجة وليس في النوع، يقول ديوي: إن مشكلة ثقافتنا المعاصرة أن نحل التكامل محل الانقسام وطريقنا إلى ذلك لا يكون إلاّ بوسيلة منطقية موحدة نتخذها فيما نتناوله ونجربه، ولن نتمكن من ذلك إلاّ إذا اعترفنا بما يوجد في بناء البحث من وحدة سواءًا كان هذا البحث بحثاً في مجال الأمور الإنسانية، أو في مجال الأمور الطبيعية وأن نعتبر ما قد يكون بينهما ناتجاً عن أن لكل منهما منطقاً خاصاً به، فالإنسان في اختراعه الفنون والصناعات بغية تسخير قوى الطبيعة كي تعمل لمصلحة الإنسان كأن يبني ملاجئ يلوذ بها، فالإنسان لا يقف من الطبيعة موقف سلبي بل يغيره بأفعاله كما تغير النفس بالانفعال (dewey,67).
وبالقياس لأفكار "برغسون وديوي" يمكننا القول أن ما يميز المجتمعات الحديثة هو التغيير الذي بات مقوماً من مقومات حياتنا في العصر الحاضر، وأصبح عامل التغيير هو العامل الذي يعم جميع نواحي الحياة العصرية اليوم.. الفلاسفة البراغماتيين إيمانهم بحقيقة التغيير وتسارع إيقاعه أدى إلى نظرة جديدة للكون والحياة والإنسان فإذا أراد الإنسان أن يعرف حقيقة أن يتطلع دائماً إلى الغد وإلى ما بعد الغد، لكنه إذا حبس نفسه في الأمس فسوف يخطئ الفهم،
أما عالم النفس التربوي "كلباتريك" فيرى أنه ليس فقط تراكم الأفكار الموثوق بها وحده هو العامل الذي أدى إلى خلق العالم الحديث، وإنما صاحب هذا التراكم ميل إلى تطبيق هذه الأفكار لتحسين الحياة الإنسانية، حيث أن العالم ظل قرونا ثابتاً على رأي أرسطو دون اختباره، إلى أن جاء "جاليليو" يثبت خطأه فيفتح الباب بذلك لتوقف في الفكر العلمي الذي أدى بدوره إلى الكثير من صور التغيير، ففي بلاد الإغريق لم يكن للتطبيق العملي، شأن يذكر ولم يكن هدفاً يسعى إليه، أما الآن فإن الميل إلى الفكر التطبيقي هو المعيار لفعالية الأفكار التربوية بل ولأي فكر، إذاً إن ما يميز ثقافة العصر الحديث، هو التركيز على الثقافة الفكرية لأجل الحياة وليس الثقافة لأجل الثقافة أو الفكر لأجل الفكر، وغدت الكلمة مصداقية بقدر ما هي قادرة على تغيير العالم.. (باولو فرير، 61)..
أخيراً إن من أهم آليات التربية المنفتحة، التربية لأجل تحرير القدرات ولأجل البناء أذكر ما يلي:
- إن الوظائف الجوهرية للذكاء تنطوي على الفهم والإبداع وهي تتألف من بناء تكوينات عن طريق بناء الواقع فيبدو واضحاً في الواقع باستطراد أن هاتين الوظيفتين متلازمين، كما أن أصل العمليات العقلية يمكن تقصيها من أول مرحلة من مراحل التطور المتصف بخصائص النشاط الحسي حركي والذكاء وفي حوالي الثانية من العمر تبدأ فترة ثانية تمتد حتى السابعة وتتميز هذه المرحلة بتكوين الوظيفة الرمزية وهذه الوظيفة تمكننا من تمثيل الأشياء أو الأحداث التي لا تكون موجودة في مجال الإدراك واستحضارها على شكل رموز أو علامات، واللعب الرمزي عند الطفل كما تعلمون مثال حيّ على هذه العملية.
كما أن الوظيفة الرمزية تمكن الذكاء الحسي حركي من أن يتسع نطاقه بواسطة الفكر، ولكن يوجد في الجهة الأخرى ظرفان يؤخران تكوين العملية العقلية كما يجب أن تكون عليه بحيث أن الفكر القائم على الذكاء يبقى طيلة الفترة الثانية مجرد فكر سابق للتفكير الإجرائي (جان بياجيه ،47) كما يرى بياجيه، أن الذكاء لا يمكن اقتصاره على إدراك العلاقات أو التفكير المجرد فهو موجود في كل العمليات التكيفية عند الأطفال والراشدين ويتزايد ذكاء السلوك بصورة متقدمة بازدياد وتعقد الصلات المتبادلة بين الاستعدادات العضوية ومحيطها وفي كل مرحلة من مراحل التطور تعتبر التجربة الجديدة والخبرة أمراً ضرورياً لنمو الذكاء (عباس، 92).
- تعتبر خدمة التوجيه النفسي أو إعادة التأهيل (rehabilitation) من الخدمات التي لابد أن يتكون منها أي برنامج تربوي في أي مؤسسة سواء كانت اجتماعية أو تربوية أو مهنية أو علاجية، نظراً وكما تعرفون لما تتميز به من أهداف تتعلق بإشباع الحاجات النفسية المختلفة، من إثبات الذات وكذلك التفتح المعرفي من خلال تنمية الميول والمواهب المتعددة، فإعادة تأهيل الفرد الذي عجز عن القيام بعمل ما نتيجة صدمة نفسية أو مرض عضوي أصابه إلى مزاولة هذا العمل مرة ثانية ولو بقدر من الكفاءة وذلك بعد أن يتدرب عليه بما يتلاءم مع مقدراته الجديدة التي اتسمت بها شخصيته بعد عجزه، أي إعادة تأهيله للقيام بنفس العمل متكيفاً مع وضعه الجديد.
- التعاون أو العمل الجماعي: لما كان الحال في نظرية تعلم المقهورين المبنية على العمل اللا حواري، فإننا نجد أن عكس هذه النظرية يصبح في العمل الحواري، حيث أن الأشخاص المتفاعلين يلتقون جميعاً في علاقة تعاونية من أجل تطوير الدافع، لأن الأنا اللاحوارية تحول الأنت إلى مجرد شيء، فالأنا الحوارية كما يقول "مارتن بوبر" تدرك أن الأنت قد أدركت واقعها، ومن المحتم أن تدخل مع الأنا في علاقة جدلية تغيير العالم، هكذا فلا تحتمل نظرية العمل الحواري وجود جماعة يقتصر دورها على السيطرة وتستخدم في ذلك حقاً غير شرعي في الامتلاك، إنما تتضمن هذه النظرية أناساً لهم هدف واحد يسيرون إليه.. فالتعاون كركيزة من ركائز العمل الحواري لا يمكن أن يتم إلاً حين يتشارك الجميع رغم الاختلاف في التخصصات وأهميتها. (سعيد إسماعيل علي، 220).
- التنظيم: التنظيم دائماً يرتبط بالوحدة وهو دليل على التواضع والشجاعة والمشاركة في العمل الجماعي، حيث يتفادى الناس به الوقوع في أخطاء العمل الحواري فلما كان الاستقلال في العمل اللاحواري يخدم أغراض الامتلاك، فإن الجرأة والحب اللذين يتميز بهما العمل الحواري يخدمان أهداف التنظيم، وبالنسبة للصفوة المتسلطة فإن التنظيم عندها يعني تنظيم مصالحها وأما بالنسبة لقادة التحرير فإن التنظيم يعني تنظيم أنفسهم مع الناس.
- التآلف الثقافي: العمل الحواري يهدف إلى احتواء المتناقضات وبذلك تكمن حرية الناس أما في نظرية اللا حوار فإن المتناقضات تبقى على حالها لكي تحول دون تحقيق التطور اللازم لتحرير الناس.. وبذلك تكون نظرية التآلف الثقافي هي ضد نظرية الغزو الثقافي، حيث أن الممثلين الذين يأتون من عالم مختلف ويدخلون في سيكولوجية الجماهير فلا يدخلون كمبشرين أو معلمين أو غزاة، بل كمتعلمين مهمتهم تتركز في أن يعرفوا الناس على أمر ما وهم يندمجون بالناس ليصبحوا مشاركين لهم في العمل الذي يقومون به معاً تجاه العالم (باولو فزير، التربية تطويع أم تحرير، ص136)....................
وفكرة أخيرة أيها الزملاء والزميلات لابد من التأكيد على أن هناك فكرة باتت اليوم لا تخفى على أي تربوي أو عالم نفس أو حتى بات الأمر معروف الصلة الوثقى التي تربط علم النفس بالتربية، ولاسيما علم النفس المرضي والتحليل النفسي، حيث أن الجهود العلمية في هذين التخصصين / العلوم النفسية والتربوية / سرعان ما فرضت في كثبر من الدول المتقدمة طريقة المعالجة النفسية محل الاتجاهات الأقدم المعتمدة على القوانين الشرعية أو الأسس الأخلاقية فيما يتعلق بجرائم الشباب أو جنوح الأطفال مما حقق فائدة كبيرة لكل من الجانح والمجتمع...
وتبعاً لهذا التغيير الذي حل في المؤسسات التربوية في كثير من بلدان العالم المتقدم ثم أيضاً إحلال مؤسسات إعادة التربية الخاصة محل السجون والإصلاحات والمؤسسات القديمة وهذا استتبع الإلغاء الكامل للقواعد القديمة للنظام التربوي القائم على الإرغام وإحلال نظام التسامح محل الإصرار القديم على الأخلاق والمنوعات، حيث أنه تطبيق مبادئ علم النفس المرضي وعلم النفس التحليلي، فإن إغفال نظام الإرغام والتعويض عنه بالتركيز على إثارة الاهتمام بدل من الطرق القديمة المعتمدة على العقوبة ونظرية التدريب الكلي وإصرارها على أداء الأعمال غير السارة لتقوية الإرادة، إنما تفي أن ما يتعلمه الطفل ليس مهماً طالما أنه يكرهه........
مع الأمل أن يحظى أبنائنا وأحفادنا أجواء تربوية بعبق الحرية بأبعادها المختلفة ونؤكد هنا على حرية التفكير والعقيدة لأن الحرية المبنية على الفكر هي حرية مسئولة وبالتالي بناءة..........
المصدر: الكاتب: د. مرسلينا شعبان حسن
نشرت فى 31 يوليو 2012
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,396,735
ساحة النقاش