يتعرض الشباب إلى صدمات عاطفية متنوعة بعد فشل في العلاقة مع الجنس الآخر أو تعثر هذه العلاقة .. وبعضهم يعاني من آثار الصدمة أسابيعاً أو شهوراً ، وبعضهم تتطرف ردود فعله النفسية والسلوكية ويصاب باضطراب نفسي ، وبعضهم الآخر يعتبر الصدمة تجربة مفيدة تعلمه دروس الحياة وتزيده خبرة ونضجاً وصلابة .
وأعراض الصدمة العاطفية تشمل القلق والتوتر ونقص التركيز والعزلة وتذكر المحبوب ومحاولة الاتصال به ورؤيته والحديث معه ، إضافة لتذكر الأحداث الماضية ومختلف أنواع الذكريات المرتبطة بالحبيب المفقود ، ويكون المزاج عادة متوتراً وحزيناً ، وتقل الشهية للطعام وتضعف الطاقة والهمة ، وبعضهم يهمل مظهره ويطيل ذقنه .. وبعضهم الآخر تتأثر دراسته أو عمله بشكل سلبي ويمكن له أن يرسب في دراسته وامتحاناته أو يتوقف عن الدراسة أو يستقيل من عمله . وفي حالات أخرى مرضية يمكن أن يصاب الشاب بنوبة اكتئابية شديدة أو يحاول الانتحار وغير ذلك.
والصدمة العاطفية الاعتيادية هي رد فعل مفهوم ومؤقت على فقدان الحبيب ولاتسمى مرضاً أو اضطراباً إذا لم تتجاوز الحدود الواقعية ، وهي تستمر أسابيعاً أو أشهراً . ويمكن اعتبار الصدمات العاطفية أمراً طبيعياً لأن مرحلة الشباب نفسها تمتاز بحدة الانفعالات والاندفاعات العاطفية تجاه الجنس الآخر وهي تتميز أيضاً بتقلب العواطف وحب التجريب والاكتشاف ، كما أن ضعف الخبرة في التعامل مع الجنس الآخر ومع الواقع العملي والظروف ، يجعل من الطبيعي حدوث علاقات عاطفية غير متناسبة مماينتج عنها فراق وألم وصدمات .
وفي الحالات المرضية يمكن أن تكون ردود الفعل شديدة ومعطلة ، أو أنها تستمر فترات طويلة ويرافقها تغيرات عاطفية وسلوكية تجاه الجنس الآخر كأن يبتعد الشاب عن الفتيات تماماً ، أو على العكس من ذلك يمكن أن يصبح عدوانياً وانتقامياً من الجنس الآخر كأن تقوم الفتاة بإقامة علاقات متعددة تزعج فيها الشباب وتؤذيهم واحداً بعد الآخر ، بعد أن تعرضت هي نفسها إلى صدمة عاطفية من شاب معين .
وتختلف ردود الأفعال تجاه الصدمات العاطفية بين الشباب .. وفقاً لشخصية الشاب أو الفتاة وتجاربه السابقة وثقته بنفسه وكلما كان الشاب أو (الشابة ) أكثر ثقة بنفسه كلما ازدادت قدرته على تجاوز الصعاب . وترتبط ردود الفعل أيضاً بظروف العلاقة نفسها وطريقة انتهائها . والقاعدة العامة أن النهاية المفاجئة غير المتوقعة تحدث أثراً سلبياً أكبر وأقوى من النهاية المتوقعة أو المفهومة . ويحتاج الإنسان إلى تعقيل الصدمة وفهمها وشرح أسبابها وظروفها .. والغموض وعدم الوضوح في أسباب انتهاء العلاقة يخلق قلقاً شديداً غير مفهوم ولايسهل تعقيله وهضمه وبالتالي التكيف معه وتجاوزه .
وفي حال الصدمة العاطفية يلجأ كثيرون إلى أساليب وممارسات روحية ودينية للتخفيف من وطأة الأزمة التي يعيشونها ، وهي تفيد في مثل هذه الحالات ، وبعضهم ينكب على أعماله أو هواياته ويشغل نفسه بشكل مبالغ فيه كتعويض عن الفقدان الذي تعرض له وكأنه يهرب من تجربة الفقدان ولايعترف بها ، وبعضهم يحاول أن ينسى الحبيب من خلال الابتعاد المكاني كأن ينتقل من مكان إقامته أو عمله أو كليته كي لايرى المحبوب أو يسمع عنه .. وهو يحاول مقاومة نفسه ومشاعر الضعف والألم والفقدان بالهروب منها .. وقد يفيد ذلك مؤقتاً ولكنه أسلوب طفولي أو غير ناضج للتعامل مع الصدمة مباشرة ، كما أنه يمكن أن يترك آثاراً سلبية عديدة على المدى البعيد . وبعضهم يقفز إلى مغامرة عاطفية أخرى بشكل سريع وفقاً لمبدأ " داوها بالتي كانت الداء " ولايفيد ذلك غالباً ولابد أن يبرأ الشاب من أزمته وصدمته قبل أن يقوم بعلاقة أخرى ناجحة .
ومن النواحي النفسية يمكننا أن نقول أنه من المفيد التحدث عن الأزمة العاطفية والتعبير عن الألم والأسى والفقدان والإقرار بهذه العواطف والانفعالات بهدف تجاوزها ، ومن المفيد أيضاً هضم التجربة من النواحي المنطقية العقلانية وإيجاد التفسيرات المناسبة والأسباب التي أدت إلى انتهاء العلاقة .. ويمكن أن يكون ذلك بشكل ذاتي يقوم به الشاب مع نفسه ، أو من خلال الحوار مع أصدقائه ومعارفه أو مع المعالج النفسي .
ويفيد الابتعاد المؤقت عن الحدث مثل إجازة قصيرة أو رحلة للابتعاد عن الجو المؤلم مما يعطي فرصة لتقويم الحالة برؤية مختلفة إيجابية بدلأ عن الانغماس في مشاعر الألم والإحباط والشوق .
وبعض الحالات تحتاج للمزيد من العلاج الاختصاصي النفسي أو الدوائي إذا كانت أعراض الصدمة شديدة أو طالت مدتها وتعطيلها .
ومن ناحية الوقاية .. لابد من القول أن الوضوح مطلوب دائماً في التعامل مع الذات ومع الآخر ، ولابد للشاب أن يراجع نفسه وعلاقاته وسلوكه وأولوياته .. ويمكن الاستفادة من قصص الحياة ومن الأصدقاء والأهل ، ومن الثقافة والكتب ، ومن وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالقضايا العاطفية ومشكلاتها .
ولابد من مواجهة المشكلات مع الطرف الآخر منذ بدايتها بدلاً عن تركها تستفحل وتكبر وتؤدي إلى الانفصال .. ولابد من وضع النقاط على الحروف في حال استحالة استمرار العلاقة والتفاهم والحوار العاقل على أسباب الفراق ، حفاظاً على الود والصداقة حتى وإن انتهى الحب وانتهت العلاقة.. مما يؤدي إلى تعقيل الفراق وهضمه ويخفف من آثار الصدمة العاطفية .
ولابد من ثقافة الحب الواقعية التي تؤكد على تنمية المهارات الشخصية والتفاهم والحوار والامتداد للآخر والنضج والمسؤولية العاطفية والعملية . وكثير من المستهترين من الجنسين يشكلون مصدراً مولداً للأزمات العاطفية للآخرين .
كلمة أخيرة .. لابدمن القول أن " الأزمة فرصة " وفقاً للمثل الصيني ، ويمكن أن تتحول المحنة العاطفية إلى فرصة للنمو واختبار للحياة وللذات ، مهما كانت الآلام المرافقة لمعاناة الصدمة العاطفية ويمكن أن تشكل دروساً للشاب وللشابة وتجعلهما أكثر صلابة وأكثر نضجاً من النواحي العاطفية والحياتية
ساحة النقاش