تحرك الأفراد وتتحكم في سلوكهم أثناء تواجدهم ضمن الحشود، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن الأفراد العاديين يتصرفون عادة بطريقة لا تعبر عن حقيقتهم، كأن يصبحون عدوانيين ويلجأون للعنف غير المبرر نتيجة اكتسابهم شعورا بالقوة الإضافية وهم ضمن الحشد. كما أن الشعور بالذنب ومحاسبة الذات تتضاءل إلى درجة الصفر أثناء قيام الأفراد بالتخريب أو حتى القتل خلال مشاركاتهم في المظاهرات والثورات، ومرد ذلك حالة الفوضى التي تصاحب المظاهرات أو الثورات الشعبية والتي يصبح فيها من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحديد المسؤولية الجنائية عن حوادث القتل والتخريب.

وقد تناول جوستاف لوبون أحد علماء الاجتماع الفرنسيين في القرن التاسع عشر دور البروبوغاندا (الدعاية) والشعارات الحماسية (بغض النظر عن كونها عقلانية أم لا) في تكوين الرأي العام وإثارة الجماهير وحفزهم على المشاركة في الحشود، كما قام سكنر وميللر وتارد وغيرهما من علماء الاجتماع بدراسة ظاهرة «الحشد» في محاولة لفهم آليات عملها وطرق هيمنتها على سلوك الأفراد، وربما يعد أهم ما توصل إليه هؤلاء العلماء وغيرهم من نتائج هو أن الفرد عندما يدخل ضمن الحشد فإنه يفقد القدرة على السيطرة والتحكم في أفعاله بصورة كبيرة، فيجد نفسه مضطرا للتصرف كما يتصرف الآخرون دون وعي بأبعاد ونتائج أفعاله، ففي الحشد تتحرك الجموع وكأنها كتلة بشرية ضخمة، تتسارع فيها الأحداث بشكل غير مدروس أو غير مخطط له مسبقا، ولردود الأفعال هنا دور كبير في تشكيل السلوك الجمعي وتحريك الجماهير باتجاهات عشوائية، ويسيطر على الأفراد خلال الحشود استعداد خاص لفعل أي شيء، ومحاولة التميز عن الآخرين بفعل ما لم يفعله غيرهم، وهذا ما يفسر عشوائية السلوك العدواني الذي ينتشر أثناء المظاهرات أو الثورات، إذ يجد الأفراد أنفسهم بحاجة إلى فعل أي شيء ليشعروا بأنهم جزء من هذا الحشد وأنهم منسجمون مع ما يحدث، وليتخلصوا من عقدة الشعور «بالنبذ والإقصاء» التي تطاردهم خلال تواجدهم في الحشود.

باختصار، في الحشد يتصرف الناس بمنطق يختلف عن منطق الأفراد، أي بمنطق الجماعة أو الحشد، والذي هو أصلا يكون بلا منطق ولا تخطيط مسبق وهنا يكمن سر قوة الحشود وخطورتها أيضا.

الحكمة تقتضي ألا يترك المجال للشعوب حتى تصل إلى مرحلة الثورة وتكوين الحشود، لأن النهاية معروفة ومتكررة في كل الثورات الشعبية، ليس من خلال قمعها ومحاولة منع الناس من التجمع، لأن ذلك أكبر من قدرة أي نظام، والتاريخ مليء بالدروس، وإنما من خلال العدل في الحكم والمساواة بين الناس، فهو الضمانة الأكيدة لبقاء أي نظام واستمراره. العالم يتغير وثورة الاتصالات قلصت الزمن، ومن لا يتعلم من تجارب الآخرين لن يجديه البكاء على الأطلال أو الملك

المصدر: محمد خالد
  • Currently 51/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 768 مشاهدة

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,285,764