نصيحة وشرط لى ولك يحمل وعدا من الله ووعيدا ما دمنا نكتب الكتاب ونخصك به أيها المؤلف الكريم والناقد الأمين ، فتعلم كيف تكتب كما علمنا الله وخيرنا يجب أن تؤلف بعقيدة سامية ، وإيمان كامل نابع من تعاليم العقيدة المؤتمن عليها القلب ، الذي به عقل حكم وحكيم وحاكم ، لكنه لا يمتلك أداة التنفيذ على عقل المخ غير الحكيم اللاعب الفاهم المنتج للفكر والتدبر – غير سلطة عقل القلب غير الملزمة لمن ليس له قلب سليم أوﭽ .....[المطففين] تكتب على مخافة من الله ورجاء رضوانه. أم تبنى على عكسهم كمن يبنى على طرف مشرف على السقوط ، فبناؤك سيسقط معك فى نار جهنم ؟ وأعوذ بالله من جهنم وعذابها. اجعل بطل قصتك نبيلا فاضلا مخلصا نافعا ، أفعاله حسنة فنقتدي به ، وذا فكر من العقائد السماوية يحسن التدبير والتصريف فنتعلم منه ، حتى يكون بطلك مسببا للتأثير فينا بسبب الخوف والشفقة والعطف والرأفة والتضرع والذكر فيكونون سببا فى الخلاص لنا من شرورنا وآثامنا ، ومطهرا لنا من مخاوفنا وضلالنا ، وواعظا وقدوة لنا، فاصنع له عقبات ومن يهددون حياته بالقتل فنخاف عليه ، ومن نجاته وانتصاره فيما بعد نشعر نحن بالأمن المسبب للتطهير من الخوف بداخلنا ، وهو نوع من العلاج النفسي لنا 0 ودبر زلة أو خطأ غير مقصود منه فيجنى بسببها الآلام والمعاناة ليكسب تعاطفنا حتى نشفق عليه ، والشفقة أكبر خالق للتراحم ، والرحمة صفة من صفات الله ومن أسمائه الحسنى وأمرنا أن نوصف بها كما هو حال الأنبياء جميعا0 واجعل أفعاله غامضة مثيرة مشوقة ليمتعنا ويحببنا فيه لنقبل منه كل ما يقوله وما يفعله فنتعظ منه ، واجعل له من المصائب والأهوال التى يلاقيها فيتضرع إلى الله في محنه وينصفه فتطمئن قلوبنا وتلين وترتاح و تسكن بتوحيد الله وذكره لأنه بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس ، واطمئنان القلب وراحته يحقق لنا السعادة المخلصة من الكآبة وهى بذلك نوع من العلاج النفسي ونوع من العبادة والتقرب إلى الله .
واجعل له من الأحداث حدثاً أو من الأفعال مشهدا مبهرا مفاجئا فيذكرالرسل فنصلى ونسلم عليهم وننال شفاعتهم وبركتهم فننتصح منه وترتاح ضمائرنا . وبهم جميعا سيحدثون السعادة والطمأنينة والأمان وراحة البال فيتطهر ضميرنا ويتخلص من الخوف والشك والريبة والوساوس فتشفى أنفسنا ، وهم بذلك نوع من العلاج النفسي ، ونوع من الإيمان الذي نثاب عليه من قبل الله – تعالى- وهو المفروض ، غاية ما تود وما تأمل وما تهدف إليه من بطلك الذي صنعت ، ومن عملك الذي أبدعت ، ومن علمك الذي انتفعت ، ومن عقيدتك التي أرشدتك ؛ لأن نعمة التوحيد التى من الله بها علينا هى التي تطهر النفوس والأخلاق وتزكى القلوب والأرواح ، فاجعل قصتك قيمة ونعمة لا معصية و نقمة لتطهر النفوس ، فتطهير النفوس أكبر نوع من العلاج . وإياك أن تجعل بطل عملك غير ذلك فلن نقبل منهم ولن نتعظ ولن نخاف عليهم ، وإن حدث ذلك فأنت مضلل وهدفك ليس نبيلا ، ورسالتك ليست صالحة ، وعقيدتك ليست سامية ، وقلبك فاسد لم يعد له عقل ، ولا تأت بمعاقر للخمر والنساء لنشفق عليه ، أو سارق بلا أخلاق ليعظنا ، أو فاسق فاجر ليكون سببا فى إقناعنا . أو جاحد بوالديه وبأنعم الله وفضل رسوله ليكون قدوتنا ، أو عظيم في سفالته وكبير في شره ليكون عبرة لنا . أو غير جاد ولا متعقل ولا يحسن التدبير ليمتعنا .
لأن غاية دربنا فى الحياة هو نوع من القول والفعل والعمل لنحقق السعادة ورضي الله - وشخوص قصصك كذلك - أو غير ذلك لمن يشاء من درب للشقاء ومعصية الله. وهو أيضا يجب أن تسقطه على شخوص فعلك الروائي و الفني من خلال فكرهم الذي من خلاله يفعلون ويعملون ويقولون ، وهو المبرر لكل أفعالهم وتصرفاتهم - لأن الله يحاسب على الأفعال - ومنه نستطيع نحن حسابهم والحكم عليهم والتمييز بينهم ، خيرهم من شرهم ، نافعهم من ضارهم ، صالحهم من فاسدهم من نقتدي به ومن لا نقتدي .
إن الإنسان بطبيعته وفطرته كائن حكاء ومحاكٍ ويسر برؤية أو سماع أو قراءة المحاكيات ؛ لأنها أقرب إلى قلبه ووجدانه ، فإن الله أنزل القصة في قرآنه العزيز في غير ذي موضع .
إن القصة مثارة و مشتقة ومستنبطة من أشرف كتاب نزل من السماء الحق المجيد القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وبلسان عربي فصيح وواضح وجلي لعلنا - نحن العرب- نعقل معانيه ونفهمها، ونعمل بهديه ، أنزله عن طريق أشرف الملائكة جبريل ، على أشرف الخلق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وجاءت القصص فيه لتؤثر في النفوس أثرا عظيما لأن الإنسان بطبعه وفطرته حكاء ومحاكٍ فهو يروق ويرق ويطرب للسمع ويشعر بالمتعة عندما يسمع شيئا يحكى ، أو يروى ، أو يمثل .
فما بالك بأن الشيء المحكي به تشويق وإثارة وغموض وإمتاع وإقناع واتعاظ وتسلية وتسرية وتفريج عن النفس والفؤاد ، وبلغة جميلة شيقة لا يستطيع كائن من كان أن يأتى بمثلها تعرف طريقها إلى القلوب والعقول والأفئدة لتتعلمها وتعرفها ، ومن صانع خالق لا يعلو على صنعته شىء ولا على خلقه خلق ، فهو رب الأرباب خالق الأرض والسماء القادرعلى كل شىء بالحق والعدل والصدق ، وخالق النفوس والعقول ومزكي القلوب فهوالعالم بكل أسرارها لأنّه سبحانه عليم بذات الصدور ، والمطلع على كل كوامنها والكاشف لكل أسرارها ؛ لأنه سبحانه سميع عليم . وبيَّن لها طريق الخير والصلاح وطريق الشر والفساد
وجعل الإنسان يميز بينهما لما اختاره من أمانة وهى عقل المخ الفاهم المنتج مناط التميز وسبب الحساب ، ووضعهما فى القلوب لتكون عقول القلوب المرجع والناقد للفكر والأعمال ولذا تحكم عليهم ، والعالم الخبير بما يؤثر فيها ، ما تحبه وتهواه وما تكرهه و تنساه . ومن عطاياه لعلمه بنفوسنا وما نحبه وما هو من طبائعنا فقد أنزل من أجلنا القصص لتكون أقرب إلى النفوس والعقول والأفئدة ، لجملة من الأهداف نحن نقصُّ عليك -أيها الرسول - أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الأخبار، لا تدري عنها شيئًا، ولذلك نحن نتعلم منها العلم والمعرفة والعظة لأهل القلوب السليمة والعقول المطيعة لأنه بيان لكل ما يحتاج إليه العباد فى دينهم ودنياهم وآخرتهم . بيان الحق الذي أنت عليه وائتمنا عليه قلبك ، وجاءك فيها موعظة يرتدع بها الكافرون ، وذكرى يتذكر بها المؤمنون بالله ورسله ، وتثبيت القلوب التى تحكم العقول ؛ لأن القلب عرضة لأن تهزه الأهواء ، وإن فسد القلب فسد العقل . كما جاء فى الحديث : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ سَمِعَهُ مِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : إِنَّ فِي الإِنْسَانِ مُضْغَةً إِذَا سَلِمَتْ وَصَحَّتْ سَلِمَ سَائِرُ الْجَسَدِ وَصَحَّ ، وَإِذَا سَقِمَتْ سَقِمَ سَائِرُ الْجَسَدِ وَفَسَدَ ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ [ مسند أحمد ، رقم 17686 ]
فدقق فى الفروق ، لأن الفرق الجوهري بين ما هو قولي وما هو فعلى، يتلخص فى أن القولية ماض ، استحالة عودته إلا بالقول المحكي أو المروى . بينما الفعلية حاضر ومستقبل ، وجوهر وقعها يكون بالفعل التمثيلي ؛ لأنها قصة مصنوعة تخبر بالتمثيل المشاهد والمسموع رأى العين وسمع الأذن لا خلقا حقيقيا .
الفرق بين القصة القولية والفعلية
البرهان : إذن القول لا يكون إلا لشيء مضى – فعل ماض - ويستحيل عودته إلا قولا ، نخبر به نحن . إذن القصة القولية قول حدث لفعل مضى ، والقول فى القص إخبار و إعلام و تعريف وتوضيح و تبيان وإظهار وبيان ، وأداته ، قال ويقول وتشبيه ومثال ، وغموض تكتنفه الأحداث ، بالتورية والجناس ، وبوصل يبنى بعضه بعضا بربط من بلاغة اللفظ فى المثانى ، وحبكة بحسن ترتيب من بيان ، بما هو معروف لنا ينصرف لمعنى آخر بتورية ودقة فى التصوير ، حتى لو كان القص فى صيغة المضارع ولو تعداه للمستقبل لصار فعلا ، وإن لم يتحقق فعلا لا يكون إرجاعه إلا تخيلا يدرك بعقل المخ والشعور والإحساس بعقل القلب ، من خلال السمع أو القراءة.
أحدث ، حدث ، يحدث ، فتكون القصة القولية إخبار لأحداث مضت عن حدث ، نخبر بها نحن ، فتكون القصة حدثا كاملا وتاما غير منقوص . وسنعرف الحدث الكامل والتام فى موضعه عند تعريف القصة إن شاء الله.
القصة الفعلية الفنية الدرامية
إذن الفعل شىء يُفعل و يُعمل ، ولا يتحقق الفعل إلا فى الحاضر ، وبما أنك أنت – ونحن – مخلوق لا يستطيع أن يخلق – الخالق هو الله وحده الواحد فأنت تصنع تشبيها للفعل ، ولا يتحقق تشبيه الفعل إلا تمثيل مشاهد من مشهد يرى ويتحقق أمامنا رأى العين وسمع الأذن متى فُعِل ، ولذا تكتب مشاهد القصة الوصفية فى المضارع ، وحسن بيانها من دقة تفصيلها بالسيناريو فى المضارع كذلك . وقد تحقق أيضا فى القصة النموذج الفريد- سبحان الله الخالق القادر المعجز سورة يوسف وغيرها .أداة الفعل المشاهد : الممثلون - الحضور - رأى العين – العرض – المكان.
البرهان : إذن القصة الفعلية ، فعل كامل تام عظيم ومتحقق ، تبنى من المشاهد واللقطات ، وسيأتى بيان الكامل والتام والعظيم والواقعى فى موضعه إن شاء الله.
ساحة النقاش